مازال الحديث متصلاً حول التضفيرة المصرية الفريدة من نوعها غير المتكررة في أية أمة من أمم الدنيا وهي تضفيرة متجلية في الجغرافيا "النهر الصحراء البحر" وفي الحضارة والثقافة كما في التاريخ والمجتمع.. ثم إن هذا وهو الأهم تضفيرة شديدة الإحكام إذا حدث وتفككت فهي كارثة بكل المعايير، لأنها تتحول من فائدة متراكمة متعاظمة إلي ضرر متكاثف مخيف. وهذه التضفيرة أو هذا المركب الحضاري يماثل المركبات الطبيعية كالماء مثلا، إذا فككته إلي عناصره الأولية فإنه يفقد شكله وجوهره ووظيفته وقد تكون هذه العناصر سامة إذا انتزعت من تركيبتها. وتخيلوا معي أننا عطشي للماء وذهبنا نطلبه فإذا بمن يعطينا ذرة أكسجين وذرتين أيدروجين ويقول اشربوا حتي ترتووا!! باعتبار أن الماء مكون من أكسجين وأيدروجين بنسبة واحد إلي اثنين وعندها تكون النتيجة الحتمية هي الموت!! نحن نشاهد بأعيننا الآن، أو علي عينك يا تاجر كما يقولون، تفكيك التضفيرة المصرية أو المركب الحضاري الثقافي التاريخي المصري إلي عناصره الأولي، أي إلي ما قبل المجتمع المركزي المتجانس الموحد الذي نشأ من حول النهر الخالد قبل آلاف السنين! يتم تفكيكنا إلي جهات "صعيد بحري سينا مطروح ، نوبة" ويتم الحديث عن المواطنين المصريين في سينا ومطروح باعتبارهم البدو في سينا والبدو في مطروح! ويتم تفكيكنا إلي أديان "مسلم مسيحي بهائي" وداخل كل دين يتم التفكيك إلي طوائف "سني شيعي" و"أرثوذوكس كاثوليك إنجيليين سبتيين شهود يهوه"، وداخل كل طائفة يتم التفكيك إلي جماعات، فأهل السنة فيهم "الأشراف المتصوفة السلفيون الإخوان وغيرهم" والشيعة فيهم "اثني عشرية وزيود وإسماعيلية وغيرهم" وكذلك بالنسبة للأرثوذكس أصبحوا كنيستين، بعد أن ظهر البطرك ماكسيموس في وجود البابا شنودة!! وإذا مضينا في رصد جوانب ومظاهر هذا التفكيك، فإن النوم لابد أن يطير من عيوننا، ولابد أن نصاب بالرعب ونشفان الريق ونبادر إلي الحركة الفورية المباشرة لمواجهة النتائج التي منها الآن أحداث إمبابة وأحداث أطفيح وصول وأحداث نجع حمادي وكل مظاهر العنف والتردي التي تمسك بخناق الأمة! إن جريمة القابعين الآن في السجون ليست هي الفساد والإفساد ونهب البلد، وإنما جريمتهم الحقيقية التي يستحقون عليها أقصي وأقسي عقاب من رب السماوات قبل محاكم البشر هي تفكيك البلد وتركه فريسة لأعدائه ليفعلوا فيه ما يريدون وقد فعلوه حقيقة وليس مجازًا. نحن أمام مهمة وطنية بالغة الثقل لكي نعيد دمج عناصر وجودنا الحضاري الثقافي التاريخي ثانيةً، ولكي نمنع الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي تتدفق نتيجة ما حدث من تفكيك، ثم البحث عن مواقع الاختراق التي استطاع أن ينفذ منها العدو وهو عندي الصهاينة والمتصهينون الذين نعرفهم جميعا لكي نواجه هذا الاختراق بكل الوسائل المتاحة حتي وإن استلزم الأمر استخدام العنف.. ولكنه العنف العادل الذي يستمد شرعيته من القانون ويطبقه القضاة في المحاكم وتنفذه جهات التنفيذ!.. وذلك حتي لا نضيف ثغرة جديدة هي ثغرة الاقتصاص من الآخر بعيدًا عن المؤسسات الشرعية أي الرسمية للقصاص. ولنا عودة إلي تضفيرتنا المصرية في مقالات لاحقة إن شاء السميع البصير.