قول واحد... على القوات المسلحة أن تطرد السفير الإسرائيلي فورا!، أليس كذلك؟ طب بأمارة إيه؟
على أمريكا أن تعرف أن مصر بعد 25 يناير ليست هي مصر قبل 25 يناير، طب برضه بأمارة إيه؟
بأمارة القمح الذي نتسوله من أمريكا؟ أم اتفاقيات الكويز التي تقوم مصانع كثيرة على بقايا مكاسبها؟
أيها السادة، لقد علمني أستاذي ذات يوم حكمة بالغة، ربما آن الأوان لأعرضها عليكم، وهي أيضا على طريقتكم، قول واحد:
"اللي يمد إيده ما يمدش رجليه"
ومعنى هذه الحكمة، ألا تطلب المساعدة من إنسان، وتمد يدك إليه وتنتظر بفارغ الصبر قمحه ومعوناته ثم أتوقع أنا أن تأخذ منه موقف الرجال!
لا دولة تعيش مرفوعة الرأس وهي تتوسل قمحها من يد من تنادون بعداوتنا لها، ولا أن تأخذ الحكومة موقفا من حليفتها ونحن نطلب ودها من أجل كسرة خبز وحفنة تراب من مال أثيم.
لا كرامة لوطن لا يملك خبزة وإن علت أصوات بنيه، وتظاهروا بالملايين في الطرقات، ومزقوا العلم، وصرخوا بأعلى اصواتهم أن تذهب إسرائيل للجحيم، وأن تحترق أمريكا بنيرانها.
ثم وسط هذه المساخر يأتي أحدنا ليقول: الشعب يريد طرد السفير! أي سفير وأي شعب؟
الشعب الذي ضللتموه وأخذتموه بعد الثورة لعالم الانتقام، والثأر وأنسيتموه حقيقة موقفه، وما يتطلبه من صبر حتى تقف مصر على قدميها؟
الشعب الذي يقف كل يوم أطباؤه ومعلموه وعماله وموظفوه يقطعون الطرقات، ويعطلون العمل من أجل زيادة رواتبهم؟
الشعب الذي ظن أن قيام الثورة يعدُه بالرخاء فإذا بتصرفات النخبة البائسة، وضلالات الإعلام، يزيدان من فقره وبؤسه؟
الشعب الذي بدا وكأنه لا يريد التضحية بخبزه بعد أن ضحى بأبنائه؟
إن مصر لن ترفع رأسها مادامت تتسول قوت أبنائها من أمريكا وتتولى إسرائيل إدارة جزء من اقتصادها..
هذه هي الحقيقة التي لم تتحدثوا عنها، لأنكم كنتم مشغولين بالثأر من مبارك، ومن حلفاء جمال الفاسدين..
أردتم القصاص من الفساد فأفسدتم.
أردتم تطهير البلاد فلوثتموها بتنازعكم وأضغانكم.
إن الشعب المصري الذي طالما ضحى كان لديه القدرة على التضحية أكثر وأكثر لو زرعتم له زهرة من أمل.
لو وضعتم له خارطة طريق تضعه على أبواب الحياة ولو بعد حين.
لو قلتم للبائسين أن أبناءهم سينعمون بما لم ينعموا هم به في حياتهم، وأن هذا يتطلب صبرا وجهدا وعملا.
ولكنكم تنازعتم وفشلتم وذهبت ريحكم أيها الثائرون على كل شيء إلا أنفسكم التي التفتت للصغائر وتركت عظام الأمور.
يا من تطلبون من القيادة العسكرية أن تتخذ موقفا مثل تركيا، أين مصر من تركيا، أين اقتصادنا من اقتصادهم، أين مثقفونا من مثقفيهم، ونخبتنا من نخبتهم؟
إن الحلم الذي ضيعتموه، ومكثتم تبنون تحالفاتكم وتبدون اختلافاتكم، وتبطنون أضغانكم، على أمل أن يجلس أحدكم على كرسي في مجلس شعب، أو موقع في جريدة أو لقاء إعلامي، يخبر هذا الشعب أن نخبته لم يكونوا أمناء عليه بعد الثورة.. وأنهم دون المسئولية التاريخية التي حملوها مثلما حمل الإنسان الأمانة وكان ظلوما جهولا.
مصر أيها السادة لن تقف أمام إسرائيل.. ولن تتحدى أمريكا في هذه المرحلة؛ لأنها وببساطة لا تزال تتوسل المعونة الأمريكية، وتمد يدها لتتسول القمح الأمريكي.
إن القوة التي يجب أن نعدها من الآن هي اقتصادنا الذي أوشك على الانهيار.
وأن نضع خطة حقيقية تجعل قرارنا بأيدينا.. ومصيرنا يتحدد بما تمليه علينا ضمائرنا..
فإذا أردتم لمصر أن ترفع رأسها حقا وحقيقة.. حرروها من مطامعكم أولا، واعملوا لصالح هذا البلد الأمين، ثم حرروها من أن تمد أيديها لأعدائها؛ حتى يأتي اليوم الذي تستطيع فيه أن تمد قدمها في وجه من يهين أبنائها. أو يستهين بذويها.
أما أن تقولوا بجمعة تصحيح المسار.. فإنني أقولها لكم من الآن، مصر بلا مسار أصلا حتى تصححوه.
استقيموا، وصححوا مسار أفكاركم، وصححوا نواياكم، ثم ابحثوا لمصر عن مسار.. فإن رأيتم بعد ذلك أن ما أتخذتموه من مسار لن يصل بها إلى ما نريد، حينها وحينها فقط يكون تصحيح المسار أمرا مفروضا.