منذ نحو شهر كتبت في نفس هذه المساحة بعنوان "إلا القضاء " معلقا علي بيان رؤساء المحاكم والاستئناف في الاسكندرية الذي صدر في أعقاب تعرض عدد كبير منهم لمحاولات ترويع وبلطجة داخل غرف المداولة. ودعوت مختلف وسائل الاعلام الي ضرورة أن تهب للدفاع عن القضاء لكن شيئا لم يحدث. وفي نهاية الأسبوع الماضي تكررت الظاهرة بوضوح أكثر في محكمة جنوبالجيزة التي تعرضت للتدمير والتحطيم في مهزلة غريبة علي يد عدد من أقارب المجني عليهم في أحداث ثورة 25 يناير لمجرد صدور قرار ضد رغبتهم هم وكأن المفروض علي القضاة أن يتجاهلوا القانون ويتفرغوا فقط لتنفيذ أحكام الادانة كما يراها المتقاضون . وكتبت وقتها وأكرر اليوم أن القضاء هو حارس المشروعية والحريات، و أن القضاء العادل هو صمام الأمن في المجتمع فإليه يلجأ كل مظلوم بحثا عن الانصاف . ومن هنا وجب علي الجميع دون استثناء أن ينتصروا للعدل فينتصروا للقضاء . وأؤكد أيضا علي ما قاله المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة من رفض محاولات النيل من قضاء مصر من جانب بعض الذين يحرضون عليه ويتهمونه بالفساد. واضيف أن اعتداءات المتقاضين علي القضاة والوصول الي حد مطاردتهم في الشارع اعتراضا علي حكم قضائي هو نذير شؤم بضياع هذه المؤسسة التي ينبغي أن تظل عالية شامخة والا ضاعت هيبة القضاء وانهد أساس الملك . واذا كان لدي البعض وجهات نظر معارضة فان هذا لا يكفي مبررا للتشكيك علي صفحات الصحف لأن من يطهر القضاء هم القضاة أنفسهم في اطار الدعوة المستمرة الي ضرورة الاستقلال الكامل للقضاء وهي الدعوة التي خرجت أصلا ومنذ زمن بعيد من قضاة مصر الشرفاء أنفسهم . لقد أمهل القضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة والحكومة ووزارة الداخلية أسبوعا لاتخاذ كل ما من شأنه تأمين المحاكم والقضاة من أعمال البلطجة وأني علي ثقة من أن أيا من المجلس الأعلي أوالحكومة لن يدخر وسعا في تحقيق هذا المطلب المشروع .غير أنني أعود الي دعوة المسؤولين في مختلف الوسائل الاعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية مجددا الي ضرورة التركيز علي دعم قضاء مصر وقضاتها من خلال وسائل اعلامهم لتبيان مدي الخطر الذي يمكن أن يواجهه المجتمع في حال استمرار مثل هذه الظاهرة القبيحة المرفوضة جملة وتفصيلا ضد القضاء لأن هدم القضاء يعني هدم أسس بناء الحق وتبيان الحقيقة . لا يعجبني : اتحاد الاذاعة والتلفزيون المصري هذه الأيام فهو في حال لا يسر عدوا ولا حبيبا . كل شيء في المبني العتيق يعاني من اللاانضباط والفلتان الكامل . الفوضي هنا وهناك خارج المبني وفي صالة الاستقبال وأمام المصاعد وخلفها وفي الأروقة وداخل الاستديوهات وخارجها وداخل المكاتب المتراصة وخارجها . الجميع هناك في انتظار شيء ما وكل المسؤولين يشعرون أنهم في حال تأقيت الي أجل غير مسمي . التغييرات المتتالية تصدر دونما دراسة وبسرعة أقرب الي التسرع مما أدي ويؤدي الي مزيد من المشاكل. والاستاذ الدكتور سامي الشريف الخبير الاعلامي الذي تولي التدريس في كلية الاعلام لكل العاملين في المجال الاعلامي تقريبا والمؤهل نظريا تماما لا يعرف من المبني ربما سوي الطابقين الثامن الذي يوجد فيه مكتبه والتاسع الذي يضم مكاتب أخري مهمة بينها مكتب وزير الاعلام الخالي . فخبرة الدكتور سامي الطويلة في العمل الأكاديمي لا تسعفه ولن تسعفه للتعامل مع هذا المبني وساكنيه وهو المتطرف أدبا ولطفا وهدوءا كما الحكماء والفلاسفة . فساكنو هذا المبني أصبحوا ينتهون من اعتصام للدخول في اعتصام ويفضون مظاهرة للدخول في مظاهرة نجحوا أيما نجاح في القضاء علي أي نوع من أنواع الاحترام في التعامل بين البشر , وعندما ستصدر لائحة الأجور الجديدة "المخفضة "لا أعتقد أن كثيرين سيبقون في مواقعهم حيث سيكون الأفضل لهم الاستقالة من أي مواقع قيادية خصوصا وقد تحولت المناصب القيادية الي محرقة مخيفة لمن يقبل توليها . واليوم تتكرر مشاهد الاعتصامات والاحتجاجات من العاملين في المبني لكن ليس طلبا للتغيير بل طلبا للحصول علي الرواتب الأساسية فقط حيث تأخر صرف الحوافز منذ يناير الماضي دون ان يعلم هؤلاء المعتصمون أنهم هم أنفسهم السبب في الأزمة المالية الطاحنة . فالايرادات التي كانت تساعد التلفزيون علي الوفاء بالتزاماته اليومية الأساسية وغيرها اختفت تقريبا فلم يعد هناك شيء يجذب اعلانات في مختلف محطات التلفزيون في كل قطاعاته في الوقت الذي تظهر بشكل أسبوعي قنوات "ثورية " فضائية جديدة بأسماء فضائية معروفة وشهيرة فما بالنا اذا علمنا أن هذه القنوات مستعدة لبث الاعلانات بأي مقابل كان ! . ويجري هذا في الوقت الذي يعيد فيه التلفزيون الي شاشته مذيعات انتهي عمرهن الافتراضي جيء بهن من بيوتهن أو من اماكن أخري ومذيعين كذلك جيء بهم من غياهب التقاعد الاختياري أو الاجباري . وبمجرد الاعلان عن محاولات احياء بعض البرامج التي كانت جاذبة بتعيين بعض الكفاءات من خارج المبني تعود الأصوات الداعية الي حرق كل القادمين من الخارج .. وعندما أراد الدكتور سامي الشريف احداث تغيير مهم قام باختيار مجموعة من الخبراء الاعلاميين لعضوية مجلس أمناء اتحاد الاذاعة والتلفزيون ومعظمهم -9 من 13 - من الذين تخطوا سن المعاش بسنوات علي الأقل لكي يشاركوا في وضع خطط المستقبل ! ولم يلاحظ أن اثنين منهما اختارهما هو نفسه للعمل التنفيذي كمذيعين ليصبحا في موقف المبدع والحكم علي الابداع في آن واحد . من هنا لا يكون من قبيل التشاؤم اذا ما قلنا أن مستقبل الاعلام التلفزيوني الرسمي في مصر يبدو مائلا الي اللون الأسود القاتم . يعجبني: الثبات علي المبدأ لهؤلاء الكتاب الذين لم يخشوا المعارضة في عز عنفوان النظام السابق ومن هنا يصبح مكروها لجوء كثير من الصحفيين والاعلاميين الزملاء من الجدد في مواقع المسؤولية الي التركيز في كتاباتهم علي ما يرونه خطايا ارتكبها السابقون عليهم والسابقون علي السابقين عليهم في اتجاه نفاق ومهادنة أو علي الأقل مجاملة النظام السابق ورموزه علي مدي سنوات قصرت أو طالت. ولهؤلاء أنفسهم أقول ان العودة السريعة الي أرشيف كتاباتهم التي كانت آنذاك بعيدة عن بؤرة الاهتمام والتركيز تثبت بما لايدع كثيرا من الشك أنهم لم يكونوا أقل ممالأة أو علي الأقل مجاملة للنظام السابق وأنه لو أراد المولي سبحانه وتعالي وتولوا في ذلك الوقت نفس المسؤولية التي تولاها السابقون عليهم والسابقون علي السابقين عليهم لما اختلف الأمر قيد أنملة . ولهم جميعا أقول ما قاله السيد المسيح عليه السلام لقومه : " من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". وكلي يقين من أن كل الزملاء في مواقع المسؤولية في المؤسسات الاعلامية الحكومية - التي لم تعد بعد قومية - سيتوقفون تماما عن إلقاء الحجارة إلا اذا كانوا - في معظمهم - يحتاجون الي اعادة نشر بعض وليس كل ما كتبوا قبل أول فبراير 2011 . [email protected]