يمثل كلاهما الفيصل فى ميدان ملعبه، يمتلكان معطيات اللعبة، ويعرفان قوانينها، الفارق بينهما فى اللغة حرف الألف، وفى الحياة العوالم التى ينتميان لها. فى العالم المتقدم يلتزم كل منهما بدساتير اللعب، لا يمكنهما الحياد عنها، أو التحايل عليها. أما فى عالمنا العربى والنامى، فإن أحدهما فقط هو من يلتزم بقوانين سبق وضعها لعلمه بأنه مراقب من جهة أعلى، تُقيم مستوى الأداء وتُرقى من يستحق، وترصد الأخطاء وتعاقب عليها. أما الآخر فيعلم أن قوانين اللعبة بيده يستطيع التلاعب بها وقتما شاء ولمصلحة من أراد، لعلمه بغياب الرقابة المنظمة لقواعد اللعب، والجمهور المشجع، والنقاد القادرين على تحريك الجماهير، لتسير اللعبة على طول الوقت من طرف واحد. هذان هما الحكم والحاكم، اللذان يتصدران الملعب فى كرة القدم وفى الحياة السياسية. يعرف محبو لعبة كرة القدم أن من بين قوانينها التى يلتزم بها حكام المباريات، طبيعة الملعب وطريقة تقسيمه، فينص قانون الفيفا، الذى هو دستور اللعبة، على أن يُقسم ميدان اللعب إلى نصفين بواسطة خط المنتصف، ويتم تحديد علامة المنتصف فى نصف الخط، لتُرسم دائرة نصف قطرها 9.15 متر حول علامة منتصف الملعب، وهو ما يعنى وجود فريقين متنافسين فى حلبة اللعب يحتل كل منهما نصف الملعب ويتبادلان مكانيهما على مدى زمن المباراة. وعلى الحكم متابعة أداء كل منهما طوال 90 دقيقة، يساعده فى ذلك ثلاثة آخرون. فى ملعب الرياضة، ورغم شذوذ القاعدة فى بعض الأوقات، إلا أنه لا مكان للمجاملات أو التحيز لصالح أحد الفريقين، فالعمل مراقب وأداؤه محدد. أما فى ملعب السياسة العربية، فساحة اللعب كلها، رغم وجود التقسيم، ملك لحكامنا. يضعون بها من يشاءون ويحددون أماكنهم، لتختلط أقدام اللاعبين وأجسادهم، فلا تعلم من يلعب مع من، ومن ينافس من، وأين فريق الموالين، ومن هم فريق المعارضة. فالجميع يتبادل الأدوار بين الحين والآخر طبقاً لأوامر الحاكم. أما الجهات الثلاث المساعدة للحاكم،السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، فتسير هى الأخرى على وفق هواه، فهو من يمتلك صافرة اللعب، ولذا تجدهم دوماً ينظرون لوجهه محاولين تنفيذ رغباته لكيلا يطلق صافرته فيخرج أحدهم خارج ساحة اللعب. «فى عالمنا العربى لا وجود لقواعد سياسية يمكننا الاعتماد عليها فى تسيير أمورنا» هكذا تحدث الدكتور حازم حسنى الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مشيراً إلى أن الحكم لا يستطيع الخروج على قواعد اللعبة وإلا هاجمه اللاعبون والجمهور، وعاقبته الفيفا، أما الحاكم العربى فيستطيع. وأضاف: «تتغير قواعد اللعبة السياسية فى بلداننا العربية طبقاً لمصلحة الحاكم ونظامه القائم، حتى الدستور من السهل تغييره، والتلاعب بمواده وبنوده حسب ما يقتضى الأمر. والأمثلة عديدة، كان أكثرها فجاجة ما حدث فى سوريا بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد حيث تغيرت المادة الخاصة بعمر الرئيس وقت توليه الرئاسة لتناسب سن بشار ابن الرئيس الراحل، فى يوم وليلة، ومن دون حياء أو خشية من التلاعب بمواد الدستور الذى هو ميزان حياة الشعوب، نفس الأمر بالنسبة لتعديل المادة 77 فى دستورنا المصرى إعداداً لتنفيذ فكرة ومبدأ التوريث. إذن لا قواعد تحكم اللعبة، والكارثة الكبرى ليست فى الحكام وحسب وإنما فى الناس التى لم تعد تدرك قواعد اللعبة السياسية التى تسير عليها الدولة وهو ما انعكس على علاقة الناس بالدولة، ففقدوا الانتماء والاهتمام بالمشاركة، فلا يسمع لهم صوت استنكار عند وقوع ما يسيئهم، ولا صوت استحسان عندما يحدث ما يسرهم، لأنهم باتوا يعلمون وعن يقين أن مشاركتهم حتى كمتفرجين، لا قيمة لها وما يريده الحاكم هو ما سيحدث». فى عالم كرة القدم وفى ساحة اللعب، لا يتم فقط تقسيم الملعب بين المتنافسين، ولكن يتم تحديد منطقتى المرمى، ومنطقتى الجزاء عند كل من نهايتى ميدان اللعب، عبر خطوط عمودية تحدد مواقع تلك المناطق والأبعاد الفاصلة بينها، لتساهم فى تنظيم اللعب بالنسبة للاعبين وقدرة الحكم على متابعة الأداء ومعرفة المتسلل من مسدد الهدف الحقيقى، بالإضافة إلى القدرة على معرفة مستحق ضربة الجزاء. ولكن الحكام فى عالمنا العربى لا يهتمون بتلك التفاصيل، حيث بات الكثيرون من المتسللين إلى مرمى الهدف ممن حققوا الاستفادة بمعرفة الحاكم ورضاه، الذى لا يكتفى فقط بالتغاضى عن هؤلاء المتسللين، ولكنه يمنحهم فرصة لعب ضربات الجزاء على حساب الجماهير. السفير والكاتب محمود شكرى، من هواة مشاهدة مباريات الكرة فى الملاعب والسياسة، ولذا يعرف جيداً الفارق بين الحكم والحاكم، ويقول عنهما: «يتعامل حكام ملاعب كرة القدم بكود معترف به، يرضى عنه اللاعبون والجمهور، ودورهم أن يلتزموا بتطبيق قوانين الفيفا، أما الحكام العرب فلا كود يخضعون له، ولا رقابة يخشونها، على سبيل المثال يعرف الحكم فى المباراة أنه فى حال ارتكابه خطأ متعمداً ستوقع عليه العقوبة، وفى حال تكرار الأخطاء سيتم هبوط مستوى المباريات التى يُحكم فيها. أما الحكام العرب فليست هناك جهة داخلية تستطيع محاسبتهم على ما ارتكبوا من أخطاء، أو تقييم مستواهم بأنه ضعيف حتى لو صُنف فى الخارج على هذا الأساس. كما أن اللاعبين يمكنهم لو شعروا بظلم الحكم وتجاوزه القواعد، أن ينتقدوه ويتركوا له الملعب، ولكن شعوبنا العربية لا تستطيع كلها ترك البلاد، حكامنا يحكمون بأمرهم لا بالدستور. أما ضربات الجزاء فهى ورقة بيد الحكام أيضاً تُفرض على الشعوب دون تحديد سابق لقواعدها أو أسبابها، ويتحملون نتائجها حتى لو كان مرتكب الخطأ هو الحاكم نفسه. أما المتسلل فى اللعبة السياسية العربية فهو من يرضى عنه الحاكم، ويسعى لمنحه بعض المزايا والاستثناءات، كما يحدث عندنا فى مصر بعد دخول رجال الأعمال مرمى السلطة، ليسددوا العديد من الأهداف لصالحهم بالطبع لا لصالح الجماهير، دون أن يخشوا من حامل الراية بعد أن ضمنوا قبول الحاكم تسللهم، وذلك على عكس المتسلل فى الملعب الكروى الذى يسمع صفارة الحكم بعد رفع حامل الراية على حدود الملعب كإشارة لتسلله، ولكن من حامل الراية فى الملعب السياسى العربي؟ السلطة التشريعية التى باتت تنفذ ما يريده الحكام حتى إن استلزم الأمر التلاعب بالدساتير؟ أم السلطة التنفيذية التى تعلم أن بقاءها أو زوالها فى يد الحاكم؟». المادة الثالثة فى قانون الفيفا الذى يتعامل به الحكام على أرض الملعب، لا تسمح بأى شكل من أشكال الدعاية، سواء أكان حقيقياً أو وهمياً، فى ميدان اللعب أو معداته، وذلك من وقت دخول الفرق إلى ميدان اللعب حتى مغادرتهم له عند نهاية الشوط الأول ومنذ عودة دخول الفرق إلى ميدان اللعب وحتى نهاية المباراة. كما يمنع بشكل خاص عرض أى مادة إعلانية من أى نوع على المرميين أو الشباك أو قوائم الرايات أو على الرايات. وهذا بالطبع على عكس الملعب السياسى العربى الذى يُمارس فيه الحكام جميع أشكال الدعاية التى يرغبون فيها للتأكيد على حجم الانجازات وما قدموه لشعوبهم، من منطلق المثل الشعبى المصرى القائل «حسنة وأنا سيدك». ليس هذا هو الاختلاف الوحيد بين قوانين الحكم فى الملعب وقوانين الحاكم فى السياسة، ولكن هناك فارقاً جوهرياً آخر يتمثل فى الكروت الصفراء والحمراء، الأولى فى مباريات الكرة تعنى ارتكاب اللاعب خطأ استوجب معه إنذاره، فإن تكرر الخطأ يسارع الحكم بمنحه الكارت الأحمر وهو ما يعنى الطرد خارج ساحة اللعب. فى الحياة السياسية لحكامنا العرب، لا يعرف أحد قواعد الخطأ التى تستلزم منح اللاعبين الكارت الأصفر أو الأحمر. وهو ما يعبر عنه السفير محمود شكرى بالقول: «كما أنه ليس لدينا خطة للعب فى عالمنا السياسى، فإن الجميع لا يعلم أسباب دخول البعض اللعبة أو خروجهم منها، لا أحد لدينا فى العالم العربى يلعب بطريقة 4-4-3، أو 5-2-4 ، تارة تجد لدينا حكومة مؤلفة من 40 وزيراً وأخرى مكونة من 32 وزيرا، نستحدث وزارة ثم نقوم بإلغائها، دون إبداء أسباب منطقية. لا نعلم من يفعل ماذا؟ ولذا فطريقة اللعب فى العالم العربى تندرج تحت خطة واحدة لا تتغير 1-10 ، فالرقم الأول هو الحاكم والبقية هم اللاعبون الذين يختارهم. وبلغة الكرة الحاكم فوق مستوى «الفاولات» أى الأخطاء، التى لا تفرض على المخطئين فى اللعبة ولكنها تُفرض غالباً على الشعب. عالم الكرة منظم أما عالم السياسة العربية فإنه فوضوى، يعلم فيه الحكم أنه مقيد بوقت للمباراة وبضرورة وجود بديل له يدخل ليحل محله فى حالة حدوث طارئ. ولكن حكامنا العرب يأبون أن يكون لهم نواب يكونون بدلاء عنهم عند الغياب». ينص قانون كرة القدم على أن زمن المباراة 90 دقيقة، تقسم على فترتين يطلقون عليها «شوطين»، كل شوط 45 دقيقة، مع وجود استراحة 15 دقيقة بين كل شوط. كما يدرك الحكم ضرورة حساب «الوقت الضائع» على مدار زمن المباراة، إن ذلك جزء من مهامه ليحافظ على الوقت الذى ضاع أثناء تبديل اللاعبين أو إصابة لاعب أو تحذيرات وطرد أو خلافات حصلت بين اللاعبين. ولا يزيد ذلك الوقت على 5 أو 6 دقائق وربما أقل وذلك بحسب الوقت الضائع الذى أعلنه الحكم، الذى يعتمد على ساعة يده لتحديد هذا الوقت. بينما يختلف الأمر لدى الحكام فى ساحة اللعب العربي. كما يقول دكتور يحيى الجمل الفقيه الدستورى مشيراً إلى أن وقت المباراة محسوب بالثانية فى عالم الكرة ولكن فى عالم السياسة يمتلك الحكام العرب كل الوقت ليقولوا ويفعلوا ما يشاءون، ليصير الوقت الضائع هو حياة الشعوب العربية ذاتها، وأضاف: «الوقت الضائع فى المباريات محكوم بمنطقية القوانين الكروية، بينما فى النظم الديمقراطية محكوم بمنطقية الدساتير التى تحدد للحاكم كيف يأتى وإلى متى يمكنه الاستمرار، فأنا ومنذ اليوم الأول لمجيء ساركوزى رئيس فرنسا، أو أوباما رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية ، أعرف أن مدة ولايتهم الأولى ستنتهى فى موعد محدد، صحيح أنه يمكنهم أن يخوضوا الانتخابات لولاية ثانية، لكنه شيء غير مضمون على الإطلاق. بينما حكامنا العرب يأتون للحكم وليست لديهم نية الخروج فى الزمن المحدد، فيستمرون إلى أن يضع الموت نقطة النهاية، ولذا نجد أنه فى الوقت الذى يعلم فيه الممثل الجيد متى يسأم الجمهور منه فيترك المسرح، لا يدرك حكامنا تلك القاعدة، لتصير حياة الشعوب العربية كلها وقتاً ضائعاً».