ويشبُ في قلبي حريقْ ويضيعُ من قدمي الطريقْ وتطلُ من رأسي الظنونُ تلومني وتشدُ أذني فلطالما باركتُ كذبك كله ولعنتُ ظني، لا تكذبي، إني رأيتكما معاً ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا ما أهون الدمع الجسور إذا جري من عين كاذبة فأنكر وادَّعي (لا تكذبي رائعة كامل الشناوي). وكما أبدع كامل الشناوي وغني عبد الحليم فإن بعضي يمزق بعضي، وبعض مصر يمزق بعضها، سرطان التخوين بلغ مبلغاً سد كل طرق الإنصاف، من ليس علي رأيي فهو عديم الوطنية سقيم الوجدان ، أليس فينا رجل رشيد، يحق الحق، ويبطل الباطل، إن الباطل كان زهوقاً، تخوين هنا وتكريم هناك، عملاء هنا وأبطال هناك، لا كرامة لثائر في وطنه، ترشيح وائل غنيم وإسراء عبد الفتاح مناصفة مع حركة 6 أبريل لجائزة نوبل للسلام يمر من باب التخوين الضيق الذي دخله المصريون جميعاً بعد ثورة 25 يناير، الكل يخوِّن الكل، والكل ينهال علي الكل بالاتهامات، ريشة التخوين تطير لتقع علي رؤوسنا جميعا فلا يسلم منها أحد ولو كان ثائرا قديسا، ويا لحسرة القلب أصبح مجرد الاختلاف في الرأي مدعاة للاتهام بالعمالة ومبررا للتجريد من الوطنية . الثائر طبيعته ثورية، يثور ومن ثورته يكون الصخب، ومن صخبه يكون الالتفاف والتجمع، ومن الالتفاف تكون الثورة، وحين تهدأ الثورة يظل الثائر كما هو ثائرا، هذه هي طبيعته وطريقته، ليس لنا أن نخوٍّنه لأنه كان حادا في قوله مندفعا في تعبيره مصرا علي ثورته، فالثوار لا يعرفون إلا النزق، ومن نزق الثوار كانت ثورتنا، والحق أقول أن ثورتنا لم يكن لها قادة ولا زعماء، فكل من خرج ثائرا ليفتدي مصر كان قائدا، وكل من انطلق سائرا إلي التحرير كان زعيما، هذه ثورة قادها وتزعمها عشرون مليون مصريا مغموسين حتي النخاع في حب مصر وتعاطف معها خمسون مليون مصريا شكلوا فيما بينهم سياجا متينا من اللجان الشعبية في كل بر مصر حفظ أمن البلاد وقت الثورة ، ولكن إذا لم يكن لثورتنا قادة أو زعماء إلا أنها كانت لها إشارات وعلامات ورايات، تجمع الثوار من الشباب والرجال والكهول حول هذه الإشارات، وانطلقوا صوب العلامات والرايات، ومن خلف وأمام هذه العلامات والإشارات كانت ثورتنا الفريدة درة العصر وكل عصر . وكأنها جائزة "نوفل" وليست جائزة "نوبل" الدولية ذات الشنة والرنة والسمعة العالمية لم نلمح احتفاءً بالترشيح الثلاثي لتلك الجائزة التي طالما تاقت لها شعوب وأمم، صمت مطبق، أو كما يقول كامل الشناوي في رائعته لا تكذبي لم يحتف أحد بالترشيح لهذه الجائزة سوي "باللفتات بالهمسات بالصمت الرهيب " ومن بعد الصمت الرهيب همهمات مبهمة، فقدنا القدرة علي النطق، ألجمتنا المفاجأة، نسبح تحت الموج، لا نري لا نسمع لا نتكلم، وكأن الترشيح لشباب من كوكب المريخ، وكأنهم لم يبزغوا من بين الصفوف، ولم ينزلوا التحرير، أو هبطوا بالبراشوت علي صينية الثورة التي تتوسط الميدان..لا ينكر الفضل إلا من ليس له أصل، هؤلاء الثلاثي وإن لم يكونوا زعماء الثورة إلا أنهم كانوا من علاماتها وإشاراتها، كان منهم من قدح الزناد، وكان منهم من استخرج حمم الثورة من تحت الرماد . الترشيح لجائزة نوبل شرف لو تعلمون عظيم، لماذا لم تدخل الفرحة إلي القلوب، لماذا لم تزغرد النسوة في قعر البيوت، لماذا مصمصوا الشفايف الجافة من بلل الريق، أليس الترشيح الكبير يبل الريق، نفر مستكثرون علي الشباب الترشيح، ونفر يراها جائزة ليست مستحقة علي خراب الديار، وثالث يراها تدخلاً في الشأن الداخلي، وأغلبية تراهم كغربان سود اعشوشبوا علي الشجر في ليل مظلم كئيب كبحر لجي يغشاه موج من فوقه موج، لا نري شيئاً من ظلماته حتي قاع البحر المدلهم. كل يخون بعض، التخوين صار عملة رائجة في الأسواق، الأحزاب تخون الأحزاب، والنقابات تخون النقابات والنقابيين، والجماعات تخون الجماعات، والثوار يخونون الثوار، والائتلافات تخون الائتلافات، وجميعهم يخونون المجلس العسكري، والعسكري يتهم الثوار، حتي أصبحنا وكأنه لا شريف بيننا بعد اليوم. الرفاق حائرون، يفكرون يتساءلون، الشريف من يكون، من هو الشريف الذي يدب علي أرض المحروسة، من هو الشريف الذي نال الظفر وخرج من قوائم العار، البعض يغسل في نهر الثورة ثيابه، والبعض خلع ثيابه وارتمي في لجة الموج، وبعضنا انتحر إرادياً، ونفر ارتكن جنب الحائط، ونفر نحر بعضنا نحرًا، ولزم بعضنا الصمت، حذر التخوين والعمالة، وتعددت وجوه الخيانة، هناك خونة المخلوع، أسباطه، ورجاله، وكبار موظفيه، حزبه، وشبابه، وقياداته، وأركان حكمه ونظامه، وخونة العسكري الذين يناصرون المجلس قيامًا وقعودًا وعلي جنوبهم، وخونة الفلول في أحزاب الفلول التي خرجت من تحت الركام تتمطي، تتثاءب في وجوه الثوار، وخونة شفيق ممن يراهنون علي الجنرال أحمد شفيق، وخونة موسي من أنصار المرشح الرئاسي عمرو موسي، وخونة البرادعي ممن ناصروه وآزروه يوم جمعة الغضب، وخونة الإخوان ممن يرون في الإخوان صلاحاً ورشاداً، وخونة اليسار الذين تحالفوا مع المخلوع نكاية في الإخوان والسلفيين والتابعين بإحسان إلي يوم التصويت، وأذن في الناس مؤذن، من نزل التحرير فهو آمن، ومن لزم بيته فهو آمن، ومن دخل خيمة ممدوح حمزة فهو آمن. الخيانة ليست طبع المصريين، ولكن التخوين آفتهم، آفة حارتنا التخوين. ترشيح وائل وإسراء و6 إبريل ليس بردًا وسلامًا علي الآخرين، يناصبونهم العداء، ترشيح يظل معلقا في الهواء، يتنزل علي مساحات التخوين، ولأن آفة حارتنا التخوين،ولأن آفة ثورتنا التخوين، يصير السؤال تخوينا، ولماذا هؤلاء وليسوا غيرهم، ولماذا وائل وليس خالد وناصر وزياد، لماذا هي إسراء وليست نوارة ونجلاء وأروي، لماذا 6 أبريل وليست كفاية، وعلي ذكر كفاية، كفاية تخوين، وليعذر بعضنا بعضًا، رمزية الترشيح بالاسم لا تعني الانتقاء لا تعني الاصطفاء لا تعني الرعاية لا تعني التمويل لا تعني سوي أن ثورة قامت في مصر ثورة سلمية تليق بجائزة نوبل للسلام، وأنها ذهبت إلي بعض"إشارات وعلامات" الثورة إلا أنها في الحقيقة هي جائزة لكل مصر الثورة، نوبل للسلام ليست منحة، ولا منة، ولا عطية، ولا حسنة وأنا سيدك، لكنها استحقاق، استحقاق عالمي، استحقاق نموذجي، مضرب الأمثال ومحط الأنظار، نوبل خامسة لمصر بعد نوبل محفوظ والسادات والبرادعي وزويل.. استحقاق عالمي لو تعلمون، استحقاق لو تعلمون عظيم، هنيئاً للشباب ثورتهم وجائزتهم إن شاء الله، وليرد عنهم كيد الكائدين المخونين المشاءين بين الثوار بنميم.