أستاذ الموارد البشرية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة لاشك أن تقدم المجتمعات والتنمية الاقتصادية مرهون دائما بتنافسية مواردهم البشرية، فالشعوب التي ركزت إهتماما خاصا لعملية الإستثمار في المورد البشري تعليميا، وصحيا، وثقافيا ومعيشيا ونجحت في تنمية قدرات ومهارات الأفراد لديها ورفع تنافسيتهم هم أيضا نفس الشعوب التي نجحت في إيجاد حلول لمشكلة البطالة لديهم من خلال قدرة هؤلاء الكوادر المدربة لديهم لدفع عجلة الإنتاج بالمؤسسات المختلفة وجذب فرص الإستثمار عندهم مما فتح أفاقا لفرص عمل جديدة بتلك الدول. فلقد أشار التقريرالسابع للتنافسية في مصر لعام 2010 عن تحسن ترتيب مصر لمؤشر التنافسية العالمية تحسنا كبيرا من المركز 81 في عام 2009 إلي المركز 70 في عام 2010 علي مستوي 133 دولة، ولقد فسر أساتذة الاقتصاد هذا الأمر إلي تدهور الظروف في الدول الأخري نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية وليس بسبب تحسن حقيقي لتنافسية مصر، وأشار التقرير أيضا إلي إنخفاض المؤشرات المرتبطة بالتنمية البشرية وسوق العمل حيث تحتل مصر المرتبة 126 من بين 133 دولة. وفي واقع الأمر، يرجع ضعف تنافسية مواردنا البشرية إلي: أولا- عدم قدرة المؤسسات التعليمية لدينا علي تخريج كوادر فنية مدربة لدفع عجلة الإنتاج بسبب إفتقاد هذه المؤسسات التعليمية للتمويل اللازم له ولضعف منظومة الإدارة لديهم، ثانيا- ضعف قدرة المؤسسات المختلفة بالدولة لتقدير إحتياجات الافراد العاملة للتدريب والتطويراللازم له لإفتقاد هذه المؤسسات إلي إدارات محترفة للموارد البشرية تستطيع أن تحدد بأسلوب دقيق وعلمي عناصر التنافسية المطلوبة للأفراد طبقا لكل مستوي وظيفي حتي يتسني لها أن تحدد نقاط الضعف لدي هؤلاء الأفراد لتقويمها من خلال عمل التدريب اللازم لهم والقياسات المختلفة قبل وبعد التدريب لمعرفة تأثير هذا التدريب علي إنتاجية ومهارات الأفراد، ثالثا- ضعف المنصرف علي تدريب أو تطوير أداء ومهارات الأفراد بصفة عامة في مصر، حيث تقدر مثلا ميزانية الموظف العام المخصصة للتدريب حوالي 14 جم مصريا سنويا مقارنة بدولة مثل الكويت حيث تقدر ب 000و200 ألف جم سنويا. والأهم من هذا كله، هو ضعف منظومة قيم العمل لدي الأفراد في مصر من إنضباط الوقت، إتقان العمل وتجويده،الرغبة في تطوير الجوانب المهنية للوظيفة أو الحرفة، وهو الأمر الخطير الذي أصاب فئة عريضة من كوادرنا البشرية نتيجة تدهور التعليم والقيم المجتمعية وبالذات في فئة الحرفيين والفنيين مما نتج عنه تسريح اعداد كبيرة من العمالة المصرية بالدول العربية وإستعاضتها بالهندي والسيرلانكي أو البنجلادشي. الأمر الذي يتطلب منا جميعا إعادة بناء منظومة القيم المجتمعية والقضاء علي الفساد وإصلاحا شاملا بجميع مؤسساتنا من خلال: 1 - رفع تنافسية الأفراد من خلال إنشاء مجلس أو هيئة قومية للموارد البشرية من الخبراء والمتخصصين لنشر المفهوم الحديث لإدارة الموادر البشرية في كل مؤسسات الدولة من أول التعيين والتدريب والتقييم وتطوير أداء الأفراد لترقيتهم وقياس تنافسيتهم . 2 - تعظيم قيم العمل في جميع مؤسساتنا بداية بالمؤسسات التعليمية،(ولقد ظهر ذلك واضحا في السياسات التعليمية لحزب المحافظين وهو الحزب الحاكم في بريطانيا الآن مايو 2010 حيث ركز في سياسته الحالية علي رجوع الإنضباط والقيم للمؤسسات التعليمية عندما سادت الفوضي والإنفلات بين الطلاب في المدارس طول فترة رئاسة حزب العمال من (1997-2009) ويمكن أن ننشط من دور الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في توعية وتوفير التدريب اللازم لشبابنا للتحلي بالمهارات واللازمة للعمل ورفع تنافسيتهم فيما تعرف " بمهارات " السوفت سكيلز الحديثة " مثل مهارات إدارة الوقت، مهارات العرض والتواصل، قياسات الجودة والإنتاجية. 3- زيادة المنصرف علي مخصصات التعليم الأساسي والتعليم الفني والتدريب والتطوير، أي الزيادة الفعلية التي تساهم مساهمة حقيقية في رفع تنافسية الأفراد. 4- ربط حوافز الأفراد والمؤسسات بإنتاجيتهم ورضاء متلقي الخدمة أي المواطن عن الخدمة المقدمة له من حيث التوقيت وجودة الخدمة المقدمة وغيرها. 5- شراكة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في المسئولية المجتمعية من خلال فتح أبوابه لتدريب الطلاب بالمدارس والجامعات لتطوير مهاراته ورفع تنافسيته. وخلاصة الكلام، فتنافسية مواردنا البشرية ليست مرهونة بالإستثمار فيه فقط ولكن في تحسين البيئة الداخلية والخارجية المؤثرة فيه، الأمر الذي يتطلب إصلاح المنظومة كلها بالكامل من إصلاح سياسي وإقتصادي وإداري، والأهم من ذلك كله الإصرار والتصميم علي ذلك مهما قابلنا من تحديات وصعاب.