كل الناس ينتظرون من ثورة مصر البيضاء أن تغير حياتهم وأن تنقلهم إلي مجتمع المدينة الفاضلة الذي نحلم به. وكلما تأخر الوقت ازداد الاضطراب والخوف من المستقبل وعليه. فالدنيا حتي الآن لم تتغير وأحلامنا في حياة آمنة ومستقرة ورغدة لم تتحقق. وبصراحة لنا في ذلك حق لا ينازعنا فيه أحد. ولكن ما أريد أن أثيره هنا هو قدر خوفنا بالمثل علي آخرتنا وقلقنا من أن تضيع من أيدينا وألا نجد فيها ما نحلم به من جنات وارفة الظلال وأنهار خمر ولبن وعسل وماء عذب فرات.. ومن قصور اللؤلؤ والمرجان والحور العين المقصورات في الخيام. والفواكمة الدانية ومن رؤية وجه الله عز وجل. وهي أعظم متعة ينالها أهل الله الفائزون بالجنة.. تري هل خوفنا علي دنيانا وألا تحقق ثورتنا المباركة بعض أحلامنا فيها يساوي خوفنا علي آخرتنا التي سننتقل للإقامة فيها عاجلا أو آجلا. هذا هو السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرحه كل منا علي نفسه. مع ملاحظة أن هناك فارقا جوهريا خطيرا بين الحالتين. فما تنتظره في الدنيا يتحقق بأيدي آخرين غيرك، موكول إليهم تنظيم حياتك السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونجاحهم أو فشلهم في مهماتهم الجليلة سيعود عليك أنت بما تحب وتهوي أو بما لا تحب أو تهوي! أما ما تنتظره لنفسك في الآخرة فيتم بيدك أنت ولا اعتماد فيه علي أحد سواك.. فأنت الذي تحدد موقعك في الآخرة ومرتبتك فيها بحسن علاقتك بالله. وبمخلوقات الله. وحجم جهدك وسعيك في هذا السبيل. ولا مجال وأنت تتحدث عن آخرتك أن تحيل الأمر لغيرك. فأنت المسئول الأول عن تحقيق الأهداف التي خلقك الله من أجلها. وأتاح لك كل شيء لكي تقوم علي مقصدك حتي الهواء والماء والطعام. وحتي الزوجة والأهل والأولاد.. وحتي المال والبيت والركوبة كل هذه الأشياء مخلوقة لك ليس للتمتع أو الفخر وإنما لكي تستخدمها لتقوم علي مقصدك وهو عبادة الله وشكره.. ولكن كثير من الناس يخطئون ويتخذون من هذه »الوسائل« أهدافا.. فيصبح جمع المال هو الهدف وتصبح تربية الأولاد والتلذذ بالبيوت الفخمة والسيارات الفارهة والطعام المتميز والنفوذ الواسع كلها تصبح أهدافا يعيش الإنسان ويسعي لتحقيقها وهو يظن أنه لا يرتكب إثما ولا يخوض في معصية.. ولكن عند الموت تتبدي له الحقيقة المذهلة. فالله لم يوجدك في الدنيا من أجل هذه المغانم ويكتشف الإنسان خطأه فيصرخ قائلا: »رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت«.. فقد أدرك انه لم يضع الإجابة الصحيحة علي السؤال. ويأتي الرد عليه من الله سبحانه وتعالي علي طلبه بتأجيل الموت والبقاء في الدنيا لفترة أطول من أجل الاصلاح وهي »كلا«. فهذا الامتحان من دور واحد. لا إعادة فيه. ولا دور ثاني ولذلك وجب التنويه والتنبيه.. فكلنا مهمومون بأن ترد الثورة لنا دنيانا التي خربها النظام السابق. وكلنا في حالة ضيق وضجر من الأموال التي نهبت وحياتنا السياسية والاقتصادية التي خربت. ومعنا حق. ولكن كم منا مهموم بنفس القدر علي آخرتنا التي نقترب منها. وكم منا حريص علي اصلاح الآخرة بقدر حرصه علي اصلاح الدنيا؟! لاشك هناك كثيرون لا نزكيهم علي الله.. وما أقول ذلك إلا للتذكرة التي تنفع المؤمنين.. وكما يقول أحد الصالحين » اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا. وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا« ومعناها الصحيح أن أمور الدنيا طويلة وممتدة ويحتمل الأمر أن أقدم عليها أمر الآخرة التي ستبدأ غدا فقربها لا يحتمل التأجيل.. وبالعقل يجب أن تكون أمورها كلها مقدمة ولها الأولوية علي أمور الدنيا دون افراط ولا تفريط!! وأفضل ما يفعله كل من ينتظر من ثورة 52 يناير أن تغير له حياته وتغدق عليه من خيراتها أمنا وأمانا واستقرارا أن يبدأ بنفسه وأن يعود باختياره إلي الله يطلب منه أن يصلح أحوال الثورة وأن يؤلف قلوب رجالها علي كلمة سواء. إذن ارفع يدك إليه.. وابدأ الآن.