"عشرة اجتماعية وسياسية" هكذا تضع الكاتبة الصحفية مها عبد الفتاح عنوانا فرعيا لكتابها الضخم الصادر حديثا عن الهيئة العامة للكتاب "أمريكا نعم.. أمريكا لا"، نعم للحرية والثراء والشهرة، ولا لبلد أصبح مسكونا ب"شبح الإرهاب". تسعة أعوام في أمريكا، قضتها عبد الفتاح بمقتضي عملها كمراسلة صحفية لجريدة أخبار اليوم، وفصول الكتاب عبارة عن مذكرات ومشاهدات خلال حقبة التسعينيات، "دفتر أحوال الأمريكيين من القمة إلي القاعدة" كما يصفه الناشر، حكايات مليئة بالإثارة والغرابة والتشويق والتنوع، كل شيء مشاع ومكشوف، فوفق المؤلف يعيش الأمريكيون فيما يشبه بيوتا من زجاج شفاف، كل ما فيه معروف للآخرين. التسلية هي هدف الكتاب الأول، أو هكذا يفضل أن تقرأه، خاصة بسبب لغة الكاتبة التي تعمدت أنها تجعلها سهلة تستعين بالعامية وقت اللزوم، فالجزء السادس والأخير يحكي غرائب الحياة الأمريكية، وهو بالتحديد الجزء الذي يحقق غاية المؤلفة التي تذكرها في تمهيد قصير: "أسلوب حياة الأمريكان وتفكيرهم هو المضمون"، تصف مها مشاهد من الترف والطرافة تتسع لها حدقات العين وترتفع من أجلها الحواجب، تقول مها: "أنا شخصيا حواجبي ارتفعت عن معدلها هنا في هذه البلاد لأنني لا أكف عن الدهشة". فمن الحكايات الطريفة أن دعت إحدي المؤسسات المالية أناسا من أصحاب الملايين، إلا أنهم "ضربوا لخمة" وسط أجواء البذخ والأطعمة الفاخرة، مما لم يتعودوا عليه في حياتهم العادية، دلالة علي أن الثري في أمريكا يعيش حياة الطبقة المتوسطة بلا اختلاف في المظهر أو طريقة العيش، فأسلوب الحياة في أمريكا كما تري مها يتيح لأي شخص أن يعيش حياة باذخة المظاهر. تتحدث المؤلفة عن صاحب فندق كرمه كلينتون بتعيينه سفيرا لمجرد أنه تبرع بسخاء لحملته الانتخابية، لينضم كما تقول مها بسخرية إلي قائمة "التعيين السياسي التشجيعي الهمايوني" المنتشر في العرف الأمريكي ولم يقدم علي مثله سلاطين آل عثمان. وتتحدث بعد ذلك عن اتحادات الحانوتية في أمريكا ومقاولات الجنازات والاحتكارات في مجال الحانوتية علي الطريقة الأمريكية، ويبلغ في أمريكا كلها 2500 دار جنائزية، لذلك يعد الحانوتية من أكبر أصحاب الحرف دخولا في أمريكا! في طرق أمريكا السريعة من السهل أن تجد فتاة تقود سيارة، وبيدها اليمني سندويتشا واليسري تمسك بعلبة عصير، ففي أمريكا قوانين مرور تحظر القيادة تحت تأثير المسكرات والمخدرات وخرق الإشارة أو الوقوف في الممنوع، "أما أن تقود سيارتك بينما تأكل أو تشرب أو تتحدث في التليفون، فأنت حر طالما لا تدوس علي طرف أحد"، فكل هذه الأمور لا يعاقب عليها في القوانين الأمريكية. في حكاية بعنوان "هو حامل" تكتب مها: "لا يستبعد أن تتضمن تفاصيل الزواج الأمريكي اتفاق العروسين أي منهما سيتولي الحمل والولادة، أم سيتقاسمان ذلك بالعدل"، تتطرق إلي حال بعض ولايات أمريكا بعدما تحولت إلي حديقة حيوانات كبيرة، فليس غريبا أن تأتيك السناجب من كل الجوانب أو أن يعترض طريقك في ولاية ميريلاند دب أو ظبية تتحدث عن صناعة تأليف الكتب الرائجة في أمريكا، بأنها لم تعد تتطلب موهبة ولا إمكانيات فكرية ولا شيئا علي الإطلاق طالما توافر الاسم ذو الدوي والرنين، "فقد تحول التأليف إلي كذبة كبيرة وصناعة أكبر".