مثل هذه الأمور تبدأ وتستمر مع جميع مراحل التنشئة، وعبرمؤسساتها، وكل موقع يمثل خلال التعامل معه ملمحاً من ملامح الوطن. الخميس: كم لصا تراجع عن نواياه في السطو أو السرقة، لمجرد أنه سمع رفع الاذان، أو دقات أجراس الكنيسة؟ كم مرتشيا ردعته دعوة زميله لصلاة الفريضة حتي لايقيمها قضاءً؟ كم منحرفة عادت من منتصف الطريق لأن أذنيها وصلها ترتيل للقرآن الكريم؟ هل يستيقظ الضمير فجأة؟ هل يجتاح الشعور بالانتماء الانسان علي حين غرة؟ تداعت هذه التساؤلات وغيرها إلي عقلي، عندما باغتتنا وزيرة الصحة الجديدة بقرارها الذي عممته علي المستشفيات باذاعة السلام الجمهوري وقسم الأطباء يوميا!! الوزيرة تظن، وربما تعتقد اعتقاداً جازماً، أن قرارها يصب في خانة تعزيز قيم الانتماء عند المريض والطبيب علي حد سواء، وأن القسم سيذكر الأطباء بمباديء الانسانية، يعني سوف يوقظ ضمائرهم كل صباح! تفكير الوزيرة أثار- ومعي ملايين المصريين- دهشة عارمة، فلا الانتماء يرسخه النشيد الوطني، ولا الضمير يصحو مع بث القسم أو حتي أداؤه. مثل هذه الأمورتبدأ وتستمر مع جميع مراحل التنشئة، وعبرمؤسساتها من البيت إلي المدرسة، والمسجد والكنيسة، والمستشفي والسجل المدني،..،...، وكل موقع يمثل خلال التعامل معه ملمحاً من ملامح الوطن. لن نبتعد كثيراً، ألا يذاع السلام الوطني في مدارس القطر كل يوم؟ كيف حال العملية التعليمية؟ هل كف المدرسون عن الدعوة للدروس الخصوصية؟ هل واظبوا علي الشرح بضمير في الفصول؟ وهل إلتزم الطالب بالحضور والتفاعل؟ ثم لماذا لا ينظر أي مسئول- الوزيرة أو غيرها- إلي الأمر علي نحو مغاير، بمعني أن يخطط وينفذ ويتابع ما من شأنه تنمية الانتماء، وإيقاظ الضمير عملياً، ومن لايستيقظ ضميره بالتربية والتوجيه، فلا مفر غير تفعيل القانون، وعقاب المتجاوز. ثم ماذا لو... لو وجد التلميذ اهتماماً حقيقياً من مدرسيه، ألا يجعله ذلك الأمر ممتناً، ومن ثم منتمياً، ولعله يري في استاذه قدوة في قيامه بواجبه، فيكون مثله عندما يتقلد أي وظيفة؟ لو صادف المريض عناية انسانية وطبية في المستشفي ألا تعزز تلك المعاملة من انتمائه للوطن؟ ثم أنها تعكس ضميراً يقظاً من الطبيب والممرضة.. الخ. لو اجتاز عتبة أي مصلحة حكومية فلم يصادف من يوجه له إهانة، بل ساعده في الحصول علي معاملته دون ابطاء أو مطالبة ب »شاي بالياسمين» مثلاً، ألن يشعر أنه مواطن له حقوقه، وعندما يعود لعمله يترجم ما يلاقيه من معاملة طيبة مع الآخرين الذين يلجأون إليه و..و.. وتتفاعل »نظرية الدومينو»، وهكذا يصبح الانتماء تطبيقات عملية، ويتحول الضمير من عملة صعبة إلي عملة رائجة. أكتب هذه السطور، بعد تراجع تكتيكي للوزيرة بقولها أن السلام الجمهوري بالمستشفيات ليس اجبارياً »!» وانه مجرد سُنة حسنة! ثم قسمها برحمة أبيها بان اللي مش هيلتزم هتعلن عن خلو وظيفته حتي لو كان مديراً»!» من النقيض للنقيض يادكتورة! ولكن لابأس من المزايدة إذ تقول تعقيباً علي ما وصفته بالهجوم علي اذاعة السلام: مش مستوعبة حد يتفاوض في الوطنية»!!» أقول لها: فقط جربي تقديم خدمة صحية انسانية في كل مواقع الوزارة، وعقاب المقصر، وتفعيل القانون علي الجميع، وسوف تحصدين نتائج رائعة تصب في خانة تأكيد الانتماء، عبر مستشفي نظيف، وصيدليات لاتعاني من نواقص، واسانسيرات تعمل،.. وباختصار منظومة صحية متكاملة. سؤال أخير يادكتورة: هل لديك حصر بوجود اذاعات داخلية بالمستشفيات وعدد الصالح منها للعمل؟ وكم تتكلف عملية تعميم »ساوند سيستيم» في كافة المستشفيات مع الوضع في الاعتبار وتكاليف عمليات الصيانة والاصلاح الدوري؟ الاعتراف بالخطأ فضيلة يامعالي الوزيرة. سلام.. وعبدالناصر الجمعة: هذا الكتاب دفعني -إلي حد الاجبار- نحو الخروج عن قرار لم اتجاوزه إلا نادراً، منذ بدأت في كتابة يوميات »الأخبار». عرض الكتب له مواقع أخري، ومواضع تختلف عما أتصور أنه جدير بنشره كفقرة في اليوميات، غير أن هذا الكتاب يمكن أن يتبوأ منزلة تجعل الاستثناء معه مطلوباً ومحبباً. مادة الكتاب لأحد أشرف من خطوا بالقلم، المرحوم حلمي سلام، وأعدت مادته للنشر كريمته د.آمال، ويصدر مواكباً لمئوية الزعيم جمال عبدالناصر. »سلام» اقترب كثيراً من عبدالناصر، لكنه أيضاً عاني من الذهاب للظل بعد أن كان ملء السمع والبصر، وأحد أكثر المقربين من الزعيم، وبالنسبة لآخرين فان ماعاناه كان كفيلاً بأن ينقلب موقفه مائة وثمانين درجة، إلا أنه لم يخالف ضميره، ولم يحاول التكسب كما فعل كثيرون. هنا أريد فقط تسجيل تحية لرجل رحل عن دنيانا، لكنه ظل طوال حياته موضوعياً متسامياً، ولم يدفعه الكبرياء إلي محاولة الثأر ممن سبقوه إلي دار الحق. أحب عبدالناصر، واحترم تجربته، غير أنه لم يضبط درويشاً إبان حكمه، أوحاقداً بعد رحيله، سجل شاهدته عن ثورة يوليو وقادتها باعتباره أحد من خبروها عن قرب، وارتبط برجالها وكأنه أحدهم، وعندما عاد من الظل لم ينتقم أو يثأر، لكنه بقي وفياً لكل ما اعتقد بصوابه، ناقداً بموضوعية لأي شيء ارتآه مستحقاً للتصويب، بعيداً عن أي رغبة في تصفية حساب. »عبدالناصر وثورة يوليو.. في ميزان التاريخ» عنوان كتاب آثر مؤلفه، ومعدته، أن يخرج للنور كاضاءة صادقة حول ثورة غيرت وجه التاريخ، علي أيادي رجال أصابوا وأخطأوا لكن لايمكن التشكيك في وطنيتهم، ومحاولة اجتهادهم قدر ما أمكنهم، لتظل شهادة حلمي سلام متميزة بترفعه وتحريه الصدق والأمانة فيما يكتب لوجه الله والوطن والتاريخ. عقبال »التُمناية»! الأحد: .. وما أدراك ما »التُمناية»؟ يخيل لي أنها اكتسبت اسمها من حجمها، يعني هي أقرب إلي 8/1 باص! تركض في معظم شوارع وميادين القاهرة، وعواصم المحافظات، تصطدم بها عيني صباحا وعصراً ومساءً، بغزارة غريبة، تستوقف المرء، لكن سرعان ما يزول تعجبك عندما تعلم انهامبرأة من الرسوم والضرائب، أو أي أعباء يتحملها من يملك وسيلة للنقل كالميكروباص، لأن أرقامها ورخصتها ملاكي. تجري تحت سمع وبصر رجال المرورمن الأمين إلي كبار الضباط، لها خطوط سير معتادة، تقف احيانا -كما رأيت- أمام رجل مرور لتلتقط زبوناً دون أي رد فعل من جانبه! سألت نفسي: لماذا لا يتم تقنين أوضاع »التُمناية» تأسيا بما حدث مع مشروع »أوبر وكريم»؟ متي يتصدي نائب للمهمة؟ ومتي تتحمس لجنة النقل بالبرلمان لتقنين أوضاع »التُمناية» ولماذا يستمر صمت »المرور» والمحليات؟ لعل تجربة »أوبر وكريم» تكون حافزاً وقدوة تُحتذي من جانب كل من يهمه الأمر، سواء أكان ما يعنيه ضبط الحالة الأمنية والمرورية، أو توسيع المجتمع الضريبي، أو وضع ضوابط لأمر واقع ينطبق عليه مفهوم »السداح مداح» فثمة شركة تروج لاستدعاء »التوك توك» بذات طريقة »أوبر» فهل تتحرك الجهات المعنية قبل مزيد من الانفلات؟! جيراني في البرج السبت: »كذب المنجمون ولو صدفوا» انه الصواب المهجور، فالشائع في المثل ابدال الفاء بالقاف، وحتي قبل أن اكتشف أن الصيغة المتداولة هي الخطأ بعينه، فإن اعتصامي بالمنطق كان الدافع لرفض ما تعارف عليه الناس. ورغم ذلك يدفعني الفضول احياناً -علي سبيل التسلية ليس إلا- لمطالعة حظي في الزاوية المخصصة له باحدي الصحف، فاضبط نفسي مبتسماً في سخرية، إذ كيف يتقاسم الملايين »الحظ» نفسه باختلاف العمر، الوطن، المهنة، الثقافة،....، ..... الحكاية -إذن- لا تزيد عن كونها نوعاً من الدعابة. بالتأكيد، ليس من المعقول انه لمجرد ان يسكن كل هؤلاء نفس البرج، أن ما يلاقونه في الحياة - علي مدي اعمارهم- يكون ذات الحظوظ. ما الذي يجمع الشامي مع المغربي؟ العبد لله يجاوره في برج الجوزاء الرؤساء كيندي، بوش الأب، ترامب.. بالذمة، ما الذي يجمع بينهم سوي أنهم سكنوا البيت الأبيض؟ ثم ما هي القواسم المشتركة بيني وبينهم؟ .......... اعترف ان الفضول دفعني ذات يوم إلي قراءة صفحات من كتاب يتناول سمات أصحاب كل برج، ادهشني أن بعض ما أشار إليه المؤلف يتطابق معي، لكن كثيراً مما ذكره لا يشبهني. اعتراف آخر؛ في الفصل الذي يتناول من يسكنون برج الجوزاء شعرت أن ثمة سطورا كأنها تعنيني بالذات، عندما نتحدث عن الميل للأدب والفن، والاهتمام بالابتكار، والابداع، والنجاح في الأعمال التي تحتاج للكلمة والقلم، والتعطش لمعرفة الجديد و..... كل هذه أشياء طيبة، وانعم الله بها عليّ، لكن أن يذهب مؤلف كتاب الأبراج إلي أنني أمتلك عقلا حسابيا اقتصاديا، إذا استثمرته بصورة ملائمة حصلت علي الحظ والثروة والمال، فمن المؤكد انه يقصد إنسانا آخر لا أعرفه ولم ألتقيه قط. ومضات عندما تسبق روح »الإقدام» حركة »الأقدام» يصبح الفوز مستحقاً. لايهم كيف نبدأ؟ الأهم أن نعرف إلي اين ننتهي؟ الأصل في الاشياء »الإباحة» إلا اذا امتطت الهمزة رأس الألف. الاناني يقول »نحن» تعظيماًِ لذاته، لاليترجم انتماءً للمجموع. الجار الحق، من يُجير، لا من يجور أو يجأر. المقهور قد يرفع رأسه »متشامخاً» والحر يعلو بها »شامخاً». الاقتضاب -عادة- سمة الحكيم، والاسهاب- غالباً- حيلة العاجز. الجدية لاتتعارض مع الحرية، إلا في دوائر الفوضي. همة الانسان تخفف همومه. في غابة الحياة نسعي -أبداً- لنستظل بشجرة الرحمة. إذا توهمت قدرتك علي صنع كل شيء، لن تلفح في اجادة أي شيء! مهما طال الزمن، العالِم يحتل القمة، والمتعالم مصيره القاع. اعتناق الحق سبيل الانعتاق من الظلم.