تتنقل الكتابة بين عالمين، ما بين ذاتنا وما تحفظه من خصوصية وأسرار، وما بين الواقع من حولنا وما يوحيه من صور تتجسد في كتاباتنا بطرق مختلفة، ظلت الأديبة نهي محمود تنقل العالم بعين طفلة مدهوشة تطل إلي الداخل وتبلور ذاتها علي الورق، عبر مدونتها »كراكيب»، لتصدر عملين في بداياتها أحدهما يحمل نفس الاسم، ثم عدد من الروايات تبدو الذات بخيالها النزق أكثر حضورا، لكنها في روايتها الرابعة »سيرة توفيق الشهير بتوتو» الصادرة عن دار بتانا للنشر حديثًا، تخرج إلي الواقع بصورته الأكثر زخمًا، لتدخل في عمق الحارة المصرية المعاصرة بطريقتها، وتقدم شخصية بطلها »توتو» التي تمثل انعكاسا لتشوهات الحارة وتعقد مصائر أهلها، نسألها: • روايتك الأخيرة مختلفة عن أعمالك السابقة، ربما تكون امتدادا لمجموعتك القصصية الأخيرة »الجالسون في الشرفة في انتظار مجيء زينب»، بعد أن كانت نصوصك السابقة أشبه بتسليط »كاميرا» مقعرة نحو الذات، كان عملك الأخير أشبه بتوجيه عدسة سينمائية نحو الخارج، كيف ترين ذلك؟ كنت طفلة صامتة، وعندما بدأت في الكتابة كان لدي الكثير لأقوله عني، كنت أكتشف العالم داخلي وحولي بالكتابة، امتدت تجربة الكتابة عما أعرف لعدة كتب، تعلمت فيها أن أتكلم لأري مخاوفي وأعالج أوجاعي، ثم تعلمت اللعب مع الحكايات واختراعها، وعندما كنت مستعدة، صنعت ثقبا في الجدار وتلصصت منه علي الآخرين، وصنعت مزيجا من الألوان بين حكاياتي ومشاعري وجسرا بين ما أراه وأشعر به فنتجت الكتابة التي تتحدثين عنها. ما الذي جذبك إلي شخصية »توتو»، ما أصلها في الحياة الواقعية، وكيف قدمت هذا الأصل في روايتك؟ بعدما تورطت في كتابة الحكاية التي ظننت في البداية أنها تثير استيائي، تذكرت حديثا سمعته لنجيب محفوظ كان يتكلم عن روايته »بداية ونهاية» وكيف أنه قصد في البداية الانتقام من هذه الأسرة أثناء الكتابة، ثم تملكته عاطفة الشفقة والتفهم بعدما اشتغل علي نصه.. بدأت كتابتي لتوتو من منطقة الغضب وبعض التهكم علي اختيار شاب لديه كل مقومات النجاح أن يتوقف عن فعل كل شيء، ويشغل نفسه بأمور تافهة، وينخرط فيها. »توتو» هي نموذج متكرر لثلاثة شباب في محيط معارفي، بدأ منهم خيط الحكاية ثم قادتني الكتابة لألعابها. لماذا حالة الحارة المصرية التي قدمتها مختلفة عن الحارة المصرية في أدب الأجيال السابقة؟ هل تأثرا بالواقع السياسي والاجتماعي فكانت حارة روايتك انعكاسًا أو صورة للواقع الحالي؟ - »الحارة التي كتبتها لها خصوصية فترتها الزمنية، لم تكن هناك دلالات كثيرة عنها داخل النص، غير ربما عدم وجود هاتف محمول أو استمرار قنوات التليفزيون الأرضي التي كانت تشاهدها أم »توتو». ليست قديمة ولا حديثة، لكنها كافية لتقدم المجتمع الذي أفرزها، هي إطار وصندوق وضعت داخله الشخصيات بما يتناسب مع رؤيتي وخبراتي عن المكان. أنا مفتونة بحارة » محمد ناجي » أراها بطلا عملاقا جميلا مهما قدم من نماذج مكسورة تحتفظ هي بنفسها بنص قلب القارئ، حارتي كانت يابسة ربما كمصير شخوصها. ولماذا لم يعد للحارة المصرية وجود كبير في الأدب المعاصر؟ - ربما تراجعت الحارة في الأدب المعاصر، لأنها تشوهت أكثر مما يسمح لها أن تبدو فنا، بدت مهترئة ومليئة بأمراض مجتمعية تحتاج إلي يد جراح ينقل منها بخفة حتي لا يتحول النص إلي فيلم هابط به الكثير من التوكتوك والمخدرات والبلطجة. هل يمكن اعتبار حالة توتو في روايتك بتشوهاته انعكاسا لواقع الحارة المعاصرة وكأن بانوراما شخصيات الحارة كانت إعادة تشكيل لشخصية توتو؟ - ربما قصدت في لحظة أثناء الكتابة، أن يكون هو الشاهد من شرفته علي العالم المزدحم المحيط به، غارق في تفاصيل البشر وممتلئ بالوحدة.. مثلنا جميعا. والوحدة سكنت أغلب شخصيات العمل، وحركت الجميع نحو غاية متخيلة للخلاص من أزماتهم.