أعجبني كثيرا الإنتماء الذي وجدته لدي المسئولين الكوريين الذين التقيت بهم وإصرارهم علي التحدث معي باللغة الكورية رغم إجادتهم للغات أجنبية أخري.ولكن عندما قمت بزيارة جامعة هانكوك كانت هناك مفاجآت كثيرة في انتظاري. فسبب زيارة الجامعة المتخصصة في تدريس اللغات الأجنبية كان أن بها أقدم قسم لتدريس اللغة العربية في كوريا الجنوبية وعندما ألتقيت بالدكتور جيه وون بارك الأستاذ بقسم اللغة العربية عرفت أن القصة أعمق بكثير من كونه مجرد حوار، وأن العلاقات بين مصر وكوريا الجنوبية لها جذور ثقافية وتاريخية، فالكوريون تعلموا علي يد أساتذة مصريين في الجامعات المصرية والجامعات الكورية أيضا.. وكانت مفاجأة الدكتور بارك الأولي أنه لم يتحدث معي لا باللغة الكورية ولا حتي باللغة العربية ولكن باللهجة المصرية وعندما استرسلنا في الحديث وجدته يعرف أماكن في مصر لا أعرفها حتي أنني شعرت أنني أحاور أستاذا مصريا محبوبا من كل تلامذته. ثم كانت المفاجأة الثانية ووجدت نفسي أشعر بفخر شديد لأنني من مصر التي علمت هذا العالم الكبير ولأنني من صحيفةالأخبار التي يحكي عنها ذكريات لا تنسي منذ أن كان يتردد عليها في الثمانينيات. قبل أن نبدأ الحوار يقتلني الفضول كي أعرف ما سر إجادتك للهجة المصرية؟ - عشت في مصر سنوات طويلة حيث درست في جامعة القاهرة تخصص النقد الأدبي والأدب العربي الحديث وهو تخصص صعب. ولي ذكريات جميلة وكانت حياتي فيها مريحة جدا وعاملني المصريون بمنتهي الكرم والترحاب.ولكن تغيرت الظروف كثيرا بعد ثورة يناير. واخر مرة زرت فيها مصر كانت في عام 2014 لإعداد أبحاث الترقية وكنت أتردد علي مكتبة الجامعة الامريكية في القاهرة الجديدة ولاحظت التغيير الذي طرأ علي الشعب المصري.. وأكثر ما أحب في مصر هو الإنسان المصري والناس البسطاء.. عم ابراهيم الميكانيكي وهادي السباك وشعبان صاحب كشك الجرائد الذي كنت أشتري من عنده الأهرام والأخبار. وطبعا خلال هذه الفترة عرفت كل محلات الأكل المصري الشهيرة. ما الذي جذبك في الأصل لدراسة اللغة العربية؟ - بعد تنهيدة طويلة قال هذا: تاريخ طويل..ثم ضحك وهو يجيب »غلطة العمر» كان أمامي أن أدرس اللغة الهندية أو العربية وفي نهاية المطاف اخترت اللغة العربية رغم صعوبتها لأن لها لغتين العامية والفصحي ولها تراث طويل فكيف استوعب كل هذا وأنا أجنبي. كيف تري اهتمام الطلبة الكوريين باللغة العربية؟ وهل تعتبرونها لغة نادرة؟ - اهتمام الطلبة الكوريين باللغة العربية يتزايد يوما بعد يوم وسنة بعد سنة رغم أن فرصهم للعمل هنا صعبة الي حد ما. ولكن هذا الوضع يتحسن تدريجيا وهناك طلب متزايد علي دراسة اللغة العربية ولكن التراجع مرتبط باهتمام الشركات الكورية التي تعمل في منطقة الشرق الاوسط ودول الخليج العربي. وهذا التراجع يأتي نتيجة ارتفاع سعر النفط مما يؤثر علي الاقتصاد فتتعثر الشركات. ويمكن القول أن اللغة العربية كانت لغة نادرة، ولكن هذه الأيام نقول عنها أنها لغة إستراتيجية مثل الهندية والإندونيسية ولكن اللغة العربية تحظي باهتمام أكبر فلدينا خمس جامعات كورية تدرس اللغة العربية. هل تعتمدون في هذه الاقسام علي الاساتذة الكوريين الذين درسوا اللغة العربية في الدول العربية؟ - نعتمد علي الأساتذة الكوريين والعرب أيضا ولدينا في سيول وفي جامعة هانكوكأستاذ مصري هو دكتور صلاح الدين الجبيلي من جامعة الاسكندرية وفي فرع اخر من الجامعة هناك اساتذة من مصر واليمن وفي قسم الدراسات والترجمة يوجد استاذ اردني وفي الدراسات العليا للشئون الدولية يوجد استاذان مصريان. وكيف تضعون مناهج تدريس اللغة العربية؟ - أساتذة القسم هم من يضعون المناهج هناك اجتماع كل ثلاثة أشهر ونوعا ما هناك بعض المناهج الثابتة ولكن هناك إضافات وتعديلات تحدث كل سنة ويتم إضافة مادة أو أكثر وفقا للحاجة. والدرارسة في القسم 4 سنوات والدراسات العليا عامين والماجستير 3 سنوات والدكتوراه تستغرق 5 سنوات ولكن هنا نهتم بالمواد الدراسية إلي جانب الرسالة للحصول علي الدرجة. ألم تفكر في تدريس اللغة الكورية في مصر خلال سنوات وجودك هناك؟ - أنا أحد مؤسسي قسم اللغة الكورية في كلية الألسن جامعة عين شمس والذي تأسس عام 2005 وكانت هناك جهود كثيرة لإنشاء قسم للغة الكورية في الجامعات المصرية ولكنها لم تنجح. ويرجع الفضل في إنشاء القسم للدكتورة مكارم الغمري عميدة كلية الألسن آنذاك التي حصلت علي موافقة وزارة التعليم العالي لإنشاء القسم. وساعدها السفير الكوري وأنا وزوجتي في البداية. الآن يدرس في القسم أساتذة كوريون ومصريون من خريجي القسم. وما قصة اهتمام الكوريين بالدراسة في جامعة الأزهر؟ - يوجد لدينا في كوريا 3 علماء درسوا في الأزهر الشريف أكبرهم د. عبد الرازق سون وهو استاذ متقاعد الان فوق السبعين وكان يدرس القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي ود. حمزة سونج الأستاذ في جامعة ميونجي ويدرس التاريخ والحضارة الإسلامية وثالثهما د. بارك مدير المركز الثقافي الكوري في القاهرة الذي حصل علي الدكتوراه في اللغة العربية من جامعة الأزهر. ما حكايتك مع »الأخبار»؟ - كنت صديقا للراحل جمال الغيطاني وزرته كثيرا في مكتبه. كما كنت صديقا للشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي. للأسف. أول زيارة لي للأخبار كانت عام 1984 وبدأت أتردد علي أرشيف ومكتبة الأخبار عام 1987 وكنت أعد دراسة الماجستير وقتها وكانت بعنوان »سلامة موسي ناقدا» ثم انتهيت من رسالة الدكتوراه عام 2006 وكانت بعنوان »رواية تاريخية عن محمد فريد أبو حديد». وأقوم بتدريس 5 مقالات كل عام للطلبة من كتاب فكرة لمصطفي أمين ولكنني للأسف لم ألتق به. من تعرف من الشخصيات المصرية الشهيرة ؟ - في فترة دراستي بالقاهرة كنت أعمل مترجما في اللقاءات التي تتم بين المسئولين الكوريين والمسئولين المصريين وألتقيت بالرئيس مبارك وكنت أحبه وأشعر انه رجل طيب كان يذكرني بوالدي. ومن أهم الشخصيات التي قابلتها كان الأديب الراحل نجيب محفوظ وأجريت معه حوارا لمجلة ثقافية كورية نشر عام 1992. ود. جابر عصفور استاذي وهو عالم صارم لا يتخلي عن مبدئه أبدا. كذلك د. عبد المنعم تليمة وصنع الله إبراهيم وهو صديق طيب ومتمرد وأذكر أنني زرته في شقته ايام حكم مبارك وكان يضع شعار فلسطين عربية علي باب شقته ويعلق ملصقات حركة كفاية ولا للتوريث. وهذا كان شيئا خطيرا في تلك الأيام ولكنه لم يكن يخاف من أحد. ولا أنسي شخصيتين نسائيتين هما سلوي بكر وصافيناز كاظم التي ساعدتني كثيرا في مرحلة إعداد رسالة الدكتوراه وقدمت لي أشياء قيمة جدا عن محمد فريد أبو حديد. وهي شخصية طيبة ومثقفة وكانت تقابلني بترحاب شديد.