أخذتني الدهشة الي آخر مدي من تلك الحالة من التشكيك في جدية الاتهامات التي تم توجيهها الي ضابط الموساد الاسرائيلي ايلان تشايم جرابيل الذي أعلنت نيابة أمن الدولة العليا في مصر بدء التحقيقات معه بتهمة التجسس لصالح اسرائيل بعد القاء القبض عليه مساء الأحد الماضي في أحد فنادق وسط البلد. لا أريد الخوض في اي تفاصيل حول هذا المتهم بالتجسس لصالح اسرائيل والذي نشرت له الصحف المصرية العديد من الصور في أكثر من مكان في مصر بينها مشاركته في بعض المظاهرات في ميدان التحرير وصور أخري له في الأزهر الشريف. لكن ما أريد التركيز عليه والسؤال بإلحاح عنه هو: ما هي مبررات هؤلاء الذين تصدوا للتشكيك في جدية الاتهامات المصرية التي لابد وردت عن طريق المخابرات العامة المصرية التي نجحت في الكشف عن أكثر من قضية تجسس في الشهور الأربعة الأخيرة . وهل يعقل توجيه الاتهام لمثل هذا الجهاز الذي يقدره ويحترمه المصريون بالتهويل أو تلفيق الاتهام لمثل هذا الضابط الاسرائيلي الذي دخل الي مصور بجواز سفر أوروبي علي رغم امتلاكه الجنسيتين الاسرائيلية والأمريكية؟ . وماذا تفعل السلطات المصرية لو أنها أرادت الرد علي تصريحات لمسئول اسرائيلي مثل بنيامين اليعازر الذي اعتبر توجيه الاتهامات للجاسوس جرابيل بأنه"شغل هواة " اذا ما قدم اليعازر قصاصات صحف ومقاطع فيديو لتعليقات كثيرة صدرت علي لسان وبقلم أكثر من اعلامي مصري - من هؤلاء الذين يتعاملون معنا علي أنهم أصحاب التوكيل الحصري للحقيقة - يتهمون فيها السلطات المصرية التي قبضت والتي تحقق مع الجاسوس بأنهم ينسجون هذه القصة من خيالهم؟ . ولا أدري كيف يمكن الربط بين القبض علي مثل هذا الجاسوس وتوجيه اي اتهامات للشباب الذي صنع الثورة المصرية علي رغم التأكيدات بأن دخول جرابيل جري بعد وقت طويل من سقوط نظام الرئيس المتنحي حسني مبارك . كما لا أفهم لماذا كانت السرعة - الي حد التسرع - التي شكك بها أصحاب التوكيل الحصري "المزعوم " للحقيقة في هذه القضية في مساء نفس ليلة بدء التحقيق معه وما هي أغراض هذا التشكيك الأقرب الي التخوين؟ . قد تكون هذه هي احدي المرات النادرة التي يشكك فيها اعلام مصري - أيا ما كانت هويته - في قضية تجسس اسرائيلية علي مصر لكن يبدو أن حال الفلتان الاعلامي التي نعيشها هذه الأيام ربما ستجعل مثل هذه التصرفات الاعلامية الشاذة أمرا عاديا !. لا يعجبني : أسلوب أخذ العاطل في الباطل دونما اي قدر من الهدوء والحكمة والروية . فمنذ أيام عرفت من الدكتور مصطفي الفقي في حوار له مع برنامج " القاهرة اليوم " ان الدكتور عمرو حمزاوي أحد الرموز الفاضلة لثورة 25 يناير كان عضوا فاعلا في الحزب الوطني الديمقراطي "المنحل " وأن الحمزاوي كان يعمل مع الفقي في اطار لجنة مصر والعالم التابعة للحزب "المنحل " قبل أن يستبعد الفقي من رئاستها . وقال الفقي ان عمرو حمزاوي كان من اختيار الدكتور حسن نافعة رئيس قسم السياسة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأنه رشح حمزاوي بطلب من الحزب الوطني . وأن حمزاوي كان غاضبا من التقدم الصاروخي الذي حققه الدكتور محمد كمال أمين الاعلام في الحزب "المنحل " فيما ظل هو مجرد عضو عادي . في الوقت ذاته قرأت في أكثر من موقع اعلامي أن الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس ادارة الأهرام السابق الذي انضم لعضوية لجنة السياسات في الحزب الوطني "المنحل " - في نفس التوقيت الذي انضم فيه تقريبا الدكتور أسامة الغزالي حرب- تعرض للكثير من الضربات العنيفة من داخل الحزب الوطني المنحل وأنه كان أقرب الأعضاء للاستبعاد من لجنة السياسات بسبب مواقفه المعارضة العنيفة لأسلوب ادارة الحزب واللجنة . وربطت بين كل ذلك وبين حوار " علي غير موعد " علي مدي ساعتين جري بيني وبين الدكتور حسام بدراوي الذي تعرفت عليه حينها في الطائرة التي أقلتنا معا الي دمشق قبل شهرين علي الأكثر من ثورة 25 يناير وتناول الحوار بيننا مواقف معارضة متطرفة من جانب بدراوي للحزب المنحل وحكومة نظيف الي درجة أنني اضطررت الي أن أساله :كيف يتحمله زعماء الحزب بينهم في ظل هذه الآراء الثورية المعارضة . فقال لي إن الجميع يتحملونه علي مضض بل ويخفون عنه كل ما يخص برامج العمل المستقبلية في الحزب . وقد وضح ذلك عندما استقبل الناس بكثير من الترحاب تعيين بدراوي أمينا عاما للحزب الوطني بعد الثورة قبل ان يضطر هو الي اعلان استقالته من الحزب عندما وجد أن هناك من يهمش دوره ويتعامل معه بغير اهتمام بعدما نصح للرئيس المتنحي حسني مبارك بالتنحي . أقول ذلك لأننا في اطار حالة الفوضي التي نعيشها أصبحنا نخلط كثيرا بين البشر والمواقف ونصدر آراء وأحكاما علي الناس دون معرفة بالأصول. لم يعجبني : قرار مجلس الشوري العام للإخوان المسلمين فصل الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح من عضوية الجماعة بعد قراره بالترشح لرئاسة الجمهورية خروجا علي نُظُم وقواعد الجماعة. صحيح أن قرار الاخوان جاء بمثابة تأكيد لرفض الخروج علي رأي الجماعة والاضرار بصورتها بعدما أعلنت وأكدت أكثر من مرة أنها لن ترشح أحدا من أعضائها علي منصب الرئيس لكن التحفظ علي قرار الاقصاء لشخصية في حجم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي طالما ناضل تحت لواء الاخوان وباسمهم ومن أجلهم وبالتالي يصبح استبعاده بهذا الأسلوب نوعا من الجحود وعدم اعتبار لتاريخ رجل بهذه القيمة وهذا التاريخ . كذلك فان مثل هذا القرار - الذي اتسم بالقسوة - قد يؤدي الي الاضرار بصورة الاخوان في الشارع المصري لا تعاطفا مع أبو الفتوح ولكن في اطار أن الشارع المصري كان متعاطفا طيلة السنوات الستين الماضية مع الأخوان بسبب ما عانوه من عنت وقهر علي يد الأنظمة المتتالية التي اعقبت يوليو 1952 وأن ذلك كان مبنيا علي فرضية أن الشعب المصري يتعاطف دوما مع البطل المقهور فانني أخشي علي الجماعة أن تفتقد التعاطف الذي كان مضمونا الي ما قبل ثورة 25 يناير ليس هذا فحسب بل قد يصل الأمر الي ما هو أكثر من ذلك بكثير . اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان . [email protected]