»ماذا يحدث عندما يخرج أصحاب الحيثيات من دائرة الضوء ويفقدون قيمتهم بعد ان فقدوا مناصبهم ويواجهون شبح التجاهل والجحود وصقيع الوحدة« السبت: في كتاب »أمريكا نعم.. أمريكا لا« من تأليف الكاتبة والمحللة السياسية »مها عبد الفتاح« سطور رائعة وشيقة عن عاصمة دولة عظمي لا تصلح لكي تكون سكنا دائما أو مكانا يعرف الاستقرار. والحديث هنا عن دور واشنطن في الحياة الامريكية في مدينة لا تعرف الاستقرار لأنها عاصمة الحكم فحسب، إنها أشبه بالمحطة، أناس يحلون عليها وأناس يغادرونها أو بتعبير الكاتبة »أناس رايحين وأناس غادين«. السلطة والمسئولية والمناصب في تلك العاصمة.. أزمانها موقوتة والمسافة محددة سلفا وكل شئ بميعاد ومن هنا فإن معظم سكان واشنطن أشبه بالبدو الرحل كل يعود عندما تنتهي المهمة الي حيث جاء. واشنطن مدينة بلا قلب تجد فيها حياة المناصب والجاه وتجد فيها رذالة - وربما تعاسة - الخروج من هذا الهيلمان وزوال هذه النعمة. وأصعب ما يقابله صاحب الحيثية هو يوم ينتقل فيه من أبهة السلطة الي صفوف عموم الناس.. وما بين غروب شمس وطلوعها يجد صاحب الحيثية نفسه كما لو كان طريد الجنة فسلفة السلطة والديمقراطية عندهم: الاحساس بأن كل شئ مؤقت وغير دائم: والي زوال في وقت ليس بالبعيد. فالسلطة زائر خفيف، ودائم الترحال، ولا يقيم طويلا مهما ظل في مكانه، فالدوام لله وحده، وليس في الأعمار فقط، وإنما دوام المناصب.. فالكراسي الموسيقية هي اللعبة الشعبية وعقب كل انتخابات تجري عمليات إحصاء: من الذي بقي ومن الذي فاز ومن الذي خرج من المولد! كل قادم الي المدينة.. يرحل بعد حين، وكل شئ يتغير والمشاهد تتبدل وتنحسر الاضواء عن وجوه لكي تتركز وتسطع علي وجوه أخري وتنتهي الاتصالات مع شخصيات لتبدأ مع شخصيات أخري. النفوذ موقوت بميعاد والصلاحيات مثلها مثل الأدوية ذلك ان مدة الصلاحية محددة سلفا. والمشهد الذي ترصده مها عبد الفتاح في هذا السياق.. بالغ الدلالة: رئيس مجلس النواب الامريكي السابق »توم فولي« خسر الانتخابات وفقد مقعده وفقد معه المنصب والسلطة بعد طول مقام دام نحو عشرين عاما وبعد أسبوع من هزيمته تقول الكاتبة: شاهدناه واقفا في حفل استقبال وحيدا في يده كأس ولا أنيس ولا جليس ولا صحبة أو زمرة وكأنما الارض قد انشقت من حوله وابتلعتهم والمؤكد ان ذلك الرجل الأشيب المهيب لم يكن معتادا علي هذه الوحدة فهو لم يكن يظهر الا وسط حشد لا تعرف من أين جاءوا وتجمعوا حوله في شكل مظاهرة تتبعه في كل مكان. وتتساءل الكاتبة: أين اختفي هؤلاء جميعا؟ ومن هو فاعل الخير الذي يمكن ان يفكر في ان يتوجه اليه ويكسر عزلته ويؤنس وقفته ويكسب فيه ثوابا؟ وترد الكاتبة علي تساؤلها فتقول: »لم يظهر أحد ذلك انه لم يعد بالإمكان الافادة من الاقتراب منه والتمسح به كما ان عمره لم يعد يسمح باحتمال ان يجرب حظه في لعبة الدور القادم ويعود الي الساحة من جديد وهكذا يكون قد فقد أسباب ومبررات وجوده من وجهة نظرهم وما عاد يرجي من ورائه شئ وهنا ينتقل الجميع للإحتشاد وراء خليفته الجديد«. هذه هي واشنطن التي أقامت فيها مها عبد الفتاح لسنوات وهي تسجل ملاحظاتها الذكية وتتابع كل ما يطرأ علي الساحة من تغيرات حتي أصبحت قادرة علي ان تعرف من اين تهب الربح ومتي تستقر. وهذا المشهد الذي رأته وظهر فيه رئيس مجلس النواب السابق كسير النفس ويعاني من عزلة موحشة.. هو ما يحدث دوما في أعقاب كل انتخابات هناك. أناس تذهب واناس تجئ ومن يفقد مقعده ينتقل فورا وبسرعة مذهلة من خانة الاهمية فئة »أ« الي فئة »ج« تمهيدا لإزاحته نهائيا خلال فترة موقوتة ويتم إقفال المحضر كما لو كان صاحب الحيثية لم يظهر له وجود في يوم من الأيام. عاصمة متقلبة مع الدنيا والانتخابات ولا تعرف الاخلاص مدينة مصالح متصارعة ولا تعرف الخجل مدينة عقيدتها السلطة والحيثيات وواشنطن هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يسكنها السابقون: فمن يودع منصبا أيا كان سرعان ما يرحل ويختار له موطنا في إحدي الولايات: فلا يبقي في المدينة سوي أصحاب المناصب وحولهم أصحاب المصالح: طويلا أو قليلا.. ما بقيت المناصب وأما أصحاب المصالح فهم الباقون. وتصف لنا الكاتبة تلك الدراما العجيبة التي تتمثل في المفارقة الشديدة التي يلقاها المسئول أيا كان ما بين عز المناصب ثم التجاهل والجحود وصقيع الوحدة وتقول الكاتبة انها مفارقة صعبة بل شديدة الصعوبة إنزال الستار وإبدال المشاهد قد يستدعي طقوسا تعرف بحفلات التوديع ولكن المؤلفة تحذرنا من المظاهر الخادعة فتقول انها ليست حفلات تكريم من القلب وإنما هي أقرب ما تكون الي طقوس الحفلات الخيرية لشخصيات لم تعد مهمة وإنما حصلت علي لقب »سابق« بل هي طقوس لحفظ ماء الوجه لا أكثر ولا أقل انها مشهد النهاية كما انها في نفس الوقت موسيقي المقدمة لما هو آت ولسان حال من يلوحون بتحية الوداع يقول: للأجر والثواب نكرمهم قبل ان يتوكلوا. في واشنطن يفقد المرأ قيمته عندما يفقد منصبه او بطاقته الرسمية ويفقد معها المضمون والشكليات وكافة المزايا وأول ما يفقده هو الهالة من حوله ففي لمح البصر يختفي طاقم المساعدين والبطانة من السكرتارية والسيارة.. وأحيانا الزوجة أيضا تذهب هي الأخري مع الهالة! وتنقطع الدعوات الاجتماعية والاهتمامات الشخصية وما كان يظن في »الزحمة« أنها صداقات حقيقية. عندما يدخل شخص ما دائرة الضوء في واشنطن يجرفه التيار يلتقط الطعم وتخدعه وتصطاده مظاهر السلطة وتدير الأضواء رأسه وكذلك تهافت الاخرين عليه وإقبال وازدحام المنتفعين والمنافقين وأصحاب المصالح وهواة الإقتراب من أهل السلطة انه في سكرة لا يفيق منها الا مع دورة الكراسي عندما يتوقف يوما فيجد نفسه ممن فقدوا مقاعدهم فيدور حول نفسه ويبدأ في التساؤل: أين الصداقات والعلاقات والمجاملات وأين المشجعون والمساعدون؟ لن يجدهم حوله فقد جاء الوقت الذي يدفع فيه الثمن بعد ان أصبح خارج الاضواء. في أربع وعشرين ساعة يتغير المشهد من حوله.. ذلك انه يجري إعداد المسرح لمشهد جديد بعد ان صدر حكم إعدام اجتماعي سريع وباتر كالمقصلة. من بين كل ما كتب عن الحياة في واشنطن.. لم أقرأ مثل هذا الوصف التفصيلي للدراما السياسية التي تعيشها تلك العاصمة وتقلباتها الغريبة وعن أنماط ونماذج الشخصيات التي تعبرها وما يقع فيها من أهواء وغرائب تستحق التأمل وثمة أسلوب أخاذ وزوايا للرؤية غير عادية في هذا المشهد ومحاولة جادة لدراسة سيكولوجية عميقة لأحوال مدينة يتقرر فيها أحيانا مصير العالم. كيف نحمي الذاكرة الاثنين: تتزايد الشواهد علي أن المخ يستخدم وقت النوم لتثبيت الذكريات التي انقضت خلال النهار. فالعلماء الذين تولوا قياس الإشارات الصادرة من مخ الفئران وجدوا أنماطا مميزة من النشاط في مناطق معينة من المخ اثناء النوم. وتشير تحليلاتهم الي ان هذه الإشارات عبارة عن ذبذبات تدوم لمدة 84 ساعة عقب تجربة جديدة يجتازها الفأر. وهذه الاكتشافات التي توصل اليها المركز الطبي لجامعة ديوك سوف تساعد العلماء علي اصطياد الجينات التي تتحكم في تكوين الذاكرة. وقد استخدم فريق البحث شبكة من مائة قطب كهربائي وضعت في أمخاخ الفئران للرصد في اربعة انحاء بمناطق المخ التي ترتبط تقليديا بالذاكرة.. ووضعت الفئران في بيئات مظلمة تماما لكي تسعي لإكتشاف تلك البيئات حيث وضعت أشياء مختلفة متعددة لكي تحاول العثور عليها وانتظر العلماء إشارات للنشاط أثناء مراحل النوم تسمي نوم الموجة البطيئة ونوم »الحركة السريعة للعين«. النوع الاول من النوم - الموجة البطيئة - هو نوع عميق بلا أحلام بينما النوع الثاني - الحركة السريعة للعين - يرتبط بالأحلام. بعد ان كانت الفئران تتطلع الي بيئة غير مألوفة بالنسبة لها ظهر نمط مميز من نشاط موجات المخ وخاصة في نوم الموجة البطيئة يختلف عن أنماط موجات المخ التي أعقبت النشاط في بيئة مألوفة. وقد توصلت الدراسات السابقة بأنه أثناء نوم »الحركة السريعة للعين« يتم تنشيط الجينات التي يبدو ان لها دور في تثبيت الذاكرة. بقي أن يعرف العلماء في دراسات مستقبلية اي جينات هي التي تلعب الدور الاول في تخزين الذاكرة.