تبدأ المباراة في الثانية المحددة بالضبط، وتنتهي في الثانية الموقوتة بالتمام والكمال، واذا تأخرت صفارة الحكم يثور الجمهور واللاعبون وكل خلق الله الرياضيين حتي الوقت الضائع يحسب بدقة متناهية ليس كمثلها دقة بشرية! كل ضربة محسوبة.. وكل حركة بحسبان وكل لحظة بثمن وكل ثانية تحسب بمقياس يعد اجزاء الثانية..أية دقة هذه؟! وأية (جدية) في هذه (اللعبة)؟!لا هزل في اللعب انه لعب فصل ثم هناك (الحدود) والويل اذا تجاوزت الكرة (حد) الملعب او اذا اقترب اللاعب من (الخط) إلي هذا الحد تكون المعاناة في اللعب،فما لنا لا نلعب (كرة الحياة) بمثل هذه الدقة والاصول والقوانين والحدود؟!ما لنا نحول حياتنا الي (وقت ضائع) حتي ليصبح (الوقت الضائع) هو القاعدة، ودونه الاستثناء؟! ساعات العمل تمر ثقيلة الخطأ علي الصدور!قضاء مصالح الناس اثقل من الهم علي القلب!عندما نكون علي (موعد) لانعبأ ولا نهتم، اما موعد بدء المباراة فنلبيه قبله بوقت طويل!..حدود الله نقربها.. وحدود الملعب مقدسة!قوانين المجتمع نخرقها، وقوانين اللعبة لاتمس ولا ينبغي! انذار الحكم فوري، وانذار السماء نسبي! صفارة المباراة تجبر علي الخضوع، وصفارة الحياة لعبة اطفال! أوامر الحكم نافذة لا محالة واوامر الاعراف والمجتمع دخان في الهواء!حارس المرمي يقظ كله حيوية وانتباه وشبكة حياتنا يقذف فيها الف (جول) ولا نصد ولا نرد حتي لتتمزق شباك انفسنا ولا تستجيب للكارت الاحمر او الاصفر او الاسود! ومن المفارقات ان القرآن العظيم يحثنا علي الحياة كمزرعة للاخرة، ولا اخرة الا بحياة، وحين يصف التنزيل الحكيم الحياة يصفها بأنها (لعب) و(لهو) و(زينة) و(تفاخر) و(تكاثر) فهي لعبة، لكل واحد فينا دور يمارسه فيها وهي (لهو) لان اللهو هو التهاء بشيء عن شيء ، فالحزن يلهي عن الفرح، والشبع يلهي عن الجوع، والراحة تلهي عن التعب، والنصر يلهي عن الهزيمة وهكذا وهي زينة وتفاخر وتكاثر لاننا نفخر بأننا نمتلك الاجمل والاشهي والاحدث والكثرة وما شابه ذلك، فهل نلعب كرة الحياة ولو بواحد في المائة من جدية لعبة كرة القدم؟! نحن نسرف كثيرا في ذم الدنيا ، والتقليل من شأنها، نحقرها، وندعو الي التعامل معها بازدراء لماذا؟ لأنها فانية مخادعة مراوغة، فالدنيا إذا كست أوكست، واذا أقبلت بلت، وإذا أدبرت برت، وإذا حلت أوحلت، وإذا جلت أوجلت، وإذا أطعمت عمت، وإذا أضحكت بكت، وإذا وإذا وإذا، حتي صارت الدنيا هي الأخري "إرهابية"بلغة ساسة اليوم!. إن من تجليات الخالق علي المخلوق،أنه تعالي ينقلنا تدريجيا من عالم الغيب إلي عالم الشهادة، لنشهد ونشاهد ونكون من الأشهاد علي التحولات الكونية، من المجهول الي المعلوم، ومن الغامض الي الواضح، ومن المخبوء الي المنظور، وغير ذلك من الثنائيات التي هي سنة الله في خلقه، وأبدا لا تجد لسنته تحويلا ولا تبديلا، فلماذا إذن لا نمتثل لهذا التجلي الإلهي، فنسير في الأرض لنعرف والمعرفة حق كيف بدأ الخلق، وكيف كان عاقبة الذين من قبلنا، وكيف وكيف. عليّ أن أخوض وأركض، وأواجه وأواكب، وأتحدي وأتصدي، وأمارس التجليات الهائلة من الفعل والترك، والإقدام والإحجام، والمغامرة والمراجعة،والنفي والإثبات، والإثم والتوبة، والعقاب والثواب، والعصيان والطاعة، فالنفس المتحركة لا تجد مصداقيتها الا في ساحة الحياة، والذهب لايكون ذهبا وزينة وشهوة من الشهوات الست الا بالنار..وهل الحياة تكون حياة بدون مال وتفاخر وتكاثر وأولاد وزينة ولعب ولهو؟ انها لو تصورنا ذلك وهذا عين المستحيل لكانت أقسي من صحراء جرداء، فماهي بالحياة حيث الحيوية والحركية، والدموية والديمومة، والطلاقة والانطلاق، والاحتراق والإختراق.لا ينبغي أن نضيق علي أنفسنا، ولا أن نستمر في هذا الضيق والتضييق، والإغلاق والإستغلاق، وندعي الزهد وندعو اليه .