كثيرون في باكستان لم يعجبهم ما انتهي إليه تقرير الخبراء الدوليين عن اغتيال السيدة »بنازير بوتو« عام 2007 بعد مشاركتها في تجمع انتخابي في »روالبندي« بالقرب من العاصمة إسلام أباد. التقرير لم يحدد الجهة التي خططت لاغتيال زعيمة المعارضة المرشحة بقوة للعودة لرئاسة الحكومة للمرة الثالثة! قال المعترضون علي نتيجة التقرير إنهم كانوا ينتظرون أن تنكشف أمامهم كل حقائق المؤامرة التي أودت بحياة »بنازير بوتو«، وتحديد اسم وصفة من وقف أو وقفوا وراء تخطيط وتمويل وتنفيذ تلك المؤامرة الإجرامية، أما أن يخلو تقرير الأممالمتحدة من هذه الحقائق المهمة والموثقة، فهذا ما أفقده المصداقية في عيون الباكستانيين. الأممالمتحدة دافعت عن تقريرها، وعن محققيها الدوليين، فنبهت نقلاً عن وكالات الأنباء إلي أن اللجنة تم تشكيلها من أجل هدف واحد هو: »التحقيق حول وقائع وظروف الاغتيال«، وليس بهدف »تحديد المسئولية الإجرامية لمن خططوا ومولوا ونفذوا عملية الاغتيال«! وأرجعت الأمانة العامة للأمم المتحدة تحديد هدف اللجنة إلي طلب الدولة الباكستانية التي احتفظت لأجهزة أمنها بحقها وصلاحياتها في البحث عن القتلة، وبالتالي فقد التزمت اللجنة الدولية بما حُدد لها من تحركات وتحقيقات! نفي وزير الداخلية الباكستاني »رحمن مالك« عن حكومته اتهامها بالتغطية علي الجريمة، زاعماً أنه سبق أن طالب اللجنة الدولية في شهر مارس الماضي بأن بلاده تنتظر تقريراً وافياً، وشاملاً، مقروناً بالأدلة والوقائع. ليس هذا فقط بل أضاف الوزير »مالك « قائلاً إنه وجّه أعضاء اللجنة المكلفة بإعداد التقرير الدولي إلي »ضرورة البحث عن معلومات، وعناصر أدلة، لدي كل من: كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا السابقة و الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، والمملكة السعودية، وإضافة ما تتحصل اللجنة عليه من هذه المصادر الثلاثة إلي تقريرها النهائي«. الطريف أن وزير الداخلية الباكستاني اكتفي بهذه »الفرقعة الإعلامية« رافضاً في الوقت نفسه الإفصاح، من قريب أو بعيد، عن معلومات هؤلاء بوقائع وظروف اغتيال بنازيز بوتو! رغم إقلال البعض من أهمية تقرير المحققين الدوليين، إلاّ أن ما جاء فيه أثار شهية البعض في إطلاق العديد من علامات الاستفهام. فالذين هاجموا التقرير أغفلوا عمداً ما تضمنه من اتهامات واضحة، ومباشرة، للسلطات الحكومية الباكستانية وأجهزة أمنها واستخباراتها. نص التقرير صراحة علي أن تلك السلطات »قامت عامدة متعمدة بمحاولة توجيه التحقيق ناحية اتجاهات غير صائبة«. فمثلاً: الرئيس الباكستاني آنذاك » الجنرال برويز مشرف« سارع بعقد مؤتمر صحفي وأدلي بتصريحات لا سند لها من الحقيقة أو الواقع. فقد بادر بتحميل حركة طالبان باكستان المسئولية كاملة عن تخطيط الجريمة، وتمويلها، وتنفيذها! اتهام »مشرف« كان مجرد كلمات بلا دليل، ولا اعتراف. وحدث الحراك الخفيف والخافت أخيراً في إسلام أباد. فبعد أربعة أيام فقط من الكشف عن تقرير الأممالمتحدة أصدرت السلطات الباكستانية قراراتها بوقف عمل 8 من كبار موظفيها الأمنيين من بينهم ضابط سابق اسمه:»سعود عزيز« كان مسئولاً عن أمن »روالبندي« التي كانت مسرحاً للجريمة العظمي. ويبدو أن الأمر سيتوقف عند هذا الإجراء دون التطرق طبعاً إلي الكبار الذين اتهمهم التقرير بالإهمال الجسيم في تأمين الحماية الكافية لبنازير بوتو رغم علمهم بهول التهديدات التي تتربص بها وبتحركاتها الانتخابية! من أبرز هؤلاء الكبار المتهمين بالإهمال الجسيم نقلاً عن الصحيفة الباكستانية (Dawn) نجد: وزير الداخلية الفيدرالي الحالي »رحمن مالك«، ووزير داخلية إقليم السند »ذوالفقار ميرزا«، وغيرهما. وزير الإعلام:»قمرالزمان كيرة« حاول أن يهديء الرأي العام فبشّره بقرب إصدار قرارات عليا تنص علي: »ملاحقة كل من جاء ذكره في التقرير الدولي، ومنهم ركاب السيارة المرسيدس السوداء«. وذكر التقرير أن تلك السيارة كانت ضمن الحراسة الأمنية المخصصة لبنازير بوتو ليلة اغتيالها وكانت التعليمات لركابها من ضباط الأمن أن ينطلقوا خلف سيارة »بنازير« بعد الانتهاء من تجمعها الانتخابي وإلي حين وصولها إلي بيتها بالسلامة. وأكد التقرير أن السيارة المرسيدس السوداء اختفت من مكانها قبل دقائق قليلة من انتهاء اللقاء! الأخطر أن القوة الأمنية التي خصصها وزير داخلية الأقليم لحماية بنازير خلال التجمع الانتخابي اختفت هي أيضاً من المنطقة كلها، وتركوا بنازير بوتو لمصيرها المنتظر! الصحيفة اليومية الهندية (The Hindu) رحبت بتقرير اللجنة الدولية، علي عكس العديد من الصحف الباكستانية التي وصفت التقرير بأنه جاء ناقصاً، وإنشائياً! الصحيفة الهندية هللت للتقرير، وقالت في افتتاحيتها إن هذه أول مرة تعلن فيها معلومات بالغة الخطورة، تكشف بكل وضوح معالم النفوذ الهائل الذي يحظي الجيش به وعلاقاته المريبة ببعض الجماعات »الجهادية« و»الإرهابية«!