أي متابع للأداء الاقتصادي للحكومة، يكتشف ببساطة، ان كل ما درسناه من نظريات في علم الاقتصاد شيء، وما يجري في مصر شيء آخر. واذا اشار البعض بأصابع الاتهام، الي صندوق النقد الدولي، بانه وراء المعاناة التي تعصف بنا جميعا، تجد كل رجالات الحكومة، يكررون العبارة اياها :» برنامج الإصلاح مصري 100%». ولا مصري ولا حتي عربي، بدليل اننا نخرج من » نقرة ».. نلاقي نفسنا في » دحديرة ».. حتي اصبحت العبارة اليائسة » مفيش فايدة ».. تتردد علي كل لسان. الغريب انه وسط هذه العتمة خرجت اصوات تنادي..» هاتوا يوسف بطرس غالي ».. فالرجل اللاجئ إلي بريطانيا تستعين به دول عدة مثل اليابان والبرازيل وبعض دول افريقيا.. لحل مشاكلها المعقدة. ووصل الامر إلي حد استضافة الإعلامي أسامة كمال الدكتور غالي في برنامجه علي قناة »دي ام سي » وسأله عن امكانية عودته إلي مصر..لمساعدتها في الخروج من ورطتها الاقتصادية. فرد غالي : نفسي.. بس ازاي ؟! انا متهم في عشرات القضايا وصدرت ضدي احكام كثيرة. فقال له اسامة : يمكنك ان تقدم المساعدة من هنا. فرد غالي : لا.. لازم اكون في وسط المشكلة علشان اقدر احلها ! وانا بدوري ورغم علاقتي الطيبة مع الدكتور غالي وإعجابي بقدراته الاقتصادية، ودعواتي ان يفك الله كربه، الا انني اقول ان وجود د. غالي لن يزيد الأمر الا تعقيدا. فمن يديرون السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية حاليا، هم اصلا، من نفس مدرسة غالي، بل تلاميذه. ولن يفعل غالي اكثر مما يفعلون. الحل - في رأيي - ليس في الإتيان بغالي او حتي الاقتصادي المصري العالمي محمد العريان، وانما في الضرب عرض الحائط، بإملاءات صندوق النقد الدولي، والتعامل مع المشاكل وفقا لظروف مصر التي تختلف بكل تأكيد عن البلدان الاخري. اما التعامل مع شروط الصندوق علي طريقة..» سمعا وطاعة » فلن تزيد الازمة الا مزيدا من المعاناة والتعقيد. فاتورة استنشاق الهواء الأحد : استيقظت علي جرس الباب. لا أحد في المنزل سواي. اتجهت بخطوات متثاقلة، وعيون شبه مغلقة إلي الباب. فتحت بلا اكتراث. وقبل ان ارفع رأسي لأعرف من يكون، صدمني صوته : 2112 جنيها يا أستاذ. تأملته بامتعاض. إنه كمسري الكهرباء، أقصد المحصل. انتظرت قليلا، بينما أقلب في ذاكرتي، كي أتأكد من توافر هذا المبلع، ثم قلت وانا أهم بإغلاق الباب : عدي علي بعد يومين. ألقيت بجسدي علي أقرب مقعد في الصالة، وتنهدت طويلا، أسندت رأسي علي كفي، وشردت في جبل الهموم. فكرت في دخول المطبخ لإعداد كوب شاي، حتي ابدأ في التدخين كعادة كل صباح، كي أنفث ما بداخلي من آهات مكتومة. وقبل ان أهم من جلستي، فزعت علي صوت جرس الباب من جديد. لابد ان كمسري الكهرباء عاد من جديد. اتجهت إلي الباب غاضبا، فتحته بعنف، فإذا بي أجد محصل الغاز. تمتمت بيني وبين نفسي : فواتير تاني !! ابتسم المحصل وناولني حزمة أوراق، نزعت الفاتورة منها وأعدت اليه اعلاناته. نظارة القراءة ليست معي. نطق المحصل : 166 جنيها. لم انطق ببنت شفه. دعبست في جيب البيجامة. أظن به باقي 200 جنيه، بعد ان اشتري لي البواب امس علبة سجائر. سلمت المحصل ثمن الفاتورة واتجهت إلي المطبخ. فقد أصبح التدخين مع كوب الشاي ملحا جدا. تذكرت وأنا أتأمل دخان سيجارتي الكثيف، عبارة زوجتي المكررة : يا أخي خاف علي صحتك، هو الدكتور مش كل مرة بيحذرك. ابتسمت بلامبالاة وانا أتذكر ردي المكرر ايضا : السيجارة يا سيدتي هي الشيء الوحيد الذي أفرغ فيها غضبي، بكل حرية، ولا تتذمر أو تحتج !! ارتديت ملابسي وأخذت طريقي إلي العمل، استوقفني البواب فور نزولي من الاسانسير، ومد إلي فاتورة الصيانة الشهرية مبتسما. أعطيته المبلغ المطلوب واتجهت إلي سيارتي في الجراج أسفل العمارة. قابلني عم عادل مسئول الجراح بابتسامة باهتة. جهزت له الإيجار الشهري. فاقترب مني هامسا : الإيجار زاد 20 جنيها ! وقبل أن أحتج لاحقني بالاسطوانة المشروحة : معلش انت عارف التعويم والبنزين والاسعار وخلافه. ياربي.. لسه الانترنت والمحمول والتليفون الارضي. ركبت السيارة وأحكمت غلق الباب والزجاج وكأنني أخشي من مجهول يطل علي طالبا سداد فاتورة استنشاق الهواء!!. رحمتك يارب ! أنا.. أنا بعشقك الثلاثاء : النوم يعاندي.. رغم جسدي المنهك. أمسكت الريموت وظللت أتنقل بين القنوات. كل شيء يثير الأعصاب. برامج توك شو.. رغي بلا طائل.. ومشاكل لا تنتهي. قمامة.. فقر.. مرض..إرهاب.. تنظير من أناس مدعين، أزمة قطر تفرض نفسها. وفجأة وقعت عيناي علي وجه ملائكي.. تساءلت هل هي سيدة الشاشة فاتن حمامة.. برقتها وبراءتها ؟ لا لا.. ياالله.. انها ميادة الحناوي.. كبرت يا ميادة. لكن ما زلت كما عرفناك.. صوتا ناعماً دافئاً.. رغم علامات السن التي حفرت خيوطها علي وجهك الملائكي. سألها الإعلامي وائل الابراشي في برنامجه » العاشرة مساء » الذي امتد حتي ساعات الصباح الاولي : هل احبك الموسيقار بليغ حمدي ؟ ردت بتلقائية وخجل، وعيناها تزداد لمعانا : ما أدري. حاول وائل ان يغوص في اعماقها للحصول علي اجابة قاطعة دون جدوي. وجاء الرد من خلال مداخلة هاتفية من المنتج الشهير محسن جابر قائلا : يا أستاذ وائل.. من الذي لم يحب ميادة الحناوي ؟!.. في اشارة إلي ان بليغ وغيره وقعوا في غرامها. بل وصل الأمر إلي حد منعها من دخول مصر لمدة 13 عاما، بسبب غيرة زوجة ملحن كبير منها. عشت ليلة هانئة مع صوت ميادة، اغانيها الخالدة التي تعلمنا العشق والغرام والهجر والخصام الحلو عليها. يا الله.. ما هذا الجمال.» انا انا بعشقك »..» كان ياما كان »»..» حبك ماينتهيش »..» حبينا واتحبينا ».. وغيرها وغيرها من الأغاني الرائعة التي تتسلل إلي الوجدان بصوت ميادة العذب. يا الله.. لقد تبخرت جبال الهم والغم التي كانت تطبق علي انفاسي، واختفت مشاهد الذبح والقتل والقبح التي تحاصرنا صباح مساء. ألهذا الحد يمكن ان يكون الفن علاجا لنفوسنا الموجعة. يا رئيس الهيئة الوطنية للإعلام.. ارجوك اعطنا هذا الدواء. أعد حفلات اضواء المدينة وأسعدنا بالاصوات الثمينة امثال ميادة الحناوي وهاني شاكر وشرين عبد الوهاب وانغام ومحمد الحلو ومحمد ثروت ومنير. أنقذنا من عالم الحروب والارهاب والمهرجانات المنفرة. وأعد الدور الرائد للتليفزيون في الارتقاء بوجدان الشعب. شكرا قناة دريم فقد غسلت بإطلالة ميادة الحلوة ما علق بنفوسنا من أدران. المفتاح لا يزال في جيبي ! الأربعاء : هناك شخصيات، تسكن القلب وتحتل الذاكرة، مهما باعدت السنون بينها وبينك. من بين هؤلاء بالنسبة لي، الشاعر الفلسطيني ابراهيم ابو عجمية، الذي افتش عنه عبر مواقع التواصل ولم افلح في الوصول اليه. عرفته عن قرب في مدينة أبها عروس جبال السروات بالمملكة العربية السعودية، ولا يفارق مخيلتي رغم افتراقنا. كنا نلتقي كثيرا مع مثقفين سعوديين في مقر جمعية الثقافة او النادي الأدبي. نتبادل أطراف الحديث حول الأوضاع العربية خاصة المشكلة الفلسطينية. احتد النقاش بيننا ذات مساء في ثمانييات القرن الماضي، عندما تطرق الحديث إلي معاهدة السلام بين مصر واسرائيل. كان ابو عجمية علي قناعة ان حلم الدولة الفلسطينية لن يتحقق الا بالدعم المصري المتواصل. وخشي ان تكون المعاهدة بداية النهاية للحلم الفلسطيني. قال الشاعر الرقيق والدموع تلمع في عينيه : لقد ضاعت قريتي »مغلس » التابعة لقضاء الخليل عام 48. لكننا كفلسطينيين ظللنا نتعلق بوعود عبد الناصر حتي بعد نكسة 67. وصدمنا جميعا عندما وقع السادات اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني. لكن رغم ذلك مازلنا نري في مصر، الشقيقة الكبري القوية القادرة علي اعادة ما سلب منا. ومد يده إلي جيبه وأخرج مفتاحا كبيرا يعلوه الصدأ قائلا بصوت تخنقه الدموع : مفتاح بيتنا لا يزال في جيبي وسوف يرثه ابنائي، وكلي ثقة أنهم سيعودون إلي » مغلس » مهما طال الزمن. أفيقوا ياعرب. لن يرحمكم التاريخ ان لم تعد فلسطين إلي أهلها. النصب السياحي الجمعة : بينما كنت ابحث عن مكان هادئ لقضاء اجازة مريحة في احد الاماكن السياحية. فوجئت بصهري يعرض علي مشاركته وبعض الاقارب في رحلة إلي الغردقة تنظمها شركة سياحية. وافقت علي الفور مدفوعا بانطباع طيب عن منتجعات البحر الاحمر من خلال رحلات سابقة. وفي اليوم المحدد الجمعة 14 يوليو، انطلق بنا الاتوبيس السياحي عبر طريق الجلالة الجديد إلي أحد المنتجعات. الطريق الذي تم شقه عبر الجبال الشاهقة، يسر النفس والعين، ويعد اقوي دليل علي نجاح بلادنا في فعل المستحيل. طريق من عدة حارات وفق اعلي المواصفات الفنية. شيء يدعو للفخر، ويبعث الامل في النفوس. بداية مبشرة» لكن الحلو مايكملش»، فمان وصلنا المنتجع المقصود إلا وصدمتنا المشاهد الأولية، فمنذ لحظة الوصول إلي الفندق، بدأت رحلة العذاب. فلم نجد من يساعدنا في إنزال الحقائب من الباص. ولم نجد من يستقبلنا ولو بابتسامة. أما مشهد الزحام والهرج والمرج والفوضي، في صالة الاستقبال، فحدث ولاحرج، حتي ظننت اننا اخطأنا الطريق إلي سوق عشوائي. خناقات، وناس تجلس علي الارض، وزبالة وموظفو الاستقبال لا حول لهم ولا قوة. اما دورة المياه في صالة الاستقبال، فرائحتها كريهة. قمت بمعاينة المطعم ومرافق المنتجع من حمامات سباحة وخلافه، قبل إنهاء إجراءات استلام الغرف. فوجدت كل شيء ينطق بالفوضوية والإهمال.. الاكل سيئ - ان وجد-، ولك ان تتخيل خناقات السياح للحصول علي قطعة دجاج، والشيف وهو يغرف لك الارز بطبق بدلا من المغرفة. شيء مقرف، الأدهي انك لا تجد مسئولا تشكو اليه. امضيت ست ساعات في الاستقبال حتي نجحنا في إلغاء الحجز بالتنسيق مع مدير الشركة السياحية بالقاهرة . واضطررنا إلي الذهاب إلي فندق شهير آخر وقبول دفع سعر اعلي، حتي لا نضطر إلي المبيت في هذا الفندق الرديء. السؤال الملح : ماذا لو حدث هذا مع فوج سياحي أجنبي ؟ الخسائر لن تلحق بهذا المنتجع الفوضوي وحده وإنما بالسياحة المصرية بشكل عام. أين وزارة السياحة من هذا النصب السياحي الفاضح والعشوائية في بعض المنتجعات السياحية؟ لو كان الامر بيدي لأغلقت اي منشأة سياحية مخالفة فورا. فالسياحة » مش ناقصة ». ان الصمت علي المنتجعات المتردية في خدماتها والشركات السياحية المتعاونة معها، جريمة في حق السياحة والاقتصاد الوطني. آخر رسالة إليها الجمعة : تعالي إلي.. فإني أخبئ بين الجذوع.. وفوق النسيم.. حكايات عشقي. رسمتك منذ السنين الطوال.. علي مهجتي. تغير حولي الزمان.. وما زلت أنت. تعالي احمني من هجير الحياة. فتحت جدائك جنات ربي. تعالي أروني.. إن صدري بدونك.. مثل الصحاري. أحبك أنت بكل المعاني.. فكل اللواتي عشقت.. تجمعن فيك