دعا عدد من علماء الدين إلي التوسع في فكرة شراء الأضحية بالتقسيط وذلك لتشجيع الناس علي إقامة سنة الأضحية،خاصة في ظل غلاء الأسعار الذي يجعل الكثيرين يحجمون عن الشراء ما يحرم الفقراء من حقهم في تذوق طعم اللحوم التي حرموا منها طوال العام. أوضح الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أن قيام المضحي بشراء الأضحية بالتقسيط او الاستدانة لشرائها شئ لا مانع فيه؛ حيث قد تقرر في الشريعة صحة الشراء والبيع بالتقسيط، ولا يغير من هذا الحكم كون المبيع أضحية أو غيرها، وأيضا فقد ورد في السنة النبوية الشريفة ما يدل علي جواز الاستدانة للأضحية فيما أخرجه الدارقطني في »سننه» -ومن طريقه البيهقي في »السنن الكبري» - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَسْتَدِينُ وَأُضَحِّي؟ قَالَ: »نَعَمْ، فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ» وفيه ضعف، غير أن معناه صحيح، والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، وقد استدل به الحنفية علي وجوب الأضحية، والجمهور يحملونه علي تأكد الاستحباب.. ويضيف: قد نص الإمام مالك رضي الله عنه علي مشروعية الاستدانة للأضحية؛ لما لها من عظيم الفضل وكبير الثواب عند الله تعالي؛ قال الإمام ابن رشد:وتحصيل مذهب مالك: أنها من السنن التي يُؤمَر الناسُ بها ويُندَبُون إليها ولا يرخص لهم في تركها، فقد قال: وإن كان الرجل فقيرًا لا شيء له إلا ثمن الشاة فلْيُضَحِّ، وإن لم يجد فلْيَسْتَسْلِفْ»،وصرح بمشروعية ذلك أيضًا الشيخ ابن تيمية الحنبلي؛ فقد جاء في »مجموع الفتاوي: »ويُضحِّي المَدينُ إذا لم يُطالَبْ بالوفاء، ويَتَدَيَّنُ ويُضَحِّي إذا كان له وفاء. وسُئل عمن لا يقدر علي الأضحية، هل يستدين؟ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك». جائز ويوضح مفتي الجمهورية: الشراء بالتقسيط في معني الاستدانة؛ إذ الجامع بينهما انشغال ذمة المضحي بثمنها أو جزء منه عند التضحية بها، وعدم اكتمال سداده. واشتراطُ ملك المضحِّي للمضحَّي به حتي تصح الأضحية وتكون مقبولة عند الله لا يُعارِضه عدم اكتمال سداد ثمنها عند التضحية بها؛ وذلك لأن مِلْك الأضحية قد استقر في ذمة مشتريها بالتقسيط، وليس مِن شرط تَحَقُّقِ ملكِ المبيع استيفاءُ الثمن، بل إذا اكتمل أركان العقد وشروطه صح عقد البيع، وإذا صح العقدُ استتبع آثارَه؛ مِن ثبوت الملك وجواز التصرف في المبيع سواء استوفي دفع أقساطها أم لم يستوفِ؛ فإذا وكَّل غيرَه بذبحها عنه أو عن غيره عُدَّ ذلك تصرفًا صحيحًا نافذًا شرعًا يرجع ثوابه إليه.وبناء علي ما سبق: فإنه يجوز شراء صك الأضحية بالتقسيط، سواء أكانت الأقساط متقدمة علي الذبح أم متأخرة عنه. ويدعو الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية إلي التوسع في تجربة الأضحية بالتقسيط لأنه شئ طيب أن يحرص الإنسان علي إطعام الفقراء ومواساة المساكين خاصة في ظل حالة الغلاء وحاجة الفقراء وليس هناك حرج علي المسلم إذا اشتري أضحيته بالتقسيط لمن ليس لديه سيولة نقدية في وقت الشراء ويعلم أنه يستطيع سداد الثمن بعد فترة وهذا شئ طيب ومطلوب ولاشئ فيه علي الإطلاق حتي لا يحرم الفقراء من أن يأكلوا اللحوم وللتوسعة علي الأهل والأقارب. وأوضح أن هذا الأمر فيه مساهمة في القيام بحاجة ضرورية من حاجات الإنسان وهي الطعام وخاصة أن هناك فئة من الناس تنتظر أن تأكل اللحوم من العام للعام في عيد الأضحي وفي ظل ارتفاع سعرها سوف نجد الكثير من الناس يحجمون عن أداء هذه السنة النبوية فيجب أن نفتح لهم الباب من خلال التوسع في الشراء بالتقسيط حتي ولو كان بفائدة فمثلا لو كان سعر الأضحية 5 آلاف وزاد سعرها ل6 آلاف بالتقسيط فأري أن هذا يجوز طبقا لفقه الأولويات قياما بحاجة ضرورية للفقراء حيث يوجد أناس معدومون في المجتمع حاليا ينتظرون من يتكفل بهم فينبغي التوسع في هذا الأمر لنفتح لهم منافذ التضامن والتكافل الاجتماعي ولنسمح لمن لديه سعة في أن يؤدي حق الله وحق المال لصالح الفقراء. ويشير د. الجندي إلي أن مسألة التثليث في توزيع الأضحية وهي ان نجعل الثلث للفقراء والثلث للأقارب والثلث لأهل بيت المضحي هي مسألة جاءت علي سبيل الاسترشاد وليست ملزمة وأنه من الأولي في ظل الظروف الصعبة لكثير من الطبقات في المجتمع أن نجعل القسم الأكبر من الأضحية للفقراء والمساكين وذوي الحاجة. حقن الدماء ويشير الدكتور عطا السنباطي رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون إلي أن الهدف الأسمي من الأضحية هو التذكير بحرمة دم الإنسان حيث افتدي الله عزوجل سيدنا إسماعيل بدم الحيوان وهي سنة للقادر وغير المستطيع فليس عليه حرج وإن كان يستطيع ولا يستطيع أن يدفع الثمن مؤقتا ويحتاج للقرض أو الشراء بالتقسيط فلا مانع إذا كان القرض حسنا. ويوضح أن إقامة السنة تتمثل في إراقة دم الأضحية وهي معروفة الشروط وليس شراء اللحم لأن اللحم موجود طوال العام وذلك للتنبيه علي أهمية حقن دماء الانسان. ويوضح الشيخ جعفر عبدالله رئيس قطاع المعاهد الأزهرية السابق أن الأُضْحِيَّة سنة مؤكدة علي القادر، وأما غير القادر علي ثمنها فلا يجب عليه ولا يسن له أن يستدين من أجل فعلها؛ فقد قال الله تعالي: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، فمن فعل هذه السنة أثيب، ومن تركها لا عقاب عليه، ولكن من اقترض قرضا حسنا من أجل التضحية ففعله صحيح ويؤجر عليه. ويشير إلي أن التصدق بالثمن نقدا علي الفقراء ليشتروا اللحم فمذهب الحنفية وظاهر مذهب الشافعية أنه لا يجزئ عن الأضحية؛ لأن المقصود من شرعها التعبد بإراقة الدم وإطعام الفقراء باللحم الذي حرِموه أكثر أيام العام، والمشهور الراجح في مذهب مالك وهو المروي عن أحمد وجماعة من العلماء أن التضحية أفضل من التصدق بالثمن، وهناك رواية ضعيفة عن مالك أن التصدق بالثمن أفضل، كما في »شرح الموطأ» وغيره من كتب المذهب. وعن صك الأضحية يقول إنه نوع من أنواع الوكالة، وهي جائزة في النيابة عن الذابح في الأضحية، حيث يجوز لمن يصعب عليه إقامةُ سنة الأضحية بنفسه أن ينيب عنه جمعية خيرية أو غيرها عن طريق هذا الصك أو نحوه، وعلي الجمعية عمل ما يلزم لاختيار الأضاحي وذبحها وتوزيعها طبقًا للأحكام الشرعية. قال العلامة الكاساني الحنفي: يجوز للإنسان أن يضحي بنفسه وبغيره بإذنه؛ لأنها قربة تتعلق بالمال فتجزئ فيها النيابة؛ كأداء الزكاة وصدقة الفطر، ولأن كل أحد لا يقدر علي مباشرة الذبح بنفسه، خصوصًا النساء، فلو لم تجز الاستنابة لأدي إلي الحرج. وقال الحافظ النووي الشافعي: ويُسَنُّ لِمُرِيدِها أن لا يزيل شعره ولا ظفره في عشر ذي الحجة حتي يضحي، وأن يذبحها بنفسه، وإلا فلْيَشهدها. ولذلك فصك الأضحية هو عبارة عن عقد شراء للأضحية، وعقد توكيل بالذبح، وهذا جائز شرعا إذا روعيت شروطه، وأما التوزيع فبحسب ما يتفق عليه بين الجمعية والمضحي.