للفقر وجوه أخري غير ملامح المومسات.. وللقضايا الاجتماعية تجليات مغايرة. وأهم من عوالم الكباريهات والشقق الخاصة الموظفة لضرورات المتعة.. وللعشوائيات البشرية مداخل لا تصل بالضرورة إلي مؤخرات النساء ونصفهن الأسفل.. والامثال الشعبية الدارجة علمتنا أن "الحُرّة تجوع ولا تأكل بثدييها" و"الحرائر" في مصر كشفن عن مشكلات تتجاوز تحرش زوج الخالة وزوج الأم وانتفاضات الغريزة الحيوانية عند رجال الأعمال القادرين علي دفع ثمن إرضاء شهواتهم بالآلاف. هناك تحرش سياسي. وقمع مجتمعي. وبلاوي كثيرة بعيدة عن غرف النوم وصالات الرقص والقوادات والقوادين. وليس علي المنتج من نوعية السبكي أن يبتزنا بقصة حول "الفقر" الذي يؤدي إلي طريق الرذيلة. ف"الماركة" التي اخترها وسجلها "لمؤلفاته" صريحة ومباشرة. والغرض من البضاعة المعروضة علي الشاشة. ولن يقوي أي مخرج مهما كان بارعاً أن يداري جوهرها بالسلوفان الملون. والصراحة راحة و"ركلام" يعلن عن اننا إزاء عمل سينمائي فاسد ويندرج تحت نوعية مفسدة من الأفلام. وسوف يظل هناك من يستهلك هذه البضاعة ويدفع ثمن الفرجة عليها طالما بقيت مشكلات الانحطاط في مستوي التعليم والأمية الثقافية وفقر الخيال. وضعه من يصنعون العبوات الترفيهية في شرائط أفلام. علي رجب مخرج هذا الشريط لديه حس سينمائي. واحساس بالأماكن التي يختارها لتصوير أعماله. واسكندرية التي نكتشف خصوصية جمالها وبحرها عبر اللقطات التي يضمها الفيلم تعكس نظرة جمالية. فهو مغرم بالبحر. والمناطق الشعبية القابعة علي حواف شواطئه. ويعرف كيف يصنع ايقاع وحركة وقد استعان في هذا الفيلم بمديرة تصوير متميزة "نانسي عبدالفتاح" وتمتلك بدورها لباقة التعبير بالصورة. وقد استعانت في البداية باللقطة القريبة والقريبة جداً علي أمل النفاذ إلي عالم هولاء الساقطات أو اللاتي سقطن في ماخور الدعارة. فالفيلم يبدأ داخل حجرة ماكياج وأمام البطلة "غادة عبدالرازق" ما يشبه شاشة التليفزيون حيث تدور ذاكرتها مع ماضيها كامرأة مضطهدة تمسح البلاط. وتعيش مع زوج أمها وضيع النفس. همجي السلوك. وقاسي. ومع أمها المرأة مكسورة الجناح التي لا تقوي علي رفع الظلم عن ابنتها وتتملق "الرجل" علي اعتبار أن ظله أفضل من "ضل الحيطة". علماً بأن أي "حيطة" أفضل بكثير من هذه المخلوقات الطفيلية الفقيرة إنسانياً. عديمة الشرف أخلاقياً. أو كريهة الخِلقة. تؤذي الناظرين إليها. لكن لم يفلح المخرج مع اجتهاداته الحِرفية أن يجعل من الفسيخ شربات لأن رائحته نفاذة. والغرض من صنعه واضح. ومهما حاول أن يصطنع مضمونا غير المضمون الصريح الذي يلتقطه المتفرج. ولن يكون للصورة الجيدة ولن يستطيع المونتاج عبر حيل الاسراف في التقطيع لابراز التفاصيل في حكايات النساء اللاتي يدور حولهن موضوع الفيلم أن يرتقي بالمادة الموضوعية. لأن السينما التجارية استنفذت المخزون الأساسي والاحتياطي من عالم الكباريهات وصالات الرقص. وبارات الشرب وغرف النوم.. ولم تقو مهارات الممثلات المتمرسات في هذه النوعية من الأدوار من طراز غادة عبدالرازق ورانيا يوسف في إضفاء مسحة فنية علي حكاية الأنثي المشتهاة والذئاب المتربصين لنهشها. ذلك لأن السيناريو الذي كتبه "المؤلف" ركيك البناء ومحروم من القدرة علي الاقناع وكذلك أسلوب معالجته المعتمدة علي الصدف والابتعاد عن السرد التقليدي والقفز بين ماضي وحاضر كل واحدة من النساء الأربعة في خيوط متوازية تتلاقي أحيانا عند القبض عليهن أو عندما يتآمرن ضد إحداهن.. النهاية الأخلاقية البائسة لكل واحدة. إن العبرة الأخلاقية من النهاية موجهة في الأساس إلي الجمهور! .. والجمهور علي حسب قدرتي علي التخمين لا يضم هذا الجنس من الإناث وحتي لو كان بينهن من سوف تجد نفسها مع احدي البطلات. فلن يتعظن لأن الدرس قديم ومعروف. إذن لا يفلح القول بأن للفيلم مضمون يتجاوز هدفه التجاري. وزمان كانت الأفلام تقدم للناس بديلاً للكباريه وملاهي شارع الهرم ويبدو أن السنوات الأخيرة تشهد نهضة لهذه النوعية من جديد. طاقم الحريم المتنوع طاقم الحريم الذي سكن عالم الرذيلة في هذا الفيلم متنوع يضم خريجة الجامعة "رانيا يوسف" التي انحرفت لكي تفي بالمطالب المادية للزواج ويضبطها خطيبها الطيب في سرير رجل الأعمال الذي يخدم عنده. زوجة رجل الأعمال الذي خسر أمواله في البورصة تنقاد وراء غواية شقيقتها بهدف مواجهة احتياجات الحياة الأبهة التي ضاعت. والفتاة التي تزوجت من عاجز جنسيا تقبل الزواج منه هرباً من قسوة الشقيق وقسوة الحياة ثم تخونه وتنقاد إلي هذا العالم. كلها نماذج تعتبر اعادة انتاج للألبوم القديم. ولنفس الأسباب التقليدية -الفقر- التي تقف وراء انهيار المرأة أخلاقيا واستسلامها للرذيلة. إيناس مكي ومادلين طبر وعلا رامي وفريق الفتيات المستجدات في المهنة وعلي الشاشة تنويعة علي الأداء الضعيف وتكريس للاسلوب النمطي الفاضح لأداء عاهرات السينما. والمخرج حريص علي تصوير أفراد هذه الكتيبة من الحريم الساقط مع فرقة الرجال "الذئاب" من كل الزوايا وكأن الإمعان في استعراض تفاصيل هذا العالم كفيل وحده بالترفيه في وقت تطور الترفيه السينمائي ووصل إلي مستوي متقدم جداً ومسلي فعلاً ومحترم في نفس الوقت. المخرج الذي أتصور أن الفيلم بالنسبة له مجرد "سبوبة" في ظروف الانتاج الصعبة. حاول بقصد أو بدون قصد أن يبرز المفارقة الكبيرة بين نوع النشاط البشري في أي صوره "تجارب الجنس" وبين مستوي الأناقة داخل الحجرات التي يمارس فيها هذا النشاط. وفي نفس الوقت يلقي الضوء علي حالات الفقر بينما يكشف عن ثراء صناع الرذيلة. أي بين قصور المريوطية وبين الشقق الضيقة كالحة الجدران. فقيرة الأثاث التي تسكن فيها عائلات "الضحايا". ومرة أخري تتواري الصنعة والتدقيق في اختيار الأماكن والالتهاء وسط سوقية الأغنيات "الشعبية" المؤلفة خصيصاً للتعبير عن حالة التوهان والضياع.. إلخ. يضاعف هذا الضجيج الصوتي "نمر" الرقص الجماعي للنساء التي أصبحت من ملامح السينما المصرية .. الأمر الذي يضع الفيلم ضمن قائمة الأفلام الهابطة بغض النظر عن جودة الصورة وحيوية الإخراج في بعض المشاهد واختيار أماكن للتصوير ليست مألوفة لأنها في النهاية عناصر وظفت لخدمة حكايات مبتذلة وركيكة. الوجوه الجديدة الوجوه الجديدة في هذا الفيلم كما أشرت كبيرة. وهي في مجموعها تصلح معرضا لعينات من مصنع "الحواوشي" السينمائي. فلا موهبة لافتة. ولا حضور. وربما مهارات ولتسبة تعلم هنواً ومكسبات رائحة لهذا العالم المصنوع. ومن المزايا -إذا كان لمثل هذه الشرائط مزايا- المعالجة المقنعة نوعاً لمشاهد المساومة بين الغانية والزبون وحيل النصب والفخاخ التي تعد للأنثي التي تمارس الرذيلة. ونماذج القوادة علي مستوي الحريم "علا غانم" واختيار الوجوه المناسبة لمشاهد الغرزة من الرجال وتصوير الأثر بعنصر الماكياج الذي تتركه عملية الاغتصاب الجماعي لشادية "غادة عبدالرازق".. الأمر جعل التأثير الأخير للفيلم سلبياً ويثير الرفض لهذه النماذج. ** فيلم "ركلام" في نهاية الأمر صناعة مصرية ونجاحه من صنع جماهير السينما. ولا يُلام علي انتاجه الشركة التي مولته وإنما الجمهور الذي أعاد للمنتج أمواله!