تاريخه المهني الطويل في وزارة الخارجية أبعده عن مصر وإن ظلت دائما في قلبه وعقله، وكان يحرص علي زيارتها بين الحين والحين. ثم تُوج الدكتور محمد البرادعي هذا التاريخ الحافل بتوليه رئاسة هيئة الطاقة الذرية الدولية أحد أكبر وأخطر الوظائف العالمية وفاز قبيل تقاعده الوظيفي بجائزة نوبل للسلام. ولأن النشاط والعطاء يتجددان كما يقال بعد التقاعد، فقد سارع البرادعي بالعودة إلي وطنه وناسه يستمع إليهم أكثر مما يقول لهم، ثم فاجأنا بتصريحاته وأحاديثه ومواقفه السياسية والاصلاحية والمجتمعية، أثارت معظمها جدلا واسعا بين المعجبين والمؤيدين من جهة، وبين المتحفظين والمعارضين الذين هاجموا السيرة الذاتية للرجل أكثر من هجومهم علي أفكاره وآرائه الاصلاحية. ولأن هذه هي المرة الأولي التي ينزل فيها الدكتور محمد البرادعي معترك السياسة، ناقدا ما يرفضه، وداعيا إلي عكس ما يحرص آخرون عليه، فقد فوجئ برد فعل عنيف سرعان ما تحول إلي ضربات موجعة تحت الحزام! في حديثه مع زميلتنا »أماني ضرغام« الذي نشرته »الأخبار« يوم 12 يونيو الحالي قال د.البرادعي أنه »تعرض لمضايقات كثيرة تكفي لكتابة جرايد«. وعن المضايقات التي تعرض لها أشار إلي بعضها الأول: »بعض الشباب كانوا في زيارتي، وتم القبض عليهم عند خروجهم من منزلي واحتبسوا 42 ساعة معصوبي العينين، عقابا لهم علي لقاء شخص مصدر قلق وتتعقبه أجهزة الأمن.. آنذاك«! والمثال الثاني: »أحد أصدقائي هدده جهاز أمن الدولة بقتل أولاده إذا استمر يعمل معي«. والثالث: »صديق كان يعمل مستشارا لإحدي الوزارات تم فصله عقابا علي صداقته لي«. وانتقل د. البرادعي ليتحدث عن الحاضر وصولا إلي المستقبل فقال: (إن المشروع القومي الذي نريده هو بناء الإنسان المصري من أول وجديد، وربطه بالقرن الحادي والعشرين. لابد أن نبني مصر علي نظام مؤسسي. حقيقة أنا متفائل لكنني قلق علي الفترة الانتقالية، وعندما أشعر بحالة احباط أنظر إلي مصر قبل 52 يناير، وهذا ما أقوله للمستثمرين أن مصر لا يمكن أن تتراجع إلي الوراء. إن لكل ثورة أخطاء وما حدث في الاستفتاء كان أحد تلك الأخطاء. كما أن الديمقراطية ليس معناها فوضي). واختتم البرادعي حديثه مع الزميلة أماني ضرغام مؤكدا أنه مع اقتراح »الدستور أولا ثم الانتخابات«، وأنه مع أيضا »استمرار الفترة الانتقالية إلي أطول فترة ممكنة«. حديث البرادعي مع »الأخبار« لقي كما قلت أمس حفاوة من وكالات أنباء وصحف مصرية وعربية أعادت نشر فقرات طويلة من الحديث، كما نشرت عشرات التعليقات عليها من القراء. وكالعادة اختلفت التعليقات من النقيض إلي عكسه. علي الموقع الإلكتروني المتميز لصحيفة »البديل« توقفت أمام تعليقات طريفة.. منها علي سبيل المثال تعليق قارئة بتوقيع »مصرية« يقول: (نعم للعوا رئيسا). وبتوقيع »سالم زهران« قال: (رجل مواقف ومحترم. مصر ستكون محظوظة إن تم اختيار البرادعي). وثالث »د. وليد الشبراوي« يقترح: (حتي لا تضيع الفرصة اقترح البرادعي رئيسا لمصر، والعوا رئيسا لمجلس الشعب، والبسطاويسي رئيسا للحكومة، وأبوالفتوح نائب رئيس الجمهورية). وتعليق رابع يقول: (عمرو موسي رئيسا والبرادعي نائب رئيس). وأخيرا التعليق الصادم الذي قاله »مصطفي يوسف«: (المارينز الجدد، والمحافظون الجدد، وعملاء أمريكا، والمنقلبون علي رأي الأغلبية، ونخبة مبارك، والعلمانيون، وأنصار ركن الدين علي الرف.. كل هؤلاء يؤيدون البرادعي).