قبل أن أذهب لأحاوره فضلت زيارة المشروع العملاق لنرصد ما يجري علي أرض الواقع، وسط لهيب الشمس رصدنا فريق العمل من مهندسين وعمال يسابقون الزمن تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لانجاز المقر الجديد والدائم للمشروع القومي للنهضة العلمية الذي طال انتظاره »مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا» الذي يقع علي مساحة 200 فدان بأكتوبر ويضم جامعة زويل و7 معاهد بحثية متطورة ومركز للدراسات الاستراتيجية وممشي للعلوم والمعرفة وهرم التكنولوجيا، ومن المقرر أن يتم افتتاح المرحلة الأولي أول نوفمبر المقبل، بعد زيارة المشروع انتقلنا إلي المقر المؤقت في أول تواجد اعلامي داخل المدينة الجديدة حيث التقينا العالم الشاب د. شريف صدقي الرئيس التنفيذي لمدينة زويل للعلوم، والذي كشف في حواره الخاص ل »الأخبار» أسس المنظومة التي تقوم عليها المدينة، كما كشف صدقي عن المشروعات البحثية الجاري تنفيذها في المدينة ومنها مشروع معالجة الأسمدة الذي يوفر للدولة المليارات، كذلك مشروع ابتكار طرق جديدة لعلاج مرضي فيروس سي ومرضي السرطان، وأعلن صدقي معايير قبول طلاب الثانوية بجامعة زويل ومعايير تقييم أعضاء هيئة التدريس والباحثين • في البداية..ما الفلسفة التي يقوم عليها مشروع مدينة زويل؟ مدينة زويل باعتبارها مشروع مصر القومي للنهضة العلمية تقوم علي منظومة علمية متكاملة تبدأ من إعداد الطالب وحتي عبور الفجوة ما بين الأكاديمية والصناعة وإمكانية توطين الصناعة، بحيث يكون لدينا الدورة الكاملة ونقوم بإعداد طلاب في المجالات العلمية المتقدمة التطبيقية، والقيام بعمل بحوث تطبيقية هدفها التعامل مع كل التحديات الاستراتيجية التي تواجه مصر، فمدينة زويل تعمل علي إعداد جيل جديد قادر علي التفكير النقدي المبتكر، وفي الوقت نفسه إتقان العلوم الأساسية، ومشكلة مصر تتمثل في الفجوة الكبيرة ما بين الصناعة وبين البحث العلمي، فلايوجد ربط بين الأثنين، فالصناعة في مصر لاتمتلك حق المعرفة، وتحتاج في الوقت نفسه أن تقدم حلولا لمشاكلها، وبالتالي هدفنا في النهاية التأثير الإيجابي في منظومة الاقتصاد والتحول إلي الانتاج والاستفادة من المواد الخام التي نمتلكها في مختلف المجالات والتحديات التي تواجه مصر ومنها علي سبيل المثال حلول أمراض السكر وفيروس سي والسرطان، ممايوفر مليارات من العملة الصعبة. جامعة مختلفة ما أدوات تحقيق هذا الهدف؟ الجيل الذي يخرج من عندنا لابد أن يملك الريادة والمبادرة نقوم ببناء عقل قادر علي إيجاد الحلول وتنفيذها علي أرض الواقع باستخدم الوسائل التكنولوجية الحديثة، وهذا يجري تنفيذه من جامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا التي تمثل قلب مدينة زويل، ونحن نتحدث عن جامعة مختلفة ليست بها أقسام أو كليات، فهي عبارة عن مجموعة من البرامج الأكاديمية البينية، ونحاول هنا مواكبة أحدث ما توصل إليه العلم، فلاتوجد أية حواجز أو حدود بين التخصصات المختلفة، فالهندسة والعلوم لاتوجد حواجز بينها، والبرامج المتطورة هي المزيج بين الكيمياء والهندسة والرياضيات والفيزياء، وهي الصورة الموجودة والتي تتميز بها جامعة زويل فلدينا 4 برامج فريدة تندرج تحت الهندسة ( هندسة النانو تكنولوجي - هندسة الطاقة الجديدة والمتجددة - الهندسة البيئية - هندسة الفضاء وتكنولوجيا المعلومات)، وفي العلوم الطبية (علوم النانو- علوم الطب الحيوي -علوم الكونيات - وعلوم المواد). تنمية الخبرات من هم الطلاب المستهدفون ؟ أحد الأهداف الرئيسية للجامعة استقطاب الطلاب النابهين وربط دراستهم النظرية بالجانب العملي فكل محاضرة يحصل عليها الطالب لها تطبيق عملي لتنمية الخبرات العملية لدي الطلاب لتعميق فهم الطلاب وتحفيز قدرتهم علي الابتكار، ولأول مرة في مصر يتم ربط طلاب الجامعة بالمعاهد البحثية، فكل برنامج أكاديمي سواء في مرحلة البكالوريوس أو مرحلة الدراسات العليا مرتبط بمعهد بحثي فبرنامج العلوم الطبية الحيوية علي سبيل المثال مربوط بمعهد العلوم الحيوية وبرنامج تكتولوجيا مربوط بمعهد النانو.وهذا الربط مهم جدا لأنه يضمن بناء عقل الطالب بصورة سليمة، وبرامج بينية متطورة وفي الوقت نفسه تم ربطه بالمعمل البحثي التطبيقي الذي يصب في النهاية لخدمة الصناعة، وهذه المعاهد تعمل علي أرض الواقع حاليا. وقدمنا بتخريج دفعة من برامج العلوم وهذا العام سيتم تخريج أول دفعة من برامج الهندسة، وجميع هذه البرامج معتمدة من المجلس الأعلي للجامعات لضمان تسجيل خريجي هذه البرامج في النقابات التابعة لها، علما بأننا نتحدث عن تخصصات فريدة غير تقليدية. نعود إلي نقطة البداية في الجامعة.. كيف يتم القبول بها وإلي أي درجة يتأثر الطالب بالنظام التعليمي القادم منه ؟ الخامة التي نتعامل بها هي الطلاب القادمون من الثانوية العامة أو مايناظرها، اختيار هؤلاء الطلاب لايعتمد علي معيار مجموع الثانوية العامة فقط فلدينا مجموعة مراحل، فنقطة البداية ألا يقل مجموع الطالب المتقدم للمدينة عن 96% وآخر موعد للتقدم هذا العام 29 يوليو الجاري، والمعيار الثاني للقبول درجات الطالب في العلوم والرياضيات يتم ضربها معامل أكبر من واحد لتعظيم تأثيرها، ثم الخطوة الأهم واختبارات القبول والذي يقوم يقياس مدي فهم الطلاب للعلوم الأساسية (الرياضيات - الفيزياء - الأحياء)،إضافة قدرة الطالب علي التعامل مع المشكلات وإيجاد حلول لها، وهذه المراحل تعطينا صورة مختلفة تماما لنتيجة الثانوية، فبعض الحاصلين علي 100 % في الثانوية يرسبون في هذه الاختبارات فأول اختبار تقدم للجامعة 6 ألاف طالب تم قبول 300 منهم فقط،فالتصفيات قوية جدا من كل 20 طالبا يتم قبول طالب واحد، ولا تتوقف مراحل القبول عند الاختبارات فهناك المقابلة الشخصية للتأكد من قدرة الطالب علي التعايش مع تجربة التعليم في الجامعة، وطلاب جامعة زويل يمثلون 27 محافظة، علما بأننا لانضع المستوي في اللغة الإنجليزية عائقا أمام القبول فيتم تحسين مستوي الطلاب. التكلفة الحقيقية كم تبلغ مصروفات الجامعة ؟ هدفنا في الأساس الطالب الموهوب ولانحرم طالبا موهوبا غير قادر بشكل حقيقي علي سداد المصروفات من الالتحاق بالجامعة، والمصروفات تقدر ب 110 ألاف جنيه في السنة وهي أقل بكثير من التكلفة الحقيقية للطالب والتي تصل إلي 250 ألف جنيه في العام، لأن عدد الطلاب في الفصل الواحد لايزيد علي 30 وكل طالب له إمكانات معملية خاصة به، وهذه تكلفة كبيرة. تعاني منظومة البحث العلمي من فجوة في ارتفاع معدلات النشر دون الاستفادة الحقيقية منها.. بم تفسر؟ هذا يجعلنا نعود إلي الحديث عن المنظومة المتكاملة للبحث العلمي، ولابد من وجود معايير واضحة لتقييم عضو هيئة التدريس والباحث لاتعتمد علي مجرد النشر فهناك من يبحث عن النشر من أجل الترقية أو الالتحاق بوظيفة او الإعارة، ولابد أن نعتمد علي كيف وليس الكم فالابحاث لابد أن تنشرفي مجلات محكمة عالميا ولها تأثير قوي، ويضاف إلي ذلك معايير مساهمة الأستاذ في بناء معامل وقدرته علي تحفيز الطلاب، وتحقيقه لبراءات اختراع وليس مجرد الحصول علي البراءة ولكن النظر إلي مدي الاهتمام بها وأي جهة في الصناعة اهتمت وحققت استفادة منها أم تم وضعها في الأدراج. بالنظر إلي واقع منظومة البحث العلمي في مصر ما هي أسباب غياب الثقة بينها وبين الصناعة؟ المُصنع لديه اختياران، الأول الحصول علي ترخيص من الخارج لانتاج منتج معين وهذا هو الأسهل وعائد الربح الخاص به سريع جدا، أو مستثمر يفكر في تطوير منتجات أو صناعات معينة وهذا يتطلب توافر إمكانات بحثية معينة إضافة إلي توافر باحثين قادرين علي تحقيق ذلك، وفي الحقيقة لدينا ذلك في مصر ولكن ينقصنا التناغم وتنسيق الأدوار داخل المنظومة وتوفير الوقت الكافي للبحث للوصول إليه، وهذا ما نسعي إليه فليس دورنا حل كل المشاكل، دورنا وضع نموذج يحتذي به في باقي مؤسسات الدولة. إحداث طفرة أعاود الأسئله.. كم تبلغ تكلفة المقر الجديد ومتي يتم الانتهاء منه؟ تكلفة الانشاءات علي الأرض حتي الأن 4 مليارات جنيه وسيتم افتتاح المرحلة الأولي والانتقال إلي المقر الجديد أول نوفمبر القادم لبدء مرحلة جديدة من مراحل مشروع النهضة العلمية، فالمقر الجديد بما يمتلكه من إمكانات سيساهم وبشكل كبير في إحداث طفرة ونحتاج دعم المجتمع المدني استكمال الطريق، فحتي لاتتوقف مسيرة المشروع نحتاج 5 مليارات جنيه وديعة لضمان استمرار المدينة ودعم البحث العلمي. طالبتم في 2014 بضرورة توافر 4 عناصر لتحقيق النهضة العلمية إلي أي مدي الدولة تحركت في هذا الاتجاه؟ هناك اهتمام أكثر من الدولة بالبحث العلمي، نحتاج استكمال دورة مخرجات البحث العلمي لتحويلها إلي منتح وكيف نشجع المستثمرين الذين يبدأون الاعتماد علي البحث العلمي، وهذا يحتاج تعديلات تشريعية بمعني تسهيل قدرة الصناعة علي استخدام المكونات المحلية وكيف تستطيع التعامل مع المخرجات البحثية وأن يقدم له حوافز للاعتماد علي تطوير البحوث محليا وليس الاعتماد علي الأجنبي والمشكلة الأساسية في الدولار أننا نعتمد علي الاستيراد بشكل أكبر والبديل للسياحة هو الاستفادة من المواد الخام ونقوم بتصنيعها بدلا من تصديرها وإعادة استيرادها كمنتجات بالعملة الصعبة. ولابد أن يكون منتجا علي مستوي عال أو علي الأقل يحقق الاكتفاء الذاتي. بحث علمي وما المنتجات التي نستطيع أن نحقق من خلالها قفزة؟ الأدوية تأتي في المقدمة والقدرة علي تصنيع المواد الفعالة محليا، وهذا يتطلب وجود بحث علمي قادر علي تطوير المواد الفعالة ويكون سعرها منافسا للمنتج الأجنبي، ونحتاج إلي تعديلات تشريعية وتقوم وزارة الصحة بوضع الضوابط اللازمة لتصنيع الدواء داخليا، وضمن خطط المدينة مستقبلا إنشاء مصنع للدواء. هل نحتاج هيئة مستقلة لإدارة البحث العلمي ؟ لا.. ما نحتاجه وجود تواصل بين الوزارت المعنية بشكل أكبر في إطار رؤية مشتركة بحيث لا يدور البحث العلمي في الفراغ وتكون هناك خطط للاستفادة القصوي منه، وحتي يكون التمويل البحثي موجها لاحتياجات الصناعة، نحتاج تنظيما للرؤية والهيئات التنفيذية حتي لاتكون جزرا منعزلة، لابد أن تتبني الدولة هذه الجزئية فلدينا موارد كافية وينقصنا نظام الإدارة المتكاملة. مافيش مستحيل حققت نجاحا باهرا في بلجيكا وبعدها أمريكا في مجال النانو وحصلت علي أكثر من 10 براءات اختراع، لكنك رفضت كل المغريات وفضلت العودة لمصر.. لماذا ؟ طالما منحنا الله الفرصة للحصول علي تعليم جيد فعلينا واجب تجاه هذا البلد للمساعدة في بنائه، وكل منا عليه مسئولية شخصية لتحقيق ذلك، »مفيش بلد هتيجي تبني لنا، ولاننتظر حد يجي يعمل ده»، تجربتي في بلجيكاوأمريكا لم تكن سهلة لكنها تؤكد » مفيش حاجة مستحيلة »، عندما عدت للقاهرة لم يكن هناك إمكانات بحثية في مجالي مجال النانو الذي كان يحتاج تأسيس بنية ملائمة له إلي مئات الملايين، والواقع كان يقول أنه من شبه المستحيل أنني أستطيع عمل بحثي علمي في مجالي، ووصلت الآن لمرحلة أننا أقمنا بنية تحتية تستطيع انتاج منتج تكنولوجي كامل ومصر فعلا قادرة علي بناء مستقبلها بأيدي أبنائها.