حسنا، مكتبة الإسكندرية تحتضن ندوة للمصالحة بين الشرطة والشعب، دور محمود ، لكن ليس حسنا ولا جيدا حضور مدير الأمن - تحديدا تلك الندوة - البدلة الميري تثير ثائرة الثوار . النشطاء السياسيون يشتعلون غضبًا، يحاصرون المكتبة احتجاجًا علي موضوع الندوة وحضورها من الضباط، وتشيع الفاحشة - أقصد الشائعة - المكتبة تكرم الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين بالأوسمة والنياشين، بين الحضور ضباط من أمن الدولة، وغيرها كثير ( من بوابة الأهرام ) . جيد أن تتعرض المكتبة للمصالحة بين الشرطة والشعب، واجب وطني ، ولكن في مثل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر يجب أن تبتعد المكتبة قليلا عن المعركة الدائرة بين الشرطة والشعب ، فلتتفرغ لما هو مفيد أكيد ، مثلا ندوة "الدساتير بين المصدر الديني والدولة المدنية" لكن احتضان تلك الندوة بهذه الكيفية وبهذه الشخوص يخرج بالمكتبة عن طورها، عن أجندتها المعرفية والحوارية. أفهم أن يذهب مدير الأمن إلي المكتبة متفقدًا أعمال الأمن والحراسات حماية لهذا الكنز العالمي من حالة الفوضي والتفلت الأمني وهيجان ضيقي الأفق علي كل منجز ثقافي أو حضاري ، إثبات عملي علي عودة الشرطة لدورها في حماية الأمن والأمان وتأمين البشر والحجر، لكن أن يأتي محاضرًا، أن يأتي محاورًا، وعلي رءوس الأشهاد - أقصد الشهداء، ويجلس في نفس المكان الذي جلس قادة الفكر العالمي، هذا استفزاز، لا وقته ولا محله، معلوم نحويًا بعض الجمل ليس لها محل من الإعراب، ومنها الجمل الاعتراضية، والندوة هنا في محل اعتراض. يقينا المصالحة بين الشرطة والشعب هدف نبيل في وقت عز فيه الأمن وشاعت الفوضي، ولكنه أبدًا ليس من أهداف مكتبة الإسكندرية، ولم تنص عليها لائحة أهدافها العالمية، فالمكتبة التي تطمح لأن تكون مركزًا للمعرفة والتسامح والحوار والتفاهم، ونافذة للعالم علي مصر، ونافذة لمصر علي العالم، ليس أبدًا من بين أدوارها عودة الشرطة إلي الشارع، أو تحسين صورة أمن الدولة، أو تدشين دور جديد للأمن الوطني. مكتبة الإسكندرية قديمًا ظهر فيها نجم أرخميدس، وأقليدس طوّر في ربوعها هندسته، وشرح هيبارخوس لدهاقنتها حساب المثلثات، وجاء إليها أريستارخوس الساموزي بالأطروحة المعاكسة القائلة بحركة الأرض والكواكب الأخري حول الشمس، بماذا جاء مدير أمن الإسكندرية، بأطروحته القائلة بعكس المسارات المرورية لمنع المتظاهرين من التظاهر أمام مسجد القائد إبراهيم بعد صلاة جمعة الغضب الثانية. ندوة (حسنة) يتبعها أذي، ندوة تشعل الغضب السكندري بلا مناسبة، لا تنام الإسكندرية منذ 25 يناير إلا علي غضب، غضب علي غضب، هناك متخصصون في إشعال ثورة الغضب السكندري. ما معني أن تستضيف المكتبة ندوة بها مس أمني، وإن حسنت النوايا، ناقص يدشنوا في باحتها معرضًا للمسروقات المستردة بعد الثورة. المكتبة التي تم تدشينها في احتفال كبير حضره ملوك ورؤساء وملكات ووفود دولية رفيعة لتكون منارة للثقافة ونافذة مصر علي العالم ونافذة للعالم علي مصر، لا يصح أن تحتضن رموز العمل الأمني، ليس استنكافا من الأمن، ولكنه الدور والأجندة، لكل دوره، لكل أجندته، أعتقد تلك الندوة ضلت طريقها إلي المكتبة، محلها المختار أكاديمية الشرطة. المكتبة التي تعد أول مكتبة رقمية في القرن الواحد والعشرين، لا يصح أن تكون رقمًا في المعادلات السياسية والأمنية المصرية، إدارة المكتبة دخلت بالمكتبة بهذه الندوة مدخلا ضيقًا، المكتبة التي تضم التراث المصري الثقافي والإنساني، وتعد مركزًا للدراسة والحوار والتسامح تكاد تحترق بما فيها من تراث بسبب ندوة، احتضان مثل هذه الندوات يلقي بالمكتبة في آتون الغضب المصري. في عام84 قام يوليوس قيصر بحرق 101 سفينة كانت موجودة علي شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية، وامتدت نيران حرق السفن إلي مكتبة الإسكندرية فأحرقتها، حيث يعتقد بعض المؤرخين أنها دمرت، ليس بيننا قياصرة ليحرقوا الإسكندرية، ولكن بيننا قراصنة يتلمظون للمكتبة، يناصبونها العداء، وجود مدير الأمن مع كامل احترامي يحرض البعض علي المكتبة، قد يعرضها إلي حريق كبير، النار في أيدي المتهوسين مشتعلة، وكرات اللهب لاتخطئ الهدف، والمكتبة هدف للتظاهرات المسيحية والسلفية لو تعلمون. من قرر استضافة الندوة لا يعي ماذا يفعل بالمكتبة، من حقنا أن نخاف ونرتعب ونرتعد علي سلامة صرح ثقافي يتسع لأكثر من ثمانية ملايين كتاب، وست مكتبات متخصصة، وثلاثة متاحف، وسبعة مراكز بحثية، ومعرضين دائمين، وست قاعات لمعارض فنية متنوعة، وقبة سماوية، وقاعة استكشاف ومركزًا للمؤتمرات، بنيت مكتبة الإسكندريةالجديدة لتسترجع روح المكتبة القديمة، فالمكتبة تطمح لأن تكون مركزًا للمعرفة والتسامح والحوار والتفاهم.. نافذة للعالم علي مصر نافذة لمصر علي العالم، وليس نافذة علي قسم شرطة اللبان. مكتبة عناوينها رصينة، وإعلاناتها عن كتب وأفكار ومحاضرات، فجأة تحيطها لافتات " في أيه في أيه .. إحنا في ثورة ولا أيه"، عجبا ماتلك بيمينك يا دكتور إسماعيل، هل صحيح كرمت المكتبة نفراً من الضباط المتورطين في قتل المتظاهرين ومن بينهم مدير أمن الإسكندرية الحالي، هل منعت المكتبة التي ظلت مفتوحة الأبواب النشطاء السياسيين من دخولها لحضور الندوة التي قيل إنها تكرم الضباط. كانت مكتبة الإسكندرية الملَكية أول وأعظم مكتبة عرفت في التاريخ وظلت أكبر مكتبات عصرها، ولتكن مكتبة الإسكندرية الجمهورية عند حسن ظن التاريخ.