تمثل مليونية 9/9/1102م، التي أطلق عليها »تصحيح المسار«، علامة فارقة في تاريخ الثورة. فقد تحقق الحشد المطلوب في ميدان التحرير كله، وأغلقت جميع مداخل التحرير العشرة وهي مجموع الشوارع التي تصب في ميدان التحرير نتيجة تدفق الجماهير من كل جانب، وسدت السيارات ميدان عبدالمنعم رياض. ومن يقف أعلي منصة التحرير، أو أعلي أي عمارة يستطيع أن يقدر حجم الأعداد الغفيرة التي حضرت ونقلتها وسائل الإعلام بأمانة وبالصور الحية، وهي تصل إلي المليون، ناهيكم عن الآلاف التي كانت تجلس في الشوارع الخلفية للميدان للراحة من الشمس الحارقة أو لتناول الوجبات والمشاريب السريعة وقد اجتمعت الغالبية العظمي للقوي السياسية في الميدان، وتحدثوا للجماهير التي أيدت مطالب الثوار الخمسة الأساسية وهي: 1 اسقاط النظام الانتخابي (قائمة + فردي) واستبداله بالقائمة النسبية المغلقة وغير المشروطة فقط عبر المشروع المقدم من جميع القوي السياسية. 2 التطهير السياسي والتنفيذي والإعلامي الشامل لكل من ينتسب إلي نظام مبارك المخلوع، وإصدار قانون بالابعاد السياسي لهؤلاء وحرمانهم من ممارسة الحقوق السياسية لمدة عشر سنوات علي الأقل. 3 استقلال القضاء وإصدار قانون جديد للسلطة القضائية وعزل النائب العام وانتخابه أو اختياره من المجلس الأعلي للقضاء، وذلك قبل اجراء أية انتخابات. 4 عدم محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، والافراج عن جميع من صدرت بحقهم أية أحكام عسكرية، وإعادة تقديم هؤلاء إلي النيابة العامة للتحقيق قي حالة ثبوت الاتهام يحالوا إلي قاضيهم الطبيعي، فليس من المنطقي أن يحال الثوار أو غيرهم من المواطنين إلي محاكمات عسكرية بحجة الاستعجال والحسم دون جدوي، في حين يحال مافيا النظام ورئيسهم المخلوع إلي محاكمات عادية!! 5 إلغاء جميع القوانين التي صدرت لتعوق الحريات وفي مقدمتها قانون المظاهرات والحد منها.. الخ. 6 إن هذه المطالب هي محل توافق جميع القوي السياسية، سواء التي حضرت أو حالت ظروفها أو وجهة نظرها ولها كل الاحترام في ألا تحضر، وكانت مليونية ناجحة طوال النهار، وكان الاتفاق علي عدم الاعتصام والبدء في مغادرة الميدان ابتداء من الساعة السادسة بحيث يخلي الميدان تماما قبل تمام الساعة 21 مساء، كما تم التنبيه بعدم التعرض لأي قوي سياسية والتي اعتذرت عن الحضور، وكذلك عدم التعرض للمجلس العسكري، وربما حدثت بعض التجاوزات الخفيفة المقبولة وتمكنا من السيطرة عليها وتوجيه المنصات تجاه المطالب الأساسية للمليونية لحشد أكبر توافق حولها ودرء الفتنة السياسية في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الوطن. وقد أكدنا في كلماتنا المختلفة وحدة القوي السياسية ومطالب المليونية. 7 وكان شباب الثورة قد أعلنوا قبل المليونية بيومين عبر وسائلهم الحديثة التي عبأوا الشعب المصري من خلالها للقيام بالثورة علي نظام مبارك، قد رتبوا المسيرتين من ميدان التحرير عقب انتهاء المليونية، الأولي لتأييد استقلال القضاء ناحية نادي القضاة بجوار نقابة الصحفيين تأكيدا لمطالب المليونية. والثانية تتجه باسم »مسيرة الشواكيش« نحو كوبري الجامعة لهدم السور الجديد الذي صنعته الحكومة بلا مبرر، أمام السفارة الصهيونية إلا أن قوي الثورة المضادة كانت قد رتبت للايقاع بشباب الثورة واغرائهم، وذلك بانسحاب أمني واضح أمام سفارة العدو الصهيوني، وجر بعض الشباب ناحية مديرة أمن الجيزة، علي حين أن الشباب كانوا قد جاءوا إلي السفارة لهدم السور والهتاف برحيل السفير الصهيوني، ثم العودة إلي ديارهم. 8 وتتدفق الأسئلة: لماذا انسحب الأمن من عند السفارة رغم العلم بأن »مسيرة الشواكيش« قادمة؟! فالأمن هو المسئول الأول عما حدث من محاولات انتهاك لعمارة السفارة، وليس مقرها كما يشاع!! ثم لماذا اعتدي الأمن علي الشباب وجرهم إلي ناحية مديرية أمن الجيزة وهي لا تبعد خطوات عن السفارة؟! ولماذا تم إنشاء هذا السور أصلا بعد أن هدأ الشباب وفضوا اعتصامهم قبل عيد الفطر المبارك؟! أليس في إنشاء السور بمعرفة الحكومة وبتصريحات من محافظ الجيزة، استفزازا للشباب، وحثهم علي الحركة والتوجه إلي هناك؟! 9 الرأي عندي أن القوي المضادة للثورة في الحكومة وفي الأمن، وفي نظام مبارك المنحل، هي التي رتبت لذلك افسادا للمليونية الناجحة، ولفتا للأنظار عن المطالب التوافقية لاجهاضها، اجهاضا للثورة، بحيث يستمر قانون الانتخابات المشبوه (فردي/ قائمة) لصالح الحزب الوطني المنحل ورموزه ورموز نظام مبارك الفاسدة التي تصر علي استمرار منظومة الفساد وضرب الثورة. 01 هل من المعقول أن تتحول إسرائيل الجانية المجرمة التي قتلت 6 شهداء من أبناء مصر البررة من العسكريين، إلي حمل وديع وضحية لاعتداء شباب الثوار الذين يتطلعون إلي سياسات جديدة دون جدوي؟! 11 هل قامت الثورة من أجل استمرار سياسات التطبيع المرفوضة شعبيا؟! وهل قامت الثورة لاستمرار اهدار كرامة الشعب وكرامة المصريين كما كان يحدث في عهد مبارك حيث استشهد 22، وأصيب 32 مصريا بيد القتلة الإسرائيليين دون أن يتحرك له جفن؟! وهل قرأ أحد ما قاله أردوغان رئيس الوزراء التركي في حديثه لجريدة الشروق يوم 21/9/1102 (كرامة الشعب التركي ودماؤه أعز علينا من صداقة إسرائيل)؟! متي نقتص لأبنائنا الذين استشهدوا علي يد المجرمين الصهاينة؟! لماذا نسكت علي حقوق الشعب، ونهدر كرامته إلي هذا الحد ونتنازل عن حقوق الشعب وعدم الثأر لذلك؟! لماذا لم تقرر الحكومة والمجلس العسكري اجراء واحدا يرضي الشعب والشباب بطرد السفير الصهيوني واستدعاء السفير المصري؟! أليس هذا استمرارا لنفس سياسات صاحب الكنز الاستراتيجي لإسرائيل وهو حسني مبارك المخلوع؟! أم ماذا بالضبط؟! ألم يكن الرد الاستراتيجي اقتناصا للفرصة بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع ايران لتكون لطمة الشرفاء في مواجهة الجبناء الصهاينة؟! والأخطر ما نجم عن هذه المؤامرة، اعلان تفعيل قانون الطواريء، بما يعني عودة الأحكام العرفية، وهذا حديث آخر.