حوار عبثي مريض دار علي مرأي ومسمع مني، دون إرادة لي، بين »عاهتين» بشريتين، شاءت أقداري أن اصطدم بهما في رحلة عملي ومشوار عمري، فمنذ ما يربي علي العشرين عاما، فوجئت بذلك الشخص »الشائه» شكلا وموضوعا يحاور صاحبه القصير المكير، بالقرب مني، وهو يسأله عن »سبوبة» الأدب، وهل العمل في مجاله يعد »لقمة حلوة طرية»؟، أم أن هناك ميادين أخري يمكن لمرتاديها العمل فيها، لقاء مقابل أكثر سخاء، فإذا بذلك القصير المكير وهو من مرتزقة الادب الذين يثيرون الغثيان بدناءة نفسه، ولؤم طويته، وإذا بهذه العاهة البشرية التي منيت بها ساحة الأدب ذات يوم يرد علي صاحبه وهو يحاوره ردا عجيبا أثار انتباهي، إذ قال له بالحرف الواحد: ادخل عتبة الأدب دون تردد، لأن اللقمة، فيها »طرية» فالطريق إليها لم يزدحم بعد، »فتنحنح» زميله »الجهول»، وهو الآخر عاهة بشرية »مستديمة»، وليست المشكلة في سمرة بشرته- التي لوحتها شمس قاسية في صيف قائظ، وكأنها صفعتها صفعا بلا هوادة -ولكن في سواد في قلبه، ودناءة نفسه، ورد قائلا: ولكنك تعلم يا صديقي انني لم أقرأ في حياتي إلا النذر اليسير من الكتب، فسارع البغيض الآخر بقوله: الأدب ليس »كيمياء»، ولكنه »سبوبة» حلوة، يمكن أن يطعم صاحبه الشهد، إذا ما حفظ كلمتين، واصطنع الجدية في ملامحه، وتعلم التشدق ببعض المصطلحات والعبارات، وأبدي البغيض لصديقه الوضيع ذي البشرة المحترقة والقلب الأسود، استعداده لمنحه دروسا »خصوصية» في التصنع، والخداع، قد جاء حوارهما العبثي بصوت مرتفع، وكأنهما يتفاخران بالوضاعة ويتباهيان بالدناءة، ولم أكن قد شاهدت بعيني وسمعت بأذني حتي تلك الحظة التعيسة ما يعبر عن الحضيض والتدني بهذه الصورة السافرة، فالأدب الذي هو أرقي الشرفات وأجل الآفاق، يتحول علي يدي العاهتين البشريتين إلي حذاء يخوض في الوحل، لجني المكاسب والأرباح، لا لم ولن يكون الأدب يوما مطية هؤلاء، علي الرغم من أن خطة الشائهين قد نجحت مرحليا، وأضحي الجهول ذا جاه عريض، واللئيم أصبح ثريا ومتنفذا في آن واحد، وذلك لأن ما حدث ليس هو المشهد الأخير في الحكايات!