عندما وقف التتار علي أبواب مصر يريدون احتلالها.. أرسلوا مندوبهم إلي المصريين برسالة تهديد - فإما الإستسلام أو الاجتياح كما حدث في بغداد. وتصادف في ذلك الوقت أن مصر كانت في حالة يرثي لها بعد انهيار الدولة الأيوبية.. والبداية المرتبكة لدولة المماليك من خلال الصراع ما بين أيبك وأقطاي ذلك الصراع الذي أدي إلي قتلهما لتصبح مصر بلا حاكم.. وأمام حشد من كبراء الدولة صرخ مندوب التتار بسؤال صادم (إذا أردت التحدث مع مصر.. فمع من أتكلم؟).. وساد الصمت الرهيب للحظات ثم نطق شيخ مصر وإمامها الفقيه العز بن عبدالسلام قائلاً تحدث مع الأمير سيف الدين قطز.. وعلي الفور أيد الظاهر بيبرس القائد العسكري الكبير هذا الاقتراح ليصبح قطز حاكما لمصر ومتحدثا باسمها.. ويؤكد هذا المشهد علي ضرورة توافق المؤسسة العسكرية مع المؤسسة الدينية علي اختيار الحاكم.. وذلك لأن المؤسستين عادة ما تعبران عن جموع الشعب. وإذا ما نظرنا الي مصر الآن ومنذ نجاح ثورة 52 يناير.. نجد أنها تعيش حالة اقرب ما تكون للحالة التي عاشتها عند مواجهة التيار.. فالمخاطر الخارجية تحيط بنا من كل جانب.. بينما كل المؤسسات والقوي في الداخل لم تستطع حتي الآن أن تحسم أمرها حول من سيحكم مصر.. وإذا ما استعرضنا هذه القوي والمؤسسات لوجدنا ما يلي. أولاً: شباب الثورة الذين أبهروا العالم حتي تنحي الرئيس السابق.. انقسموا علي أنفسهم إلي أكثر من مائتي ائتلاف.. وثانيا: أغلب الأحزاب القديمة كانت ومازالت ورقية.. والأحزاب الكبيرة منها تعاني من الانقسام والمشاكل الداخلية.. وثالثا: الاحزاب والقوي الجديدة لم تستطع حتي الآن أن تضع بوصلتها في الاتجاه الصحيح.. وبعضها يستعرض قوته.. وبعضها يحاول إثبات الوجود..و رابعاً: المؤسسة الدينية سواء الازهر أو الكنيسة تعيش في مرحلة (التعافي) بعد علاقاتها الملتبسة مع النظام القديم. خامساً: المؤسسة العسكرية تبذل جهداً كبيراً.. وتشبه كثيراً السائر علي حبل مشدود بين جبلين.. ورغم ذلك فإن إيمان هذه المؤسسة بالثوابت الوطنية.. وزهدها في السطو علي الحكم. يجعلنا نثق في حياديتها .. وقدرتها علي تسليم المسئولية لحكومة مدنية منتخبة من الشعب. وإنطلاقا من كل هذا فإننا لن نجد (قطز 1102) الا إذا تسامينا جميعاً فوق مصالحنا ومطامعنا - وإلا إذا تكاتفنا من اجل مصر..وشاركنا في انتخابات حرة ونزيهة لاختيار الاصلح لتحمل المسئولية وعلي أي حاكم قادم أن يعلم ان سيف الدين قطز لم يحكم مصر الا سبعين يوماً فقط.. ومع ذلك فمازال اسمه ساطعاً في سجل الخلود لأنه قهر التتار في معركة عين جالوت.