سأل الغزال زرافة علي الضفة الأخري من النهر: إلي أين يصل عمق ماء النهر؟فأجابت الزرافة: إلي الركب، قفز الغزال في النهر، فإذا بالماء يغطيه ويكاد يغرقه، وبكل ما أوتي من عزم سعي جاهداً أن يخرج رأسه من الماء بجهدٍ مضن، وبمشقة بالغة استطاع أخيراً أن يقف علي صخرة في النهر، وما إن التقط بعض أنفاسه اللاهثة صرخ في وجه الزرافة قائلاً: ألم تخبريني إنّ الماء يصل إلي الركبة؟ قالت: نعم يصل إلي ركبتي! وهنا انتهت الحكاية ولم تنته القصة مادمنا غير قادرين علي تدبر المعني، فقد كاد أن يغرق الغزال لولا بعض عزم وبعض إرادة وكثير من رحمة ربك، لقد كان مسالماً حد السذاجة، وكان بريئاً حد العبط، ذلك أنه صدق علي التو كل ما سمعه من الزرافة التي لا نعفيها من الخبث والكذب والمخاتلة، كما لا نعفي الغزال من الغفلة والحمق، ولا تقل لي إن الزرافة قالت بما خبرت وعرفت، فإن إجابتها جاءت شركاً خداعياً ومكيدة للغزال، فقد كانت تعرف أن عمق الماء يصل لركبتها هي الطويلة جداً لا ركبة الغزال القصيرة كما اتضح في نهاية الحكاية. دار في خلدي كل هذا وأنا أتابع »مؤتمر وارسو» الذي دعا له ترامب، وجاء بومبيو يروج له في المنطقة لحشدها ضد إيران، ولما تنبه الاتحاد الأوروبي للفخ اضطرت أمريكا لتغيير عنوانه ليكون عن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. لقد خدعنا بومبيو حين أرادنا نحن العرب القيام بالحرب بالوكالة علي إيران لتحقيق رؤية وأهداف سيده المخادع في البيت الذي استحال بياضه سواداً علامة علي سوء التوجه وتفاهة السياسات وعنصريتها. وقف بومبيو في وارسو كما رجل في حلبة مصارعة، بينما الخارجية ليست بالحجم كما الزرافة إنما بالعقل والوعي والحكمة، ووقف بعده مايك بنس نائب الرئيس بشخصه الباهت لتفضحه كلماته التي راح يندد فيها بالمواقف الأوروبية المتململة من سياسات بلاده، ويشير دون روية أو فطنة أن المؤتمر ضد إيران ولأجل أمن إسرائيل وبالطبع سيادتها كقوة إقليمية علي منطقتنا ومستقبل أجيالنا، ويالها من حماقة، ولن أزيد فلعلك استلهمت المعني. أما حكايتنا الثانية فهي اقتباس من الكاتب البرازيلي الشهير »باولو كويلو» حين نشر قصة قصيرة مؤداها: أن رجلاً كان يطالع جريدته، بينما ابنه الصغير لا يكف عن مشاغلته ودس رأسه بين صفحات الجريدة؛ ولما تعب الأب قام بقطع ورقة من الصحيفة تحوي خريطة العالم ومزقها إلي قطع صغيرة وقدمها لطفله وطلب منه إعادة تجميع الخريطة، ثم عاد للقراءة واثقاً أن الطفل سيبقي مشغولا بالأمر بقية اليوم، إلا أنه لم تمر خمس عشرة دقيقة حتي عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة! فتساءل الأب مذهولا: »هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟!» رد الطفل قائلا: »لا، لكن كانت هناك صورة لإنسان علي الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم»... كانت عبارة عفوية؛ ولكنها كانت جميلة وذات معني عميق »عندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم»، فالأهم بناء الإنسان بالاستثمار في التعليم والتنوير والصحة والثقافة والفنون والتنمية وتحقيق العدل الاجتماعي، وعلي العالم أن يتعاون مع مصر في هذه المجالات.. ولعلك الآن عرفت بعضاً من الفكرة التي حملتها إليك من قصة باولو كويلو. هما حكايتان والفكرة واحدة.