فارق كبير ما بين الحب في الأغنية أيام زمان والحب في أغنية اليوم.. زمان كانت الأغنية تصنع لكي نستمع إليها بصبر وهدوء شديدين.. كانت كفيلة بأن ترسخ بداخلنا قيمة معينة.. أهمها الترفع في حالة هجر الحبيب أو غدره تعالوا معي واقرأوا واستعيدوا هذه الكلمات وقصيدة لاتكذبي تقول "لاتكذبي.. إني رأيتكما معا.. فدع البكاء فقد كرهت الأدمع.. ما أهون الدمع الجسور إذا جري من عين كاذبة فأنكر وادعي وادعي.. إني رأيتكما.. إني سمعتكما.. عيناك في عينيه في شفتيه في كفيه في قدميه". اقرأوا معي هذه الكلمات الحديثة "أخيراً اتجرأت/ أخيراً أنا دلوقت/ ح أعلي صوتي عليك". وتأتي البقية زاخرة بمعاني التوعد كان ينقصها فقط أن تقول إني ح أعلي "شبشبي" عليك.. أو "ح أديلك بالجزمة".. وذلك علي الرغم من أن شيرين من أفضل الأصوات لدينا الآن إن لم تكن تقف في منطقة بمفردها، لا ينازعها عليها أحد.. إلا أن اختيار الكلمات من أصعب التحديات التي تواجه أي صوت جميل لأنها ببساطة تحتاج إلي عقل وفكر وأسلوب في الحياة، وهذا ما يفتقده معظم المطربين أي أنهم أصوات بلا عقول ولا حكمة ولا منطق، يبحثون فقط عن الشهرة السريعة. مطربة جديدة اسمها "سمية" عمرها الفني عامان ورصيدها الغنائي ألبومان فقط، عمرها لايتعدي الثامنة عشرة، لذلك فإنها نموذج لكيف يفكر ويحب شباب هذه الأيام.. ولكي نتعرف عليها عزيزي القارئ فإنها صوت تشعر فيه دون أن يقول أي شيء غريب "بتجرمه".. أي أن صوتها في حد ذاته يحتوي علي معاني الهجوم والتوعد.. اختارت أن تلبس هذا الرداء منذ أن بدأت.. تغني وكأنها تتشاجر مع من أمامها.. علي الرغم من أن قماشة صوتها جيدة إلا أن نفس المعني تستطيع أن تقوله بعدة طرق، ولم تكتف بذلك.. وبهذا العيب الفظيع في طريقتها في الغناء إلا أنها "تبدع" و "تتفنن" فتقول مثلاً : "اخبط راسك في الحيط/ وانس ما خلاص حبيت/ اللي طالبة معايا تحس هوايا/ دخلت دماغي خلاص/ وأنا ح أحكي حكاية/ ارحمني وحس يا ابن الناس"، ثم تغني في أغنية أخري فتقول "ماسكني من إيدي اللي بتوجعني/ غاوي يتعبني معاه/ ما سكني وبكلمة كده يرجعني/ أصل أنا دايبة في هواه/ قاعدة له علي قلبه ولا ح أنساه/ والباقي من عمره ح أعيشه معاه/ أهو بكره يتغير وأديني وراه". وهكذا أغان كثيرة بها نفس المعاني الفجة القبيحة، فلم يكتف المطربون والمطربات بأن لغة الحوار بين الشباب قد تدنت إلي القاع.. بل إنهم وبجرأة وبجاحة قد نقلوا هذا القاموس السوقي إلي الأغنية، وذلك لمزيد من تخريب العقول والقلوب والوجدان فبدلاً من أن يغنوا بترفع "بلاش عتاب لو كنت حبيبي" يغنون "اضرب دماغك في الحيط" و "ح أعلي صوتي عليك" و "اشوف فيك يوم".. فتصبح الأغنية مثل السم في قطعة الحلوي!! آخر حركة. شهر رمضان ليس فقط شهر الصوم والعبادة، ولكنه كذلك شهر "الصمت" عن الأغاني الرديئة.. أحمدك يارب.