الدبة التي قتلت صاحبها عندما رأت علي وجهه ذبابة، فأرادت أن تبعدها عنه، فاستخدمت كل ما تملكه من قوة لإبعاد تلك الذبابة، فأودت بحياة صاحبها، ولم تفلح في النيل من الحشرة المزعجة علي ضعفها وقلة قيمتها. هذه القصة نستخدمها كثيرا عندما نود الإشارة إلي مواقف يحركها دافع نبيل، لكنها تفتقر إلي العقلانية والحكمة. والحقيقة أن حياتنا اليوم، وبخاصة الإعلامية باتت تمتلئ بالكثير من الدببة، التي صارت تحتل حيزا لا بأس به من المشهد الإعلامي، وتتصدر الكثير من الوسائل علي اختلاف تنوعاتها المقروءة والمسموعة والمرئية، والأغرب أن تلك الفلسفة »الدببية» لم تعد تقتصر علي القائمين بالاتصال - أي الإعلاميين أنفسهم- بل باتت تمتد إلي الضيوف الذين تستعين بهم تلك الوسائل، وبخاصة المرئية لتحليل الأحداث، وتبصرة الناس وبناء وعيهم. وبالطبع، لا يملك أحد التشكيك في النوايا الصادقة والدوافع الوطنية التي ينطلق منها كثير من هؤلاء »الدببة» الإعلامية، سواء كقائمين بالاتصال أو كضيوف، فهم يحاولون بصورة أو بأخري أن يدعموا بلدهم ومشروعها الوطني من وجهة نظرهم، لكنهم أحيانا ينزلقون إلي هوة الانجراف وراء استخدام أسلوب غير عقلاني، أو المبالغة في تقديم أداء، يكون سببا في إحداث نتائج عكسية، أو علي الأقل يتسبب في إطلاق موجة من السخرية علي ذلك الأداء وتلك المواقف، ويكون ذلك الأداء المبالغ فيه كافيا لأن يصرف الأنظار عن صلب القضية وجوهر الموضوع، لصالح التركيز علي هامشية الشكل وسذاجة الأداء. وهناك - في تقديري- الكثير من الأسباب وراء انتشار »الدببة» في حياتنا الإعلامية، بعضها يرتبط بضعف التأهيل العلمي، وانتشار ثقافة الفهلوة، وسيطرة منظومة الشللية علي اختيار القائمين بالإتصال، بينما يرتبط البعض الآخر بهيمنة الاستسهال في العمل الإعلامي، فكثير ممن يتصدرون الشاشات لا يهتمون بمحتوي ما يقدمون، بقدر ما ينشغلون بصورتهم علي الشاشة، ومعظم هؤلاء »الدببة» - إن لم يكونوا جميعا- يجلسون في غرف المكياج أضعاف ما يقضون من وقت في غرف الإعداد. كما تمتد ثقافة الإستسهال إلي بعض معدي تلك البرامج ومسئولي اختيار الضيوف بها، فالمهم هو »توريد» ضيوف للشاشات، دون التدقيق في المهارات الإتصالية لهؤلاء الضيوف، ومدي قدرتهم علي توصيل الرسالة الإعلامية، او تقديم خدمة حقيقية للمشاهد. والضيوف »الدببة» أنفسهم مصابون بداء الاستسهال، فمعظمهم يجري وراء شهوة الظهور، والسعي خلف بريق الشاشة، وقلما تجد منهم من ينفق بعضا من وقته ليبحث فيما سيتكلم، أو يهتم بالحصول علي تدريب مناسب علي كيفية الظهور الإعلامي، ومهارات الحضور كضيف وأساليب المناقشة ومواجهة الأسئلة والمواقف الصعبة، وقد صار الأمر بالفعل علما وتدريبا، يتلقاه كثيرون من الساسة والمسئولين والمتعاملين مع الإعلام في كل دول العالم، بينما في مصر يأتي هذا الأمر في ذيل قائمة الأولويات. كل هذه السلوكيات »الدببية» تؤدي في النهاية إلي ما نشاهده اليوم من ممارسات تضر ولا تنفع، بل علي العكس يستغلها الخصوم، في تشويه أي إنجاز يتحقق، أو بالنيل من الدولة بتقديم هؤلاء »الدببة» كمقربين من مؤسساتها وقياداتها. »دببة الإعلام» أخطر علي الدولة من خصومها وأعدائها، فالحكمة القديمة حسمت الجدل: عدو عاقل خير من صديق جاهل.