السفير ماجد عبدالفتاح يكشف تفاصيل موافقة 143 دولة على منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة    اتهام جديد ل عصام صاصا بعد ثبوت تعاطيه مواد مُخدرة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    تراجع عيار 21 الآن.. سعر الذهب في مصر اليوم السبت 11 مايو 2024 (تحديث)    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن قمح    «القومية للأنفاق» تعلن بدء اختبارات القطار الكهربائي السريع في ألمانيا    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    بلينكن يقدم تقريرا مثيرا للجدل.. هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة؟    يحيى السنوار حاضرا في جلسة تصويت الأمم المتحدة على عضوية فلسطين    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو بالدعوة لإنشاء إدارة مدنية لقطاع غزة    مجلس الأمن يطالب بتحقيق فوري ومستقل في اكتشاف مقابر جماعية بمستشفيات غزة    سيف الجزيري: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة نهضة بركان    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    الاتحاد يواصل السقوط بهزيمة مذلة أمام الاتفاق في الدوري السعودي    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس اليوم: «أجلوا مشاويركم الغير ضرورية»    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    إصابة 6 أشخاص إثر تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    عمرو أديب: النور هيفضل يتقطع الفترة الجاية    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج العذراء السبت 11-5-2024: «لا تهمل شريك حياتك»    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    رد فعل غريب من ياسمين عبدالعزيز بعد نفي العوضي حقيقة عودتهما (فيديو)    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    على طريقة القذافي.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة (فيديو)    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الخارجية الأمريكية: إسرائيل لم تتعاون بشكل كامل مع جهود واشنطن لزيادة المساعدات في غزة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لتعزيز صحة القلب.. تعرف على فوائد تناول شاي الشعير    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى بكرى يكتب عن عبدالناصر الإنسان

• سر الرسالة التى بعث بها «عامل التراحيل» فرد عليه فى خطابه ذات المساء
• لماذا كلف عبدالناصر سكرتيره الخاص باصطحاب أولاده إلى منطقة الجمالية
• عبدالناصر يرفض عرض أحد المليونيرات لتعيين والده براتب كبير ويقول له: يريدون شرائى من خلالك
• عندما علم بمسابقة «أبو عيون جريئة» طلب من الفريق فوزى القبض على المشاركين وتجنيدهم
• رفض حضور زفاف أخته «عايدة» وقال لوالده: مصر تعيش فى حزن على الشهداء
• هدد بإلغاء زيارته لليونان اعتراضًا على مراسم حفل العشاء
لم يكن عبدالناصر يسعى إلى الخداع، أو يردد شعارات ويفعل عكسها، بل كان صادقًا فى رؤيته وأمينًا فى قراراته، لم يتربح أو يتكسب، ولم يسمح أبدًا لأى من أقربائه بأن يكونوا متميزين عن الآخرين، بل كان يتعمد أن يقسو عليهم جميعًا، ويطالبهم بالانزواء جانبًا..
«شائعات وأكاذيب»
فى عام 1953 شعر جمال عبدالناصر بآلام فى الزائدة الدودية واستدعى د.مظهر عاشور كبير الجراحين بمستشفى كوبرى القبة العسكرى، وذلك للكشف عليه فى منزله بمنشية البكرى.
وبينما كان يقوم بالكشف عليه، كان يردد بصوت خافت قائلًا: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وعندما سأله عبدالناصر: هل الحالة خطيرة إلى هذا الحد؟ رد عليه قائلًا: أبدًا المسألة بسيطة ولا تحتاج سوى جراحة بسيطة لاستئصال الأعور، ولكنى أستغفر الله لأنى سمحت لنفسى بأن تسمع عنك فرية دنيئة.
فبادره عبدالناصر قائلًا: وإيه اللى سمعته؟
فقال: كنت فى زيارة منذ أيام لبعض الأصدقاء فى لقاء اجتماعى، فقال أحد الحاضرين: إنه زارك فى منزلك ورأى بيتك مفروشًا من ممتلكات الدولة فى قصر عابدين، وقال: عندما دخلت عليك اليوم، رأيت حجرة النوم والجلوس ولم أجد شيئًا مما زعموه افتراء.
وهنا ابتسم عبدالناصر وقال: هذا شىء طبيعى ولن يثنينا عن أهدافنا أو يؤثر فى معنوياتنا.
«الأرض للمعدمين»
وفى عام 1957، ظهرت بالقرب من قرية «بنى مر» جزيرة تبلغ مساحتها (140) فدانًا من أراضى طرح النهر، وفى هذا الوقت قام أهالى القرية - وكان من بينهم أسرة جمال عبدالناصر بزراعة هذه الأرض، وحدث خلاف بين أبناء القرية وقدَّم الأهالى شكاوى ضد بعضهم البعض، فتدخلت الشرطة لإنهاء النزاع بين المواطنين وبعضهم البعض.
ووفقًا لرواية السيد سامى شرف، عندما علم عبدالناصر بما حدث، أصدر قرارًا جمهوريًا على الفور بسحب كافة الأراضى فى هذه الجزيرة بما فيها من محاصيل زراعية وأمر بتوزيعها على المعدمين من أهالى القرية والمسرَّحين من الخدمة العسكرية فى بنى مر والقرى المجاورة.
وقد علق أحد أبناء القرية على ذلك وقال: عبدالناصر كان ينصفنا نحن وإن اضطر أن يظلم أقاربه، وقال: نحن لم نشعر بعد هذا الحادث بأن بيننا أقارب لرئيس الجمهورية، وإنما كنا نشعر بأنهم إخوتنا ورفاقنا فى كل شىء، لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
«عودة الهدية»
عندما سافر الكابتن محمد لطيف فى زيارة إلى لندن للعلاج، جاء معه بحقيبة رياضية لخالد جمال عبدالناصر نجل الرئيس، وعندما رأها عبدالناصر سأله: من أين هذه الحقيبة؟
قال له: إنها هدية من الكابتن لطيف.
فقال له عبدالناصر: وإيه المناسبة؟.
قال خالد: بعد عودته من لندن.
قال عبدالناصر: تذهب الآن وترجعها له وتشكره..
ولم يكن أمام خالد من خيار إلا أن يعيد الحقيبة إلى الكابتن لطيف ويوجه له الشكر.
كان عبدالناصر يرفض تقبل الهدايا من أحد، وكان دومًا يسلمها إلى القصر الجمهورى فى عابدين إذا ما اضطر لقبولها.
«أبو عيون جريئة»
عندما علم عبدالناصر بأن بعض الشباب فى الإسكندرية أقاموا مسابقة باسم «أبو عيون جريئة»، لاختيار الشباب أصحاب العيون الجريئة، اتصل بالفريق محمد فوزى القائد العام للقوات المسلحة وطلب منه القبض على كل هؤلاء الشباب وتجنيدهم فى الجيش لعدة أشهر فى إحدى المناطق العسكرية حتى يتعلموا الرجولة، وهو ما حدث بالفعل، وعاد هؤلاء الشباب بعد نحو ستة أشهر أشخاصًا مختلفين عن ذى قبل.
«أنا المستهدف»
فى طريق العودة إلى منشية البكرى، قال لهم محمد أحمد: لا تغضبوا من شىء، الوضوح والصراحة والتمسك بالمبادئ، هى أعظم سمات جمال عبدالناصر، وراح يحكى لهم قصة عبدالناصر فى بداية الثورة، عندما عرض أحد المليونيرات على والده الحاج عبدالناصر أن يعينه عضوًا بمجلس إدارة إحدى شركاته بمرتب خيالى، ساعتها رفض عبدالناصر العرض بشدة، وقال لوالده: يا والدى كيف يريدونك بمجلس إدارة وانت راجل موظف بوستة وتلغراف؟ إنهم يريدون شرائى من خلالك، وهنا بادر الوالد بالرفض الفورى لهذا العرض.
- قالت هدى: كان لازم يعرفوا إن والدى لا يمكن أن يقبل بشىء كهذا.
- قال محمد أحمد: الحاج عبدالناصر والده كان يستخدم المواصلات العامة حتى سنة 58، بعدها اشترى له الرئيس جمال سيارة نصر 1300 بالتقسيط المريح، ونظر إليهم قائلًا: أظن بعضكم يتذكر ذلك!!
«أروح لمين؟!»
مضت الأيام ثقيلة، كانت الأزمات تلاحق الوطن، فيزداد انشغال عبدالناصر بها، وفى أحد الأيام شعر عبدالناصر بحالة شديدة من الإعياء، ألزمته الفراش، وعندما قام هيكل بزيارته فى منزله، كان عبدالناصر يستمع إلى أغنية لأم كلثوم.
- قال هيكل: لازم يا ريس تاخد بالك من صحتك.
- رد عليه عبدالناصر: مفيش وقت يا أستاذ.
- قال هيكل: لازم تغير نمط حياتك، تخرج، تحضر حفلات!!
- ابتسم عبدالناصر ساخرًا وقال: حفلات إيه وبتاع إيه أروح لمين واختلط مع مين، من يستطيعوا دعوتى لحضور الحفلات هم من يمتلكون الفلوس، وهؤلاء يعرفون أن فكرى يختلف عن فكرهم وحياتى تختلف عن حياتهم، إذن لماذا أعذبهم وأعذب نفسى؟! أنا كدة مرتاح!!
- قال هيكل: يا ترى هل ستفرغ بعض الوقت فى يوم من الأيام ونجلس سويًا ونكتب ذكرياتك وقصة ما حدث؟
- قال عبدالناصر: انت تكتبها وحدك، وقد لا يصل بى العمر إلى مرحلة الشيخوخة!!
- قال هيكل: ربنا يعطيك الصحة يا ريس.
بعد قليل دخل سامى شرف مدير مكتب الرئيس للمعلومات، كان يحمل مجلدًا كبيرًا يحوى تقارير الأجهزة المعنية، وشكاوى المواطنين، وراح يقدمها للرئيس.
- قال عبدالناصر: هل أحضرت جوابات المواطنين؟
- رد سامى: كلها موجودة يا ريس.
نظر عبدالناصر إلى هيكل وقال: هذه الخطابات هى أصدق شىء أقرؤه، الناس تحكى بصدق عن كل شىء فى البلد، بصراحة وبوضوح..
- قال هيكل: ولكن لابد أن ترتاح لبعض الوقت.
- رد عبدالناصر: ومين مرتاح فى البلد يا محمد؟!
«الرسالة وصلت!!»
فى صباح هذا اليوم، كانت الاستعدادات قد اكتملت، إنها ليست الزيارة الأولى التى يقوم بها الرئيس جمال عبدالناصر إلى أسوان مستقلًا قطار السكة الحديد، كان يرفض نصائح مستشاريه بالسفر عبر الطائرة حرصًا على أمنه وسلامته..
كان عبدالناصر متفاعلًا مع الجماهير إلى أقصى مدى، وكان يرفض دومًا العزلة بعيدًا عنهم، لقد كان لديه يقين بأن دفء الجماهير يمنحه القوة على الاستمرار والمواجهة..
غادر عبدالناصر منزله فى هذا اليوم مبكرًا، المسافة بين منشية البكرى ومحطة السكة الحديد فى رمسيس لا تزيد على عدة كيلو مترات محدودة، ودَّع عبدالناصر قرينته السيدة «تحية» وأبناءه قبيل أن يستقل الموكب المتجه إلى هناك.
كانت الجماهير قد احتشدت على جانبى الطريق، وعندما وصل إلى الميدان الرئيسى المؤدى إلى مدخل المحطة، رفع كلتا يديه للجمهور محييًا، وبعد أن أنهى الوفد المرافق دخولهم انطلق القطار متجهًا إلى الوجه القبلى باتجاه أسوان، بينما أطل عبدالناصر من الشباك المتصل بكابينته الخاصة محييًا المحتشدين..
• • •
كانت مدينة أسوان قد استعدت وخرجت عن بكرة أبيها لاستقبال الرئيس جمال عبدالناصر، وكان العمل فى بناء السد العالى يجرى على قدم وساق، العمال الذين جاءوا من كل حدب وصوب، المهندسون الذين يرتدون الخوذات، ولا يكفون عن التنقل بين العمال، رجال أغلبهم من أبناء الصعيد، وجوه شقيانة، حكايات عديدة تُروَى عن هؤلاء الذين تركوا كل شىء، وجاءوا ليلتحقوا بالعمل فى بناء السد العالى.
من بين الوجوه، يطل الشاعر عبدالرحمن الأبنودى يقرأ أشعاره عن جدابات حراجى القط، الذى ترك بلدته وذهب للالتحاق بالعمل فى بناء السد العالى، وسط تصفيق العاملين فى السد العالى.
• • •
الآن وصل القطار إلى محطة أسيوط، الجماهير محتشدة بشكل كبير، تهتف لعبدالناصر، حالة من الهرج والمرج فى كل مكان، حشود ضخمة، الكل يريد أن يلحق به ويصافحه، عبدالناصر يطل مبتسمًا رافعًا يده للتحية، القطار يهدئ من سرعته، ولا يتوقف، وفجأة تحدث حالة من الارتباك الشديد، لقد ألقى أحد المواطنين بلفة فى منديل محلاوى، اعتقد الحرس الخاص أنها قنبلة، أمسكوا بها سريعًا، فى محاولة منهم لإبطال مفعولها، ابتعدوا بها قليلًا عن كابينة عبدالناصر، الشرطة ألقت القبض على المواطن الذى ألقى باللفة، فوجئ الحرس بأن اللفة ليست سوى «منديل محلاوى» يضم «بتاوة واحدة وبصلة»، أبدى الحرس دهشته، هدأت الأعصاب قليلًا، تم إبلاغ الرئيس بحقيقة الأمر، ضحك عبدالناصر كثيرًا، يبدو أنه فهم الرسالة، طلب من حراسه عدم المساس بالمواطن الفقير، ومعرفة اسمه وعمله وعنوانه فقط.. نظر إليه من شباك القطار الذى بدأ فى التحرك، وقال له: «الرسالة وصلت يا بويا.. الرسالة وصلت يا بويا»!!
• • •
فى مساء ذات اليوم، وقف عبدالناصر يخطب فى جماهير أسوان، وفجأة تحدث موجهًا خطابه إلى المواطن الأسيوطى قائلًا: «يا عم جابر، أحب أقولك إن الرسالة وصلت، وإننا قررنا زيادة أجر عامل التراحيل إلى 25 قرشًا بدلًا من 12 قرشًا، وكمان قررنا تطبيق نظام التأمين الاجتماعى والصحى على عمال التراحيل لأول مرة».
كان عبدالناصر يعرف أن المنديل المحلاوى هو رمز عمال التراحيل الذين يتغربون عن بلادهم بحثًا عن لقمة العيش، فلا يجدون سوى عيش «البتاو» والبصل!!
• • •
اهتزت مشاعر المواطن الأسيوطى عم «جابر»، وهو يسمع كلمات عبدالناصر من مذياع إحدى المقاهى، كم كان سعيدًا فى هذه اللحظة، وراح يهتف وسط المجموعة الحاضرة، يحيا عبدالناصر عاش عبدالناصر، ينصر دينك يا عبدالناصر، ثم انهمر فى البكاء..
• • •
كانت السيدة تحية عبدالناصر تتابع خطاب زوجها وقد التف حولها الأبناء جميعًا، وكانت هدى الابنة الكبرى تسجل بقلمها بعض العبارات التى تضمنها الخطاب، بينما كانت السيدة تحية، غارقة فى تفكير عميق وهى تتابع انفعالات عبدالناصر، وتتمتم ببعض الكلمات: ربنا يحميك يا جمال، هدى أعصابك يا جمال، بلاش تنفعل يا جمال!!
قالت هدى لوالدتها: شفتى يا ماما، بابا فهم رسالة المواطن الغلبان إزاى..
تنهدت السيدة تحية وقالت: هو ده جمال الإنسان..
نظرت إلى أولادها وقالت لهم: أبوكم لا يريد شيئًا من الدنيا، وقالت: فى عام 56 اقترح بعض المسئولين عليه إنشاء قرية نموذجية عند مدخل بنى مر، تضم 108 فيلات وتتوسطها فيلا لجمال بطراز معمارى يستخدمها كاستراحة وباقى الفيلات توزع على العائلة هناك، ساعتها قال لهم جمال: لو لم أكن رئيسًا للجمهورية ما كان ليحدث هذا، أنا لا أقبل بشىء يرتبط بمنصبى، وأنا فخور أننى واحد من بنى مر، وفخور أكثر أننى واحد من عائلة فقيرة من هذه البلدة، وأفخر بأن عائلتى لا تزال فى بنى مر مثلكم، وأعاهدكم بأن جمال عبدالناصر سيعيش ويموت فقيرًا فى هذا الوطن..
- قال خالد: لذلك نحن نفخر بوالدنا..
«صعيدى فى اليونان»
فى عام 1960 كان الرئيس عبدالناصر والسيدة قرينته وأولاده قد تلقوا دعوة من الرئيس اليوغسلافى «تيتو» لقضاء عدة أيام فى جزيرة «بريونى» أثناء إجازة الصيف، وكان الرئيس أيضًا قد تلقى دعوة مماثلة من ملك اليونان للذهاب إلى اليونان وهو فى طريقه إلى بريونى.
لقد سافر كبير الأمناء برئاسة الجمهورية إلى اليونان للإعداد لزيارة عبدالناصر وأسرته، وعندما التقى برئيس البروتوكول اليونانى أبلغه بأن الملك يدعو الرئيس وقرينته للعشاء بملابس السهرة.
عندما أخطر كبير الأمناء الرئيس عبدالناصر، رد عليه بأنه لن يرتدى هو أو قرينته ملابس السهرة، فإما أن يقبل بذلك وإما أن يلغى زيارته لليونان.
وعلى الفور اتصل كبير الأمناء برئيس البروتوكول اليونانى وأبلغه بموقف عبدالناصر، فما كان منه إلا أن عرض الأمر على الملك الذى قال له: إنه يرحب بحضور الرئيس جمال وينتظر زيارته مرتديًا الملابس التى يريدها.
وصل عبدالناصر وأسرته والوفد المرافق له إلى ميناء «برييه» فى اليونان، وكان فى استقبالهم الملك والملكة وأولادهما وكبار رجال القصر.
فى هذا المساء أقام الملك مأدبة عشاء حضرها أعضاء الأسرة المالكة ورجال السلك الدبلوماسى، لقد وقفت الملكة بجوار الرئيس لتتأبط ذراعه وتمشى بجواره كما تقول التقاليد الملكية اليونانية، فقال لها عبدالناصر: سأمشى إلى جوار الملك وأنت تمشين إلى جوار زوجتى، فسألته الملكة: وماذا لو تأبطت ذراعك؟، فقال لها: إننى أخجل من ذلك، فما كان من عبدالناصر إلا أن أخذ بيد الملك ومشى وسط المدعوين، بينما سارت السيدة تحية إلى جوار الملكة حتى مائدة العشاء.
• • •
«أبوكم فقير»
فى أحد الأيام عاد عبدالناصر إلى منزله ووجد ابنتيه هدى ومنى فى انتظاره..
سأل: إيه الحكاية؟!
نظرت هدى فى صمت دون أن تحرك ساكنًا ثم أشاحت بوجهها بعيدًا.
اقتربت منه ابنته منى وقالت: غدًا سنحضر عيد ميلاد إحدى صديقاتنا وليس معقولًا أن نذهب إليها بنفس الملابس التى رأتها علينا قبل ذلك.
نظر إليها عبدالناصر نظرة لا تخلو من معنى، وقال: نحن لسنا أغنياء كى ترتدى أنتِ أو هدى فستانًا جديدًا فى كل حفلة، أبوكم إنسان فقير وسيبقى فقيرًا.
انصرف عبدالناصر إلى حجرته، وقد بدا عليه التأثر الشديد، وفى اليوم التالى، استدعى سكرتيره الخاص محمد أحمد، وطلب منه أن يصطحب أولاده جميعًا معه إلى مكان محدد، وبالفعل طلب محمد أحمد منهم الاستعداد لزيارة أحد الأماكن المهمة بناء على طلب الرئيس..
مضوا جميعًا إلى حارة فقيرة فى منطقة الجمالية بالقاهرة، وبعد أن وصلوا إلى أحد البيوت المتهالكة، ازدادت دهشتهم، وراحوا يسألونه عن سبب مجيئهم إلى هذا المكان، فقال لهم محمد أحمد: هذا هو البيت الذى عاش فيه والدكم وهو صغير..
كانت الرسالة واضحة، قالت منى عبدالناصر: ونحن فخورون بأبى وبوضعه السابق والحالى.
«وظفوه فورًا»
كان سامى شرف يجلس على مكتبه فى مبنى سكرتارية الرئيس، دخل عليه مدير مكتبه محمد سعيد وقال له: هناك شاب موجود عندى ويصر على مقابلة الرئيس.
- قال سامى: وهل عرفت السبب؟
- أجاب محمد سعيد: عاوز يتكلم مع الرئيس شخصيًا.
- قال سامى: أحضره عندى.
وبالفعل تم استدعاء الشاب إلى مكتب السيد سامى شرف، الذى بادره القول: تحت أمرك!!
قال الشاب: أنا والدى بائع بسيط فى ميدان الحسين وأنا معى سبعة إخوة وأخوات، والدى عمل المستحيل لتعليمنا وأنا اتخرجت فى كلية الزراعة بتفوق، ولكن لم يحن دورى فى التعيين من القوى العاملة، وأنا حضرت لطلب المساعدة من الرئيس.
أثناء الحديث رن جرس الهاتف فى مكتب سامى شرف سأله الرئيس: فيه حد عندك يا سامى؟!
حكى سامى حكاية الشاب الموجود أمامه..
فطلب عبدالناصر منه أن يتحدث على الفور مع اللواء جمال هدايت رئيس نادى الشمس ليعينه فى النادى حتى يأتى موعد تعيينه عن طريق القوى العاملة، وبالفعل اتصل سامى شرف باللواء هدايت الذى وافق على الفور..
التفت سامى شرف إلى الشاب )أحمد( وقال له: لقد أصدر الرئيس قرارًا بحل مشكلتك، على أن تتسلم العمل ابتداء من غد، لم يصدق الشاب ما سمعه من السيد سامى شرف، حتى إن الدموع سالت من عينيه، وهو يدعو للرئيس بالصحة والعافية.
«جلابية بارتى»
شاركت «عايدة عبدالناصر»، وهى طالبة فى المرحلة الثانوية فى حفل أقامه نادى السيارات فى منطقة ميامى بالإسكندرية، حمل اسم «جلابية بارتى»، وعندما علم الرئيس جمال عبدالناصر بما حدث داخل النادى طلب سكرتيره محمد أحمد، وأبلغه رسالة إلى والدة عايدة الأخت غير الشقيقة للرئيس.
وبالفعل اتصل محمد أحمد بوالدة عايدة وقال لها: «الريس بيقول: العيال يتلموا وميحضروش أى احتفالات فى نادى السيارات»..
وعندما كانت عايدة عبدالناصر صغيرة فى السن ألحقتها والدتها بمدرسة الفرنسيسكان للراهبات بمنطقة رشدى، وعندما علم عبدالناصر بذلك طلب من سكرتيره الاتصال بالأسرة وإبلاغ عتابه إليهم، لأن أولاده جميعًا التحقوا بالمدارس القومية ورفض إلحاقهم بالمدارس الخاصة، وعندما أبلغ محمد أحمد الرسالة إلى والدة عايدة، قالت له: أرجو أن تبلغ الرئيس أننا لم نلجأ إلى هذه المدرسة إلا لأنها قريبة من المنزل، أما المدرسة القومية فهى بعيدة.
«زواج عايدة»
وفى عام 1968 اتصل عبدالمنعم أبو حسين، وكان من أعيان المنوفية بالحاج عبدالناصر حسين والد الرئيس جمال عبدالناصر وأبلغه أنه يطلب زيارته، رحب الحاج عبدالناصر وقال له بلغة أهل الصعيد: البيت بيتك وتأتى فى أى وقت.
كان الحاج عبدالناصر حسين يقيم فى الإسكندرية، وتحديدًا فى منطقة رشدى، وكانت ابنته عايدة، الأخت غير الشقيقة للرئيس عبدالناصر طالبة فى الفرقة الثانية بالمدرسة الثانوية ولم تبلغ من العمر أكثر من سبعة عشر عامًا..
وفى الوقت المحدد وصل عبدالمنعم أبو حسين إلى منزل الحاج عبدالناصر وبادره بالقول: أنا جاى من عند جيرانكم.
• سأله الحاج عبدالناصر: جيراننا مين؟
- قال عبدالمنعم: الأستاذ محمد شاهين، جيرانكم فى المعمورة.
كان الحاج عبدالناصر حسين وأسرته يسكنون فى منطقة المعمورة، قبيل أن ينتقلوا إلى منطقة رشدى، أدرك الحاج عبدالناصر هدف الزيارة، خاصة بعد أن أفصح عنها عبدالمنعم أبو حسين.
كان محمد شاهين ينتمى إلى أسرة غنية، وكان واحدًا من أهم أصحاب التوكيلات الأجنبية فى مصر، وكان له ابن وحيد هو عبدالحميد، الذى طلب والده من عبدالمنعم أبو حسين جس النبض قبل أن يتقدم طالبًا يد الآنسة عايدة عبدالناصر إلى نجله عبدالحميد.
استمع الوالد إلى الرسالة التى يحملها عبدالمنعم أبو حسين، لقد كان الحاج عبدالناصر يعرف المهندس محمد شاهين جيدًا، ويعرف أخلاقيات الأسرة والابن عبدالحميد بعد أن تجاورا لسنوات فى منطقة المعمورة. طلب الحاج عبدالناصر مهلة من الوقت لإبلاغ أخيها الرئيس جمال عبدالناصر ومعرفة رأيه فى هذا الموضوع.
• • •
فى اليوم التالى توجه الحاج عبدالناصر إلى نجله جمال وأبلغه بالرسالة التى وصلت إليه، ليسأله عن رأيه.
قال جمال: هؤلاء ناس أغنياء، وانت تعرف موقفى، إحنا ناس فقراء، لسنا بمستواهم، ألم يكن من الأجدى أن تتزوج معيد فى الجامعة أو طبيب يكون فى مستوانا؟
قال الحاج عبدالناصر: يا بنى، نحن نعرفهم جيدًا منذ كنا نسكن فى المعمورة، هؤلاء ناس عصاميين وشرفاء وأخلاقهم جيدة، ولا يضيرهم أنهم أغنياء.
أدرك عبدالناصر أن والده لديه رغبة قوية فى اتمام هذا الزواج، فقال له: طيب أعطنى بعض الوقت حتى اتحرى عنهم وعن أخلاقهم.
وبالفعل بعد إجراء التحريات اللازمة، تأكد عبدالناصر من صحة كل كلمة قالها والده، فوافق على الفور، وتحدد موعد كتب الكتاب فاعتذر عبدالناصر عن عدم الحضور للمشاركة، وأرسل زوجته السيدة تحية ونجلتيه هدى ومنى وبعض الأبناء الآخرين عندما جرى تحديد موعد الزفاف، ذهب إليه والده مرة أخرى وطلب منه ضرورة الحضور ولو لدقائق، هنا بادره جمال: كيف تريد أن أحضر الفرح يا والدى ودماء الشهداء فى 67 لم تجف بعد؟ هؤلاء أولادى أيضًا، ولا أظن أنك تقبل لى أن أحضر زفاف أختى، بينما بيوت المصريين حزينة، وأنا حزين.
أدرك الحاج عبدالناصر معاناة نجله، وصحة حديثه فقال له: أعذرك يا بنى، كلنا فى حالة حزن.
قال جمال: كل رجائى يا أبى، ألا نستفز الناس، بلاش تعملوا الفرح فى أى فندق، ممكن تعملوه فى مكان ريفى بعيد احترامًا لمشاعر المصريين.
قال الحاج عبدالناصر: عبدالحميد هو الابن الوحيد للمهندس محمد شاهين، وهو يريد أن يفرح به.
قال عبدالناصر: حاول تقنعه.
وبالفعل مضى الحاج عبدالناصر إلى الإسكندرية، والتقى المهندس محمد شاهين، وأبلغه برسالة نجله جمال، وبالفعل تم الاتفاق على إقامة حفل الزفاف فى فيلا محمد شاهين بالقناطر الخيرية..
كان طارق عبدالناصر شقيق عايدة، والذى تخرج لتوه فى الكلية الحربية، ضمن الكتيبة العسكرية المتواجدة بالكلية، طلب الإذن من مدير الكلية لمدة ساعة لحضور حفل زفاف شقيقته والعودة سريعًا، اتصل مدير الكلية بالقائد العام الفريق أول محمد فوزى الذى أبلغ الطلب بدوره إلى الرئيس جمال عبدالناصر.
سأل عبدالناصر الفريق أول محمد فوزى: هل يمكن لأى شخص أن يحصل على إجازة فى غير موعدها؟
رد الفريق فوزى: لأ طبعًا، ولكن أخيك طارق يريد فقط أن يذهب ليهنئ شقيقته ويعود سريعًا للكلية.
قال عبدالناصر: المساواة تسرى على الجميع، وليس معنى كون طارق أخويا، أن أخرق القواعد، وأسمح له بالإذن وترك كتيبته لحضور فرح شقيقته..
يا سيادة الفريق ما يسرى على الآخرين يسرى على أخى طارق، والإذن مرفوض، وعندما يأتى موعد إجازته الطبيعى، يذهب ويهنئ شقيقته.
وعلى الفور أبلغ الفريق فوزى مدير الكلية الحربية برفض الطلب، وحزن طارق حزنًا شديدًا أنه لم يستطع الحصول على إذن ولو لساعة واحدة لحضور زفاف شقيقته الوحيدة.
كان عبدالناصر قاسيًا على عائلته وإخوته وأسرته، وكان يطلب منهم دومًا عدم استخدام اسمه فى أى شىء، والالتزام فى كل شىء، عندما التحقت عايدة وهى طفلة بمدرسة الفرنسيكان للراهبات فى رشدى، فوجئت والدتها باتصال من محمد أحمد سكرتير الرئيس جمال عبدالناصر يقول لها: الرئيس بيسأل لماذا دخلت عايدة مدرسة خاصة، بينما إخواتها جميعًا فى المدارس الحكومية.
لم تجد والدة عايدة من إجابة سوى القول: إن المدرسة تقع إلى جوار المنزل، أما المدرسة الحكومية فهى بعيدة، فرأينا توصيلها يوميًا بأنفسنا بدلًا من البحث عن وسيلة مواصلات للذهاب بعيدًا إلى المدرسة الحكومية.
وعندما علم الرئيس أن أخته عايدة، وكان عمرها فى هذا الوقت 13 عامًا، قد شاركت فى الحفل الذى أقامه «نادى السيارات» بميامى بعنوان: «البيجاما بارتى» فوجئت بمحمد أحمد سكرتير الرئيس يتصل بها ويقول لها: الريس بيقول لك الأولاد يتلموا، وعايدة لا يجب أن تذهب لمثل هذه الحفلات.
وكان يطلب من إخوته وأبنائه عندما يدخلون الأماكن العامة والنوادى ألا يقولوا إنهم أشقاء أو أبناء جمال عبدالناصر، وكان يتابعهم ويراقبهم، ويقول لهم: لا تستفزوا الناس، أنا لن أدوم لكم.
كان عبدالناصر يرفض الوساطة، حدث ذلك مع أبنائه، بل أرسل خطابًا لمدير الكلية الحربية يطلب فيه معاملة أخيه «طارق» مثله مثل أى طالب آخر، ويحذره من تمييزه عن الآخرين..
كان عبدالناصر يفتح أبواب منزله كل جمعة لإخوته وأبنائهم لتناول الغداء معه، ومع أسرته، وكان دومًا يحدثهم عن معنى الولاء والانتماء للوطن والحرص على عدم التمييز، وتحقيق مبدأ المساواة على الأسرة والعائلة قبل الآخرين.
وكانت علاقة عبدالناصر بوالده علاقة متميزة جدًا، فقد خصص له غرفة فى منزله ينزل فيها، كلما جاء إلى القاهرة وكان يقبله على رأسه كلما رآه، وكان يوصى إخوته به خيرًا، وعندما توفى والده فى نهاية عام 1968، ذهب ليتلقى العزاء فى الإسكندرية شأنه شأن أى مواطن مصرى.
«مشكلة خالد»
فى عام 1970، اتصل الرئيس عبدالناصر بالسيد سامى شرف الوزير بشئون رئاسة الجمهورية، وقال له: حصَّلنى على الجنينة.
دخل سامى شرف، وعندما رأه عبدالناصر قال له: صباح الخير يا أستاذ.
- سأله: مبتتكلمش ليه؟.
- قال سامى: موش عاوز أقطع حبل تفكيرك.. انتظارًا لما ستأمر به.
- فبادره بالقول: إيه رأيك فى خالد ابنى.. حنعمل معاه إيه فى التجنيد؟
- قال سامى: طبعًا سيتجند يا أفندم.
- قال عبدالناصر: ما أنا عارف إنه حيتجند، إنما سؤالى: حيجند فين؟
ثم أكمل القول: انت عارف طبعًا لما يتجند ويروح أى وحدة عسكرية، حيجاملوه علشانى، وده شىء أنا موش عاوزه لسببين:
- الأول: يخص خالد علشان يعرف ويعتاد على الحياة الخشنة اللى تؤهله لمدخل حياته بالشكل الصحيح.
والثانى: لازم الكل يعرف أن خالد زيه زى الآخرين.
وبعد أن استمع سامى شرف إلى كلام الرئيس، قال: أنا فكرت فى هذا الموضوع منذ أن انهى خالد الامتحانات ورأيى أن يجند فى سلاح الحرس الجمهورى فنحقق بذلك هدفين:
- الأول: خالد زيه زى أى واحد.
- والثانى نتفادى المجاملات، لأنه سيكون تحت قيادة الليثى ناصف وننبه الليثى بأن المعاملة لازم تكون عادية وطبيعية زيه زى غيره.
وهنا قال عبدالناصر: إذن نسق مع الفريق فوزى والليثى ناصف.
«مات فقيرًا»
عندما رحل عبدالناصر كان كل ما تركه من الدنيا قرابة أربعة آلاف جنيه، منها بوليصة تأمين على حياته عقدها قبل ذهابه إلى حرب فلسطين فى عام 1948 بقيمة ألف وخمسمائة جنيه، ورصيد فى البنك لا يتعدى حوالى ألفين وأربعمائة جنيه.
وكان مدينًا لبنك مصر بحوالى ستة وعشرين ألف جنيه بقيت عليه دينًا من تكاليف بناء بيت كريمته هدى والآخر لكريمته منى، وعندما قرر بناء البيتين جاء بمقاول من القطاع الخاص ورفض أن يستعين بالقطاع العام حتى لا تكون هناك شبهة مجاملة.
• • •
هكذا كان عبدالناصر، ولذلك لم يكن غريبًا أن يخرج الملايين من المصريين لوداعه عندما رحل فى 28 سبتمبر 1970.
ورغم مرور السنين لايزال عبدالناصر حتى الآن يعيش فى ذاكرة الناس، يستدعونه وقت الأزمات ويرفعون صوره ويرددون: «وفى الليلة الظلماء.. يفتقد البدر».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.