ولدت علي أطراف العاصمة لأسرة نازحة من إحدي المحافظات الفقيرة، التحقت بمدرسة حكومية لبضع سنوات دون أن تستفيد شيئا بل تكاد تكون لا تجيد القراءة والكتابة، اضطرت للعمل بأحد المصانع الصغيرة حتي تساعد والدها في أعباء إعاشة إخوتها الصغار وتستعد أيضا لتجهيز نفسها لكي تنال الشرف السامي الذي يدعي... الزواج. تلتقي بابن الحرام الذي بحثت عنه كثيرا تنفيذا لمبادئ قديمة وأمثال شعبية من نوعية.... الست ملهاش إلا بيتها وجوزها وضل رجل ولا ضل حيطة، تترك عملها بالمصنع إرضاء لبطلها المغوار الذي قد يمنعها أيضا من الخروج إثباتا لرجولته وسطوته التي تفوق سطوة صدام حسين في عراق الثمانينات، قبل أن تتزوج في شقة مستأجرة وتنجب البنين والبنات، منهم المريض البدني والنفسي إلا قليلا، وتبدأ متلازمة المرأة المعيلة في الظهور وتضطر الزوجة البائسة للخدمة بالمنازل وترفض العمل مجددا بالمصنع القديم خوفا من نظرات الشامتين ممن لم ينعموا مثلها بنعمة الزواج، تبدو وكأنها تحمل هموم الدنيا فوق أكتافها وتسير بصعوبة وكأنها بلغت من العمر أرذله رغم أنها لم تغادر عقدها الثالث أو الرابع بعد، تعول أطفالها وزوجها المدمن الذي رأي أن قدراته وخبراته تفوق ما هو مطلوب في سوق العمل، وتفشل محاولاتها المتكررة لدفعه إلي العمل وتنتهي عادة بضربها ضربا مبرحا يترك علامات بارزة علي وجهها بما يمنحها شهادة وختم البؤس والشقاء، فترضخ لأوامره وتسعي جاهدة لارضائه بشراء الدخان الأبيض والأزرق له من حصيلة عملها الشاق وقبل توفير الضروريات لأبنائها أحيانا، يكبر الأبناء ويفلح منهم من يفلح وقد تجد منهم من يكمل مسيرة والده الفاسدة ويمارس رجولته المزعومة مبكرا علي الأسرة كلها، فتجد نفسها في دوامة لا تهدأ وطاحونة لا تتوقف عن الدوران لتلبية مطالب لا تنتهي، تكبر ابنتها وتتعرض لتحرشات أشباه الرجال في منطقة عشوائية الأخلاق، لا تقدر علي مغادرتها حفاظا علي رقم الإيجار الزهيد الذي تدفعه حينا وتعجز عن دفعه أحيان كثيرة، فتقبل بطارق الباب الأول طلبا لابنتها التي تحلم بمغادرة الغرفة البالية هربا من مضايقات أب مدمن وشقيق غير مسئول وأخوة يصارعونها علي الطعام والشراب وغيرهما من حقوق الحياة، تهرول الأم نحو مرابي الحي الذي يقتات علي دماء فقراء المنطقة لتشتري منه عددا لا نهائيا من مستلزمات العرائس بما يفوق قدرتها علي السداد حتي لو عملت ما تبقي من عمرها بلا توقف لمرض أو عجز، توقع الشيكات وإيصالات الأمانة ثقة في شخص عديم الأمانة يطالبها بالسداد المضاعف وإلا السجن في انتظارها، مستخدما في ذلك أقذر الأساليب ومستعينا بالفاسدين من أعوانه، أصوات الأقدام تزلزل باب منزلها ويصطحبونها إلي مكان معلوم حيث يغلق السجان عليها بابه ويتركها في ظلام الزنازين مع بائعات الهوي والخارجات علي القانون، ورغم كل هذا البؤس لازالت تستنكر البكاء علي حالها لأن كل همها هو أطفالها الصغار بعد أن فر هاربا من كان يدعي أنه والدهم وكأن الأبوة مجرد حبر علي محررات رسمية، دموع ساخنة لا تجف لنموذج أصبح واقعا أليما في حياتنا سنساءل عليه جميعا يوم القيامة. لم يعد الأمر مجرد مرأة معيلة بائسة بل تطور إلي مرأة معيلة غارمة ولازلنا في انتظار امرأة معيلة مجرمة وامرأة معيلة قاتلة حتي نفيق من غفوتنا المجتمعية التي طالت ولم تعد المسكنات حلا لها كما اعتدنا سابقا.