لا أحد يمكن ان يعلم أو يدرك ما يخبئه القدر من مفاجآت طيبة أو مأساوية. قد يري التقييم البشري في مسيرة الحياة شيئا معينا مستندا إلي التوقعات والحسابات ولكن كل شيء يمكن ان ينقلب رأسا علي عقب نتيجة التدخل من جانب القدر. هذا الواقع الذي يعد ركيزة اساسية لوجود الخليقة بشرا وحيوانا وجمادا جسدته بشكل واضح ما يشهده العالم حاليا من اضطراب وارتباك وحيرة وعجز بعد ان اجتاحت اجواءه سحابة الغبار التي اطلقها بركان ايسلندا الثائر مما ادي الي تعطيل حركة الطيران . تداعيات انتشار هذه السحابة في سماء معظم دول اوروبا دفع بالملايين إلي تجميد تنقلاتهم واعمالهم.. هذا الوضع كانت له انعكاساته السلبية القوية علي حركة السفر وصناعة الطيران وهو ما يعد في نفس الوقت ضربة واسعة التأثير علي صناعة السياحة وبما تمثله من اهمية لاقتصاديات الكثير من دول العالم. هذه الخسائر التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات شملت بشكل اساسي شركات الطيران نتيجة وقف العديد من رحلاتها المتجهة من وإلي اوروبا والعابرة لمجالها الجوي في كل قارات العالم . لقد ادي توقف حركة النقل الجوي إلي احتجاز مئات الآلاف من السياح بل الملايين من كل جنسيات العالم ومنعهم سواء من التوجه إلي بلادهم أو القيام برحلاتهم السياحية لقضاء اجازاتهم. ان قطاعا كبيرا من هؤلاء المسافرين بالطائرات تكبدوا خسائر فادحة بالاضافة الي الشركات والمؤسسات التي يعملون بها نظرا لعدم قدرتهم علي القيام بمهام اعمالهم. كما انه من المؤكد ان آلاف الشركات قد فقدوا الملايين من ساعات العمل التي كان من المفروض ان يقوم بها العاملون فيها الذين وجدوا انفسهم محتجزين في الاماكن التي كانوا في زيارتها. وقد تعرضت مصر مثل كل دول العالم لسيل من الخسائر المباشرة الناجمة عن توقف جانب كبير من حركة السفر بالطائرات خاصة ان اوروبا المصابة بسحابة الدخان هي المحور الاساسي لحركة الطيران والسياحة، شملت هذه الخسائر صناعة الطيران المدني عامة متمثلة في فقدان رسوم استخدام الطائرات لخدمات العبور والهبوط والايواء بالاضافة إلي انكماش نشاط المشروعات الاستثمارية في كل المطارات السياحية. وباعتبار ان مصر للطيران هي جزء من منظومة الطيران المدني ونتيجة لتوقف العشرات من الرحلات اليومية إلي المطارات الاوروبية.. فقد لحق بها هي الاخري وبصورة اساسية جانب كبير من هذه الخسائر. كان ضروريا امام فداحة وضخامة هذا الحدث وتطوراته ان تعلن حالة الطواريء في مصر للطيران واجهزة الطيران المدني والسياحة وان تسند ادارة ومتابعة الموقف إلي غرفة عمليات للازمات تعمل »ليل نهار« لمواجهة اي مستجدات. تولت هذه الغرف مهامها تحت اشراف الفريق احمد شفيق وزير الطيران المدني فيما يتعلق بقطاع النقل الجوي. وزهير جرانة وزير السياحة في الشأن المتعلق بالمشاكل التي ترتبت عن احتجاز آلاف السياح في مصر والغاء المئات من البرامج لافواج السياحة الوافدة. ولابد هنا من ان اسجل قيام وزارة السياحة بمشاركة غرفتي شركات السياحة والفنادق بواجبهم تجاه هؤلاء السياح بما لم يكن يتوقعه احد. لقد تحملت هذه الاجهزة كل تكاليف اقامة السياح المحتجزين الذين انتهت فترة زيارتهم لمصر ولم يجدوا رحلات جوية لنقلهم إلي بلادهم. جري التعامل مع بعض من هذه المشاكل بالتنسيق مع السفارات التي ابدت اهتماما بمصير رعاياها.. هذا السلوك الحضاري لاجهزة السياحة المصرية سوف يكون له مردود في المستقبل من خلال ما سوف يقوم به هؤلاء السياح من دعاية لمصر بعد عودتهم إلي بلادهم وهو الامر الذي يساوي في قيمته الدعائية اي تكلفة مادية. ان ما حدث يدعونا إلي توجيه الشكر إلي كل العاملين في الطيران المدني وفي السياحة علي حسن تعاملهم مع هذه الازمة القدرية.. ولقد فاض كرم الله علينا وعلي العالم بعد هذه المحنة بهذه الانباء السعيدة عن تراجع اخطار السحابة وبدء انفراجه في الازمة بفتح المطارات وعودة تنظيم الرحلات الجوية.