قطاع الزراعة تعرض للإهمال والإهدار في ظل النظام السابق.. تم تهميشه و»تعطيشه« من الاستثمارات لدرجة ادت الي »تطفيش« المزارعين وهجرتهم الي أنشطة اخري.. وتناسي المسئولون ان 04٪ من السكان مرتبطون بالزراعة.. وأن القطاع يساهم ب41٪ من قيمة الناتج المحلي.. تناسوا ايضا المعني والمغزي من انتاجنا لاحتياجاتنا الغذائية من اراضينا.. بل دفعتهم مصالحهم الشخصية الي إغفال الداخل والاهتمام بالخارج.. فرفعوا الدعم عن المزارعين كأنهم كانوا يدفعونه من جيوبهم.. وفتحوا أبواب الاستيراد علي مصراعيها لدعم المزارعين الاجانب.. فكان من الطبيعي ان ينخفض الانتاج وترتفع الاسعار.. ويدفع محدودو الدخل الجانب الاكبر من فاتورة الاستيراد.. وأن يتحكم التجار في قوت الشعب.. خاصة وان الارض تغيرت هويتها من زراعية الي تجارية.. والمساحات اللازمة للحاصلات يحتاجها رواد المنتجعات!. ولكن كيف نحرر السياسات الزراعية من قبضة مافيا الاستيراد خاصة وان الثورة اطاحت بالنظام السابق.. لكنها لم تخلصنا حتي الان من تداعيات اخطائه وخطاياه.. فعجلة الانتاج إما متوقفة وأما بطيئة في العديد من المجالات.. لكن لان قطاع الزراعة كان يحظي بخصوصية في الاهمال والاهدار فإن معاناته اكبر، ومأساته اخطر. فالاراضي الزراعية مازالت تشهد المزيد من حالات التعدي عليها.. والاحتكارات قائمة في سوق الاسمدة والمبيدات وباقي مستلزمات الانتاج.. وأسعار المنتجات في زيادة مستمرة.. فهل مسمي »الحكومة المؤقتة« يعني ان يبقي الحال علي ما هو عليه؟ يعني ان تظل ايدي المسئولين مرتعشة ويتم التردد في اتخاذ القرار الذي يحقق الصالح العام؟!. نبدأ بالارض.. الوعاء الذي يستوعب معاملاتنا الزراعية ويحقق طموحاتنا الانتاجية.. وبعيدا عن الاسهاب فقد تعرضت المساحات الزراعية لهجمات شرسة من التعديات خلال النظام السابق.. تعديات بالمباني وبتحويل نشاطها الي تجاري وسياحي.. وذلك لدرجة اننا نفقد 02 الف فدان من المساحات الزراعية سنويا.. ولا ننسي ان وزير الزراعة السابق قال في احد تصريحاته ان »ما يمكن استيراده لا داعي لزراعته وقال »ان التمسك بزراعة القطن اشبه بالتمسك بالطربوش.. يعني موضة قديمة«. وقد ادت مثل هذه التصريحات لمضاعفة التعديات علي ارضنا الزراعية.. بل وعمقت مفهوم التعامل معها كسلعة تجارية.. وكما يشير د. اسماعيل عبدالجليل الرئيس السابق لمعهد بحوث الصحراء والخبير الزراعي فرغم خطورة الامر فإن هذا المفهوم مازال معمولا به ولم يتغير بعد الثورة. فالهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة تعمل حتي الان بالنظام القديم.. نظام طرح الأراضي في المزاد العلني وكأنها تحف أو مقتنيات.. والمشكلة هنا تكمن في تأصيل مبدأ استحواذ الاثرياء من رجال الاعمال علي الاراضي.. لان المزاد لن يدخله إلا هم.. أما البسطاء من الفلاحين وكذا الخريجون فلن يجرؤ اي منهم علي التعامل معه.. وبالتالي الحرمان من الارض.. ونتساءل اين حق الفلاح المصري في الأرض.. ولماذا الاصرار علي استمرار نظام الطرح بالمزاد؟ الدعم المشروط المنطق يقول انه حان الوقت لاستيعاب الدرس.. للخروج من عباءة رجال الاعمال الذين تملكوا الاراضي بتراب الفلوس وحولوها الي انشطة تجارية فتربحوا منها الملايين والمليارات.. نفس المنطلق يلزمنا بضرورة توسيع قاعدة الملكية الزراعية.. وذلك لن يتم الا بزيادة تملك الفلاحين البسطاء للاراضي.. وفي مداخله حول هذه النقطة يشير د. جمال صيام استاذ الاقتصاد الزراعي الي وجود 4 ملايين فلاح في مصر.. متوسط الحيازة 2 فدان/ فلاح.. والمفروض زيادة الرقم في الاتجاهين.. عدد الفلاحين المالكين للارض والمساحة موضع الملكية. نعود الي د. اسماعيل عبدالجليل الذي يطالب بضرورة التصرف في الاراضي بناء علي خريطة تحدد عليها المزايا النسبية لكل منطقة. وعلي أساس هذه المزايا يتحدد التركيب المحصولي. كما يتم وضع سعر معقول للفدان ويحصل من يلتزم بالتركيب المحصولي علي دعم مستلزمات الانتاج.. وبذلك نكون شجعنا علي زيادة المساحات المزروعة وعلي الاستثمار في هذا القطاع. شهادة ميلاد النظام السابق خاصة خلال فترة حكومة نظيف.. كتب شهادة وفاة للزراعة المصرية.. لكن المهندس احمد الليثي وزير الزراعة الاسبق يأمل ان تكتب لها ثورة 52 يناير شهادة ميلاد.. تبدأ معها صفحة جديدة من المصارحة والمصالحة.. صفحة تقول سطورها ان تدمير الزراعة كان عمدا وبفعل فاعل.. والهدف من التخريب كان لصالح رجال أعمال مبارك ونجله.. بتعطيل الانتاج المحلي لاتاحة الفرصة امام رواج الاستيراد والاثراء من الممارسات الاحتكارية.. لقد حرموا المزارعين من الدعم الذي كان يصب في خدمة المستهلك.. لاثراء المستوردين ودعم الفلاحين الاجانب. ويتدخل د. إسماعيل عبدالجليل »لازم كل المصريين بعد الثورة يعرفوا ان دول الاتحاد الاوروبي مازالت حتي الان تدعم مزارعها بمليار دولار يوميا!. يعود المهندس أحمد الليثي الي تجربته في هذا الصدد ليوضح ان المجموعة الاقتصادية في حكومة نظيف سعت كثيرا لالغاء دعم الاسمدة.. لكنه رفض بشدة.. كما حظر تصديرها الا في حالة حصول الزراعات المصرية علي احتياجاتها منها.. وظل سعر عبوة السماد.. زنة 05 كيلو جرام 53 جنيها حتي خروجه من الوزارة.. لكن بعد ذلك قفز السعر الي 57 ثم 501 جنيهات!. والمفارقة المريبة في هذا الامر تتمثل في ترك الدولة اكبر كمية من انتاج الاسمدة لاحتكارات القطاع الخاص.. وكانت حكومة نظيف تضطر لشراء الاسمدة بأسعار التصدير المرتفعة- لتبيعها للمزارعين.. حدث ذلك رغم دعم الحكومة للمصدرين باربعة مليارات جنيه كان أولي ان تخصص للمزارعين. ويطالب المهندس أحمد الليثي بضرورة العودة لمنظومة الدعم حتي لا يأتي اليوم الذي نضطر فيه الي استيراد كامل الغذاء.. كذلك إعادة العمل بنظام اراضي الخريجين.، شرط وضع الضوابط الكفيلة بتأكيد الجدية.. وتقديم التسهيلات لهم للعمل والانتاج بعيدا عن سيطرة الشركات المساهمة التي تضم حيتان الرأسماليين الذين تربوا في عهد مبارك. الفجوة الغذائية الارقام علي لسان د. جمال صيام استاذ الاقتصاد الزراعي لا تكذب ولا تتجمل.. فالاستثمار في القطاع الزراعي لم يتجاوز 9.2٪ من اجمالي الاستثمارات العامة والمفروض الا يقل عن 01٪ منها.. والزراعة تساهم ب41٪ من قيمة الناتج المحلي.. والبحث العلمي نصيبه 001 مليون جنيه والمفروض الا يقل عن 006 مليون جنيه و04٪ من سكان مصر مرتبطون بالنشاط الزراعي.. يعني 53 مليون نسمة تتحسن احوالها مع انتعاش الزراعة.. وتتأثر سلبا بانهيارها.. كل هذه الارقام لها دلالات خطيرة ومثيرة.. اولها اهتمام النظام السابق بتعميق الاحساس بعدم جدوي المجال الزراعي، بما ادي لزيادة التعديات لدرجة اننا نخسر 02 الف فدان من الرقعة الزراعية سنويا.. وثانيها فقدان المهنة لما يسمي ب»الفلاح الفصيح« بسبب التعقيدات ومطاردة الحكومة للمزارعين.. وثالث التداعيات يتمثل في غياب النظام المؤسسي في الزراعة لا إرشاد - لا تمويل للبحوث العلمية.. ثم عدم وجود برامج تسويق وغياب التعاونيات..اما اخطر التداعيات نجده في التخبط في السياسة الزراعية فلا توجد قوانين حاكمة للقطاع.. وان وجدت فهي حبيسة الادراج وحتي اذا تم الافراج عنها فإن القوانين الجديدة تزاحمها.. ومن هنا يأتي التخبط.. وتصبح القرارات الوزارية »سيد الموقف« والدليل علي ذلك المساحات الشاسعة التي تم توزيعها علي المحاسيب بعيدا عن القانون!.. بل ويصبح اتساع الفجوة الغذائية امرا طبيعيا!. المهم ثرواتهم! كان لابد ان نقف علي رأي المزارعين.. يقول كل من احمد جمال وحسن عبدربه ومحمد مرسي وجابر عطا.. ان حكومات النظام السابق اهملتهم وان المسئولين كان كل همهم تضخيم ثرواتهم غير المشروعة.. ولهذا نسأل.. ماذا تفعل وزارة الزراعة اذا كان الدعم ملغيا وخدمات الميكنة من باب الرفاهية.. والارشاد الزراعي خرج ولم يعد!.. تحذير التحذير يطلقه د. جمال صيام مشيرا الي اننا نستورد 07٪ من غذائنا حاليا.. وشهر رمضان الذي يزيد فيه الاستهلاك علي الابواب. وموازنة الدولة لا تتحمل المزيد من الاستيراد في ظل التقلبات العنيفة والمفاجئة للاسواق العالمية.. وبالتالي فلابد من اليقظة حتي لا تباغتنا المجاعة.. لابد من تحرير السياسات الزراعية من قبضة رجال الاعمال.. كما يجب اعادة منظومة الدعم وانشاء صندوق لموازنة الاسعار وسن قانون التأمين الزراعي.. وإعادة الروح للتعاونيات ثم الاهتمام بتمويل البحوث الزراعية.. ان لم نفعل ذلك فسوف يزيد الانهيار في القطاع الزراعي.. وسيصبح شعار »الطعام لكل فم« مجرد »نكتة بايخة«!.