تحمل الانتخابات البرلمانية الألمانية طابعا خاصا جعلها تختلف كثيرا عن سابقاتها، فهي أول انتخابات برلمانية تجري بعد موجة نزوح اللاجئين إلي ألمانيا منذ سنتين، وما صاحب ذلك من ردود فعل متباينة داخل المجتمع الألماني منها المؤيد لوجود اللاجئين المسلمين ومنها المعارض الذي ينادي بالحفاظ علي الطابع الديني والثقافي لألمانيا ويربط بين هؤلاء اللاجئين العرب وبين المنظمات الإرهابية مثل داعش. هذا الاتجاه لم يقتصر علي مجرد كونه نقاشا داخل المجتمع الألماني وانما تحول لبوصلة نجاح سياسي للأحزاب الألمانية. فهناك أحزاب تدافع عن الإسلام واللاجئين كجزء من موروثاتها الديمقراطية كدولة تحترم الحريات. وهناك أحزاب أخري تشن حملات مناهضة لوجود المسلمين مثل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني وحركة بيجيدا (القوميون الأوروبيون ضد أسلمة الغرب) التي قامت بتنظيم مظاهرات للمطالبة بقوانين أكثر تشددا حيال استقبال المهاجرين، وخاصة المسلمين. لكن بالمقابل كانت تخرج مظاهرات مضادة تؤكد أن ألمانيا بلد منفتح علي كل الثقافات، يضمن حرية الاعتقاد لكل شخص مهما كان دينه وجنسه. ولأول مرة في تاريخ ألمانيا يحظي حزب يميني (البديل) بفرص جيدة ويتنبأ له المحللون بإحراز مكانة متقدمة في المشهد الانتخابي الألماني.. وركز حزب البديل في السنتين الأخيرتين علي المهاجرين والإسلام والمطالبة بإغلاق أبواب ألمانيا في وجه اللاجئين. وقد استخدمت الأحزاب الألمانية الكبري قضيتي اللاجئين والإسلام ضمن أهم القضايا في حملاتهم الانتخابية، وفي مقدمتهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي التي تحظي بشعبية جارفة بين اللاجئين والمسلمين. وكانت سياستها واضحة منذ بدء الأزمة وكانت مواقفها شجاعة علي عكس قادة دول أوروبية كثيرة. فهي ترفض التضييق علي حريات اللاجئين. وانتقدت حزب البديل وحملته الشرسة المعادية للاجئيين والمسلمين، وأكدت أن حرية العقيدة مكفولة في الدستور الألماني. أما مارتن شولتز زعيم الحزب الاشتراكي فقد دعا إلي سن قانون أوروبي للهجرة واللاجئين بعد تزايد أعداد اللاجئين الأجانب للدول الأوروبية ولكنه طالب بحد أقصي لدخول اللاجئين كل عام. في حين يركز حزب الخضر علي برامج دمج اللاجئين في المجتمع الألماني. ولم تعد قضية اللاجئين هي وحدها التي تشغل الناخبين والمرشحين بل أصبح برنامج لم الشمل الذي تبنته الحكومة تحت قصف احزاب اليمين هو الآخر. وأشارت بيانات وزارة الشئون الخارجية أنه تم منح ما لا يقل عن 60 ألف تأشيرة سفر إلي ألمانيا للاجئين سوريين في إطار التوجه للم الشمل العائلي خلال النصف الأول من عام 2017. ويقدر عدد المسلمين في ألمانيا بحوالي خمسة ملايين شخص من بينهم أكثر من مليونين يحق لهم التصويت. ومن جانبه يعكف المجلس الاعلي للمسلمين في ألمانيا لتوحيد صفوف الناخبين المسلمين وتقديم التوعية للناخبين وحثهم علي ضرورة المشاركة في الانتخابات. وأطلق المجلس موقعا إلكترونيا باسم »بوصلة الناخب» وصفحة بعنوان » صوتي يؤثر» وكلاهما يهدف إلي إتاحة الفرصة للناخبين المسلمين لتحديد خياراتهم لمواجهة حملات التأثير والصور السلبية التي تروجها أحزاب اليمين المتطرفة. ويستعرض الموقع تصريحات المرشحين ومواقف الأحزاب تجاه المسلمين والتي كانت في معظمها ايجابية. فالحزب المسيحي المؤلف من الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي يري أن المسلمين ساهموا في نجاح ألمانيا منذ وقت طويل بينما أكد نيكول بيير الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر علي أن الحوار مع أصحاب الديانات الثلاثة المسيحية واليهودية والإسلام سيكون مثمرا لأنهم يعبدون نفس الرب. وهو نفس النهج الذي تتبناه أحزاب اليسار التي تتحدث عن أهمية الحوارمع المسلمين لمواجهة العنصرية والتمييز ومحاربة الإرهاب. ولكن بعيدا عن موسم الانتخابات يخوض المسلمون نزاعا أهم يخص الاعتراف بهم كطائفة دينية مثل الطوائف الأخري ولكن لم تقو بعد الادارة السياسية علي تبني هذا الطرح.