هناك من يريدون أن نخرج من التاريخ وركب المدنية والحضارة ونرتد إلي أزمنة الجهالة والأرض الخراب السبت: واحد من قادة الدعوة السلفية يصف الحضارة المصرية بأنها »عفنة«، ويطالب بوجوب تغطية وجوه التماثيل الفرعونية بطبقة عازلة من الشمع لإخفاء ملامحها وتشويهها، لأنها تشبه »الأصنام« في مكة قبل الفتح الإسلامي!! وسمعنا أن بعض السلفيين قاموا علي اثر هذه »الفتوي« بتحطيم بعض التماثيل بمنطقة كرداسة الأسبوع قبل الماضي. ولو كانت مثل هذه »الفتوي« قد صدرت في أي بلد آخر.. لقامت الدنيا ولم تقعد، لأن مواطني ذلك البلد سوف يتأكد لديهم بعد سماعهم لهذه الحشرجات أن المطلوب هو إعلان رسمي لخروجنا من ركب المدنية والحرية والتقدم والتاريخ.. واختيارنا لنظام »طالبان« وتنظيم »القاعدة« في أفغانستان.. والصومال، وقرار من جانبنا بالارتداد إلي العصر الحجري وأزمنة الجهالة والأرض الخراب وما قبل مجتمع العشائر والقبائل الرحّل.. أي قبل قرون طويلة من قيام الدولة، حيث كان يسود طاعون الجهالة. إنها دعوة لإلغاء الحضارة المصرية التي تميزنا عن سائر دول العالم والتي نفاخر بها العالمين، وهي دعوة لطمس تراث هذا البلد.. ونداء كريه لمحو كل ما يذكرنا بعظمة ورقي وأمجاد مصر، وريادتها لجميع أمم الأرض في علوم وفنون الهندسة والعمارة والطب والفلك والزراعة وغير ذلك من طفرات في العقل المصري ونجاحات في الكشف عن الغاز استعصت علي بقية الشعوب. أتذكر الآن، عندما قمت بزيارة مدرسة أطفال تقع خارج العاصمة الكوبية هافانا، وسألت أحد التلاميذ الصغار »هل سمعت عن بلد اسمه مصر..؟«.. وكيف أجاب الصغير بسرعة وقد تهلل وجهه »نعم إنني أعرفها من كتب المدرسة.. فهي البلد الذي يبدأ عنده.. التاريخ«. وأتذكر عندما زرت موسكو، عقب هزيمة يونيو 7691، وسمعت شكوي رئيس اتحاد الصحفيين السوفييت من أن تلك الهزيمة تسببت في مشكلة بين القيادة هناك والرأي العام الروسي، لأن موسكو قدمت أسلحة ومعونات إلي مصر.. ورغم ذلك استولت إسرائيل علي سيناء في تلك الحرب. وبعد الشكوي، استدرك الرجل قائلاً: »إننا نقول للمواطنين إن هذه مجرد كبوة، وأن المصريين سوف يستعيدون أرضهم ويحرزون النصر، ذلك إنهم شعب عريق والدليل علي ذلك هو حضارة مصر القديمة«. الآن نسمع »فتاوي« داخل بلادنا تدعو إلي العودة إلي عصور الظلام والانحطاط والتخلف والهمجية والبربرية.. وتتجاسر علي المطالبة بتقزيم مصر وشطب تاريخها وفرض الجهالة والبدائية وتشويه وإخفاء شواهد حضارتها وتفوقها علي كل سكان المعمورة. هكذا.. يريد البعض إسقاط البلد الذي شهد مولد الضمير والقانون الأخلاقي والتوحيد. وأصحاب هذه »الفتوي« يريدون أن يرتكبوا جريمة ضد تراثنا لم يجرؤ الغزاة الأجانب علي ارتكابها علي مدي القرون.. بل آلاف السنين. جريمة اغتصاب الأحد: فتاة حسناء، ترتدي عباءة سوداء تقتحم بهو أحد فنادق العاصمة الليبية طرابلس ويشغله صحفيون أجانب لتصرخ، وهي في حالة من الانفعال والإرهاق والبكاء المتواصل، وتقول بكل ما تبقي لديها من قوة إنها تعرضت للاغتصاب والتعذيب علي أيدي 51 رجلاً من كتائب القذافي المسلحة بعد احتجازها لمدة يومين.. سكبوا خلالها الكحول في عينيها وتناوبوا علي اغتصابها. إنها المحامية إيمان العبيدي »82 سنة«، وكانت في طريقها من بلدة »تبوك« قرب بنغازي في شرقي ليبيا إلي طرابلس لمتابعة دراسة تقوم بها في معهد القضاء. وقع هذا الحدث يوم 62 مارس الماضي. والمشهد يظهر بوضوح علي »اليوتيوب«. وتولت بعض الفضائيات عرضه عدة مرات. واقعة اقتحام إيمان العبيدي للفندق وإعلانها عن المأساة التي حدثت لها، لم تستغرق سوي لحظات.. فقد تدخل رجال الأمن التابعون للقذافي لإبعاد الصحفيين بشراسة والقبض علي الفتاة بعنف ودفعها إلي خارج الفندق ووضعها في سيارة تنطلق بها إلي جهة مجهولة. .. ولكن من شاهدوا اليوتيوب لاحظوا أن العباءة السوداء التي ترتديها إيمان العبيدي.. انزاح طرف منها خلال انفعالها.. فظهرت بوضوح جروح وندوب ودماء علي جسدها. أما الصحفيون الأجانب، الذين حاولوا إنقاذها من أيدي رجال الأمن، فقد تم طردهم من ليبيا في الحال. وظهر بعد ذلك أن الفتاة قد اعتقلت قبل أن تتمكن من الفرار إلي خارج ليبيا بمساعدة ضابط ليبي معارض لنظام القذافي اصطحبها مع عائلته أثناء هروبه إلي تونس بعد أن تنكرت في زي محلي. ظهرت إيمان، بعد ذلك، علي شاشة قناة »سي. إن. إن« لتؤكد وقائع الجريمة التي تعرضت لها من خطف وتعذيب واغتصاب، ولكي تعلن أنها تريد احترام حقوقها واستعادة كرامتها. وعلي »الفيس بوك« أنشئت صفحة »كلنا أهل إيمان العبيدي« لكي تتحول، مع الوقت، إلي ما يشبه صفحة »كلنا خالد سعيد« المصرية التي كانت واحدة من شرارات ثورة 52 يناير. وتولت تلك الصفحة متابعة ذيول الجريمة التي كانت »إيمان« ضحية لها، ورصد كل الجرائم التي يرتكبها القذافي وأعوانه. لماذا نستطيع أن نصف ما قامت به »إيمان العبيدي« بأنه فعل غير مسبوق؟ إنني أتفق تماماً مع الإجابة التي قدمتها الكاتبة اللبنانية »دلال البزري« علي هذا السؤال. .. فهذه الفتاة إيمان لم تكتف بالإعلان عن جريمة تسكت عنها الغالبية العظمي من النساء العربيات اللواتي يتعرضن لها.. خوفاً من الفضيحة، بل سبقت الجميع بالحرص علي أن تصل أخبار هذه الجريمة إلي العالم بأسره. كيف استطاعت أن تتكلم وجروحها مازالت مفتوحة؟ من أين تستمد هذه الشجاعة وهذه القوة؟ كيف نطقت بهذه الكلمات وهي ابنة البيئة الأشد محافظة، بالمقارنة مع بلدان عربية أخري تخرس نساؤها وتنزوي وتكره الدنيا.. والدنيا تكرهها لو تعرضت لمثل هذا الاعتداء؟ ما كان عاراً يستوجب أن يطبق عليه الصمت..، صار مدعاة اعتزاز بالشجاعة والإصرار علي نيل الحق بالإعلان الصريح وصيحة للجموع بأن تمضي قدماً حتي النهاية لإسقاط نظام اغتصاب حقوق الشعب واغتصاب بنات هذا الشعب. وطبقاً للعرف التقليدي، فإن التي تتعرض للاغتصاب.. يسعي أهلها لستر فضيحتها بتزويجها من المغتصب. وهكذا تتعرض الضحية للاغتصاب مرتين ففي المرة الثانية.. يحدث »الاغتصاب الروحي« الذي لا تعترف القوانين العربية بأنه اغتصاب والنتيجة.. هي تدمير حياة امرأة لم تقترف غير ذنب وقوعها فريسة بين يدي مجرم جنسي. وفي الماضي والحاضر أيضاً تقع عمليات اغتصاب علي أيدي جيوش دول تدّعي التحضر والمدنية، كما فعل أمريكيون في العراق.. ذلك أن استباحة أجساد النساء دليل علي الانتصار في الحرب. ولكن في حالة إيمان العبيدي، قامت كتائب القذافي باغتصاب فتاة من بنات الشعب الذي تنتمي إليه هذه الكتائب وقادتها. أليس معني ذلك أن أنظمة الحكم في العالم العربي لا تختلف عن جيوش الاحتلال الأجنبي وتضمر نفس العداء لشعوبها؟ ثم ان إيمان لم تكن مقاتلة ولم تكن تحمل بندقية، وكل جريمتها أنها آتية من منطقة محررة »بنغازي« تسيطر عليها المعارضة الليبية. هكذا وقع عليها حكم الاغتصاب. وقد أكدت دوائر دولية أن عمليات اغتصاب مروعة جرت علي نطاق واسع ومنظم في ليبيا. وغير المسبوق أيضاً في قضية »إيمان العبيدي«، هو رد الفعل إزاء الجريمة. فقد لوحظ ذلك العدد الكبير من الشبان العرب الذين تقدموا لخطبة إيمان، منهم ليبيون وغير ليبيين. وفاز بقلبها شاب من بنغازي يدعي »المنبي« 43 سنة إنه يقول: »أردتها زوجة لي بسبب موقفها البطولي المشرف.. إن صرخة إيمان من معقل الغول ومن داخل بطن الحوت.. ومشهد الصحفي الأجنبي الذي كان يدافع عنها في مواجهة رجال الأمن القذافيين.. كان له تأثير بالغ في نفسي«. وعقد حفل خطوبة إيمان في ساحة الشهداء في طبرق بحضور العائلة وأهل المدينة والأعيان. وبقي أن ينفذ المجلس الوطني الانتقالي الليبي تعهده بملاحقة كل من تورطوا في الاعتداء علي إيمان العبيدي. نظام الجواري الاثنين: المرشحة السابقة في انتخابات مجلس الأمة الكويتي »سلوي المطيري«، تطالب الآن بإحياء نظام الجواري بهدف »تأمين رغبات الرجال بدلاً من اضطرارهم إلي مصاحبة النساء واتخاذ الخليلات بدون زواج، مما يؤدي إلي المعاصي ونقل الأمراض وإنجاب أطفال الزنا«!! وتقترح السيدة سلوي المطيري أن يتم استيراد الجواري وامتلاكهن من سبايا غزو دول إسلامية لدول غير إسلامية، مثل سبايا الروس في الشيشان أو من روسيا ودول أخري لم تذكرها بالاسم. وتريد هذه السيدة سن قانون للجواري بحيث يدفع الراغب في امتلاك الجارية مبلغ 0052 دينار، ثمناً لها، وأن يدفع لمكتب جلب واستقدام الجواري الذي ينشأ علي غرار مكاتب توفير خدم المنازل مبلغ خمسمائة دينار، ويوضع في حساب الجارية مبلغ 0002 دينار لا تستحقها إلا بعد خمس سنوات من »الخدمة« خلال وجودها في عهدة مالكها!! وبرهنت السيدة المطيري علي نزعتها »الإنسانية والديمقراطية« عندما اقترحت تحديد عدد الجواري لدي كل مالك، حتي تضمن عدم ظهور مشاعر الغيرة بينهن، كما اقترحت عدم السماح باستيراد أي جارية يقل عمرها عن 51 سنة أو يتجاوز عمرها 52 سنة»!« وكذلك حفظ حقوق الجاريات في المرتب والوديعة ومتابعة التعليم إذا كن يرغبن في ذلك! لا نسمع الآن في العالم العربي أفكاراً أو اقتراحات لتطوير البحث العلمي أو النهوض بالصناعة أو الزراعة أو التعليم أو تحسين مستوي المعيشة. ويكفي أن تكون لدينا مقترحات واجتهادات »مبدعة« حول كيفية »تأمين رغبات الرجال« في مجتمعات لم يعد يشغلها سوي تسخير أكبر عدد ممكن من النساء لتحقيق المتعة لدي الرجال ولو عن طريق الاستيراد!! هل عرفت الآن.. لماذا تقدم غيرنا، ولماذا نظل متخلفين؟