تاريخ جديد للحكم في مصر، وتاريخ جديد للعدالة. هكذا كانت محاكمة الأمس التي مثل فيها الرئيس السابق مبارك ونجلاه ووزير داخليته ومساعدوه أمام قضاء مصر. إنها لحظة النهاية لفرعونية الحاكم في مصر. فبعد اليوم لن يتصرف رئيس قادم علي أن الدولة هي عزبة خاصة يفعل فيها ما يشاء ويوزع خيراتها علي من يشاء، ويورث حكمها لمن يشاء، ويعيش حتي النهاية وكلمته هي القانون، وقراره هو الدستور، والحق هو ما يقول وما يفعل!! انتهي زمن الحاكم الإله الي الابد: وبعيدا عن التفاصيل فإن المشهد الذي شاهدناه وشاهده العالم معنا أمس لن يغيب عن الذاكرة الوطنية ابدا. والدرس الذي ما كان من الممكن أن نراه لولا الثورة ودماء الشهداء سيظل هو الحاكم لحياتنا السياسية الي الأبد.. لا أحد سيكون بعد الآن فوق القانون. ولا جريمة ستمضي بلا حساب، ولا حاكم يستبد بالقرار، ولا سيادة الا للشعب.. هو الذي يختار المسئولين وهو الذي يعزلهم، وهو الذي يراقب ويحاسب، وهو الذي يملك من مخزون الحضارة ما يجعله في مقدمة شعوب العالم استحقاقا للديموقراطية وترسيخا لكل القيم الانسانية.. هذا الشعب العظيم بثورته التي أذهلت العالمم، يقول الآن ان ثورته لم تكن مصادفة، بل كانت حكم التاريخ، ويقول ان جنوحه للسلم حتي وهو يثور لم يكن ضعفا بل كان التحضر في أعظم صوره، ويقول إنه اختار العدل وليس الانتقام وأنه لن ينسي دماء الشهداء، ولن يغفر ما تم ارتكابه من جرائم في حق الوطن، ولكنه يترك ذلك لحكم القضاء وللعدالة في أعظم صورها.. نحاسب علي ما جري، ونأخذ القصاص للشهداء وللوطن الجريح ممن نهبوا وقتلوا وأفسدوا، بعدها.. نقلب الصفحة ونتفرغ لصنع المستقبل ولبناء مصر التي نحلم بها.. نحن لا نحاسب الماضي لكي نبقي سجناء فيه، ولا نحاكم مبارك ونظامه لكي ننتقم، بل لنقيم العدل، ولكي نؤكد أننا بعد ثلاثين عاما من الفساد والاستبداد مازلنا قادرين علي الاحتفاظ بروح مصر الحقيقية، ومازلنا ندرك ان اعظم الثورات هي أكثر انسانية واشدها انحيازا للعدل وللحرية. كانت محاكمة الامس انتصارا للعدل والحرية، رغم ما فعله بنا وبالثورة وضحاياها فلول المحامين التي جاءت للتصوير أمام الكاميرات باسم الشهداء، بينما كبار المحامين الوطنيين في حالة غياب غير مبررة!!