لم يكن اغتيال »بنازير بوتو« مسئولية، أو هدف، جماعة إرهابية واحدة.. كما حاول النظام الباكستاني آنذاك إقناع الدنيا كلها. حقيقة أن جماعات »أهل الظلام« كانت ضد »بنازير بوتو«، وضد أفكارها، وضد ما تنوي تحقيقه إذا وصلت إلي حكم البلاد، لكن حقيقة أيضاً أن الدوائر السياسية حاكمة كانت أم معارضة كانت تخشي علي نفسها من تلك السيدة التي عاشت سنوات منفية مع أسرتها بين »دبي«و»لندن«، ثم قررت العودة إلي»إسلام أباد« ليستقبلها ملايين الباكستانيين استقبال الأبطال. أثناء المعركة الانتخابية أثبتت استطلاعات الرأي أن الحزب الذي أسسه والد »بنازير« »ذو الفقار علي بوتو« سيكتسح النتائج لصالح زعيمته الحالية، وصالح مرشحيها، وهو ما أزعج زعماء باقي الأحزاب وعلي رأسهم الرئيس الباكستاني »مشرّف«! التخلص نهائياً من هذه المرشحة لاسترداد الحكم باكتساح، كان الشغل الشاغل لكل خصومها و منافسيها علي اختلاف توجهاتهم وتعدد أحزابهم وتذبذب شعبيتهم. وفي 27ديسمبر2007تحقق أمل، وحلم، هؤلاء جميعهم وغيرهم.. باغتيال »بنازير بوتو« فور مغادرتها آخر لقاء جماهيري، انتخابي، كانت نجمته. وبالطبع أظهر خصوم، وأعداء، »بنازير بوتو« غير ما يبطنون. رأيناهم حزاني بوجوههم، وإن كانت قلوبهم ترقص داخل أقفاصهم الصدرية! أكثرهم تظاهراً بالحزن »مشرّف« أعلن عن تشكيل لجنة قضائية، بوليسية، استخبارية علي أعلي مستوي، و طبقاً لأرفع المقاييس الدولية تتولي التحقيق في هذه الجريمة العظمي، وأنه أي الرئيس الباكستاني سيكون علي اتصال مستمر مع أعضاء هذه اللجنة ليتابع، ويقيم، عملهم أولاً بأول.. وحتي يتمكّنوا في أسرع وقت مستطاع من العثور علي القاتل، أو القتلة، لمحاكمتهم وتطبيق أقصي وأقسي ما تنص عليه أحكام الشرع من عقوبات. ومرت الأيام.. ولم يتحقق ما وعد به الرئيس الباكستاني. فلا القاتل أمسكوه، ولا الذين خططوا ومولوا الجريمة كشف عن هوياتهم وقاموا بملاحقتهم واحداً تلو الآخر! الذي حدث فقط.. أن الرئيس الباكستاني هو الذي طار واختفي ليحل زوج الفقيدة مكانه! طلبت أسرة، وأنصار، وحزب، الراحلة الشهيرة من الأممالمتحدة التحقيق في ملابسات جريمة الاغتيال بعيداً عن أي مؤثرات أو تدخلات ممن لا يريدون الكشف عن الحقيقة! منذ يومين.. أصدرت الأمانة العامة للأمم المتحدة تقريرا يلخص نتائج التحقيقات الموسعة التي قام بها المحققون الدوليون المكلفون بالكشف عن حقائق اغتيال »بنازير بوتو«. أكد المحققون أن [ الشرطة الباكستانية تعمدت إفشال التحقيق حول اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو، وأنه كان يمكن تفادي المأساة وإنقاذ الفقيدة لو تم اتخاذ تدابير أمنية علي مستوي التهديدات]. و بتفاصيل أوضح ، يقول التقرير الذي أعده محققون دوليون برئاسة سفير شيلي لدي الأممالمتحدة [إن الحكومة الفيدرالية الباكستانية، وحكومة إقليم »بنجاب«، تتحملان مسئولية توفير الحماية لبنازير بوتو، لكن الأجهزة الأمنية المعنية لهاتين الحكومتين لم تتخذ تدابير للتعامل مع المخاطر الملحة والاستثنائية التي كانت تهدد »بوتو« في الآونة الأخيرة، وكان علي الحكومة الباكستانية أن تؤمن للفقيدة جهازاً أمنياً بذات الفعالية التي حظي بها رئيسان سابقان للوزراء ينتميان إلي الحزب السياسي الذي يدعم الرئيس »برويز مشرف«. وهذا التمييز في التعامل أثار قلقاَ كبيراً بالنظر إلي أن »بنازيز بوتو« رئيسة الوزراء السابقة، من المعارضة سبق أن تعرضت لمحاولات اغتيال قبل ثلاثة أيام من وقوع الجريمة طبقاً لما كشف عنه جهاز المخابرات الباكستاني]. وأتصوّر أن تقرير المحققين الدوليين قد أزعج باكستانيين كثيرين سواء من المسئولين السابقين والحاليين، أو من المعارضين الذين استفادوا من اختفاء الزعيمة بوتو إلي الأبد! بدأ القلق والانزعاج من التقرير عندما ألغي سفير باكستان لدي الأممالمتحدة في نيويورك المؤتمر الصحفي الذي سبق أن دعا إليه ، لإبداء رأي حكومته في تقرير الخبراء الدوليين! مبرر إلغاء المؤتمر الصحفي يقول: »إن سعادة السفير لم يتلق رأي حكومة بلاده في التقرير حتي الآن، وبالتالي فإن سعادته مضطر لتأجيل لقائه مع الصحفيين«! وثبت الانزعاج في العاصمة الباكستانية: »إسلام أباد« عندما أعلنت الحكومة أنها:»لن ترد علي التقرير إلاّ بعد دراسته جيداً«. أما وزير الداخلية الباكستاني »رحمن مالك« فقد كان منفعلاً، ومتشككاً، أكثر من غيره. .. وللحديث بقية. إبراهيم سعده [email protected]