أجمل ما في ثورة يوليو 1952 انها تركت تراثا جميلا من الابداع نهرب اليه كلما حدثت هجمة من هنا أو هناك علي تلك الثورة المجيدة التي غيرت وجه الحياة في مصر والعالم العربي ولم تكتف بذلك فقد وصل صداها ومدها الثوري الي افريقيا وآسيا .. هكذا كانت ثورة يوليو التي رفعت الظلم عن الاغلبية واعادت للمصري كرامته وأشياء أخري كثيرة لولاها لما تبوأت مصر مكانتها بين الامم .. أقول تركت الثورة آثارها علي الحياة الثقافية والابداعية وحررت الانسان العربي من الجهل والظلم والاستبداد .. وانشغل المثقفون والكتاب الذين آمنوا بها وخرجت من بنات أفكارهم روائع أدبية عظيمة .. وحتي لا يخرج علينا من يقول هل كانت مصر بدون أدباء ومبدعين قبل الثورة أقول لهم: لم تكن مصر كذلك لكن الثورة أيقظت الوعي عند الناس وأخرجت من الأدباء والمفكرين الكثير من روائعهم سواء في أعمال مسرحية أو روائية أو شعرية.. هكذا كانت تلك الاعمال العظيمة ليوسف السباعي ونجيب محفوظ وأمين يوسف غراب ومحمد عبدالحليم عبدالله ومحمد فريد أبو حديد ثم جيل سعد الدين وهبة وميخائيل رومان ونعمان عاشور ومحمود دياب وأمل دنقل وأحمد عبدالمعطي حجازي وصلاح چاهين وعبدالرحمن الابنودي وأمتد هذا الابداع الي جيل ثان وثالث لا تزال الثورة تضخ فيه دماءها. وما أشبه الليلة بالبارحة فبعد 59 عاما قامت الثورة الثانية .. ثورة يناير.. انها تصحيح لمبادئ ثورة يوليو .. قامت للقضاء علي الظلم والفساد الذي تفشي وانتشر ولكنها الان في مأزق نتمني ان تعبره بسلام لتحقق لنا ما نأمله .. لقد حاربت الاحزاب القديمة وفلول نظام ما قبل ثورة 2591 والدول الاستعمارية تلك الثورة الوليدة والان تواجه ثورة يناير 1102 نفس الأمر فهؤلاء يصعب عليهم ان تتحرر مصر ويكون قرارها بيدها .. هناك مسرحية هزلية تجري احداثها في الشارع المصري .. الصراع الدرامي فيها علي إسقاط وإجهاض الثورة الوليدة توا وكل المشاركين فيها لا يدركون خطورة ما يحدث لمصر .. البطل التراجيدي يئن ويتألم .. انه لا يريد ان يحارب طواحين الهواء مثل دون كيشوت أو يحارب الغولة مثل أوديب .. انه يريد ان يحارب معركته ضد غول حقيقي يسعي للانقضاض علي مكاسبه .. ما يحدث في الشارع المصري الان يشبه ما يحدث في الاساطير الإغريقية القديمة عندما ينتحر ابطالها بأيديهم لأن الآلهة غضبي عليهم ومقدراتهم ليست في أيديهم وحدهم ! نريد ان تترك ثورة يناير تراثا من الابداع .. نريد ان تتحدث عنا الاجيال القادمة بشيء من الفخر والعزة فنفس الأسباب التي قامت من اجلها ثورة يوليو هي التي قامت من اجلها ثورة يناير .. رفعنا الظلم عن أنفسنا فمتي نرفع عن الشعب صاحب الثورة غطاء الوصاية وندرك اننا أصبحنا أحرارا نخاف علي مصر من كل سوء؟!