لقد ذهب زمن انكار الذات والعمل الجماعي وتأكدت الفردية بالقلم والصورة..! تعتبر قصيدة »كلب الست» من أفضل القصائد للشاعر أحمد فؤاد نجم.. ولما سئل »عم نجم» في أحد البرامج التليفزيونية عن ظروف كتابة هذه القصيدة.. حكي أن كلب السيدة أم كلثوم قام بعض أحد المارة في الشارع وكان أسمه خليل وشتم علي الكلب واصحابه فقام الخدم وبوابي العمارات بالاعتداء عليه، ووصلت القضية باطرافها إلي قسم الشرطة! يقول عم نجم كان من الممكن أن يمر الحادث دون تعليق فهي حادثة عادية، ولكن الذي استفز نجم ودفعه لكتابة قصيدته الشهيرة مانشرته الصحف بعد يومين من الحادث، فقد نشرت صورة خليل المعتدي عليه وهو يصرح للصحفيين بأنه سعيد بأن كلبة السيدة أم كلثوم قد عضته! ذلك ما استفز شاعرية الشاعر.. فإلي هذه الدرجة يتم الاستخفاف، ومثل ذلك ما نشرته الصحافة المصرية صبيحة اليوم الذي تم فيه رفع الدعم عن اسعار المحروقات. فقد كتب أحد الصحفيين وهو ينقل عن مصدر مسئول أن ميزات رفع أسعار البنزين هو تقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون وتلك حقيقة لاينكرها إلا حاقد أو حاسد أو مشكك، فالمواطن المصري الذي انشغل بالمطالب الدنياوية قد نسي في غمرة اندفاعه عدة أمورأساسية. اولا: أن الدنيا فانية وأنه لايدخل مع القبر مع الانسان إلا العمل الصالح. ثانيا: أن الغرب والشعوب في الغرب قد شغلتهم المطالب المادية ومنها أسعار السلع الغذائية والمحروقات التي تحرك المصانع بينما الشرق له ابعاد روحية تسمو بالنفس البشرية، والحمدلله أن الحكومة حريصة كل الحرص علي عدم رفع أسعار الحاجات الروحية. ثالثا: أن المواطن البسيط ينظر إلي الامور بنظرة سطحية متأثراً بأسعار الوقود وأسعار السكر والزيت، لكنه يتغاضي ويتجاهل تلوث الهواء الذي يغتال الناس في صمت. ومن هنا فإن الحكمة الكامنة في رفع ثمن الوقود وماسوف يستتبعه من موجة غلاء تشمل جميع المنتجات سوف يترتب عليه من ناحية أخري انخفاض انبعاث ثاني اكسيد الكربون وذلك سوف يحقق فائدة مزدوجة. الأولي اجبار الناس علي تقليل استهلاك المواد الغذائية، وهذا يوضح حرص المسئولين علي عمل رجيم حكومي للشعب حيث زادت الاوزان وخصوصا بين النساء بشكل بات يهدد الاستقرار وتلك ابعاد استراتيجية عميقة لايدركها المواطن البسيط الذي لم يدرس الاستراتيجيات البعيدة. والثانية: ان تقليل انبعاثات المركبات الكربونية سوف يؤدي إلي تنقية الاجواء وبالتالي تحسين الدورة الدموية للمخ والي احياء تراث مصري قديم وهو شم الهواء، ذلك المصطلح الذي انقرض من حياتنا بعد أن اصبح الهواء ملوثاً وبات علي الحكومة الحارسة علي مصالح شعبها ان تتدخل لحماية تراث شم الهواء النقي. لذلك فإن المعارض المأجور الذي يحاول استغلال رفع أسعار بعض السلع يحتاج منا إلي يقظة لتفويت الفرصة عليه.. فعلي المدي البعيد سوف تنخفض الاوزان بشكل يدفع الناس إلي المزيد من الحركة وسوف يقل التلوث بحيث يندفع المواطن إلي شم الهواء وفي الحركة بركة وفي شم الهواء النقي تجديد لخلايا المخ وانعاش لها بعد ان كادت تتلف من قلة الانعاش. ولكي يستفيد الجميع من كل هذه المزايا التي لاتقدر بمال فإنني أدعو ايضا القادرين للتمتع بهذه المزايا وذلك بأن يتحملوا مع اخوانهم محدودي الدخل تكاليف الاصلاح بتطبيق عدة اجراءات اهمها: رفع الدعم عن غير مستحقيه وتطبيق نظام الضرائب التصاعدية وخفض الانفاق علي البعثات الخارجية، ودمج بعض الوزارات ومنع شراء السيارات الفارهة وتقليص عدد المستشارين وضبط منظومة الحوافز والمكافآت وإعادة النظر في الاصول الحكومية غير المستغلة، وخفض مرتبات الوزراء والمسئولين والمحافظين وكبار المسئولين بالدولة والغاء فكرة زيادة مرتباتهم باعتبار انهم يقومون باعباء ومسئوليات جسام لايقدر عليها غيرهم! مع الاستمرار في استكمال مكافحة الفساد بكافة اشكاله في جميع التعيينات الوظيفية الحكومية تحقيقا للشفافية والعدالة والمساواة بين جميع ابناء طبقات الشعب المصري واستعادة الاموال المنهوبة ومنع الازدواجية بين القضاء ولجان استرداد الاموال المنهوبة نظرا للاختلاف الكبير في تقديرات حجم رد الاموال المنهوبة واحكام القضاء ! نسأل الله لي ولكم العافية والستر. صالة النجوم كانت صالة تحرير أخبار اليوم في الدور الاول بالمبني التاريخي للدار العريقة مكانا له عبق وسحر خاص من يدخله ويعيش لفترة ولو بسيطة يكتسب صفات قد لاتتوافر في أي مكان آخر، تلك الصفات أولها الاحترام الكامل للكبير وأن العمل الجماعي شيء مقدس وانكار الذات ومساعدة الغير وتقديس الوقت والانتماء للمكان مهنيا إلي جانب الحرص علي التعلم وشجاعة الرأي وتقبل الآخر وخفة الظل سمة من صفات أبناء أخبار اليوم انعكست علي صفحات اصداراتها. قامات كبيرة وأسماء رنانة حفرت لنفسها مكانا في عقول وقلوب ملايين القراء وشاركت بل حركت الاحداث الوطنية والتاريخية. علي عقود من الزمن رأينا هذه الشخصيات جالسة في تواضع العلماء والاساتذة الكبار، كان استاذنا فهمي عبداللطيف الذي اطلق عليه أستاذنا مصطفي أمين لقب حارس اللغة العربية في الصحافة المصرية والاستاذ أحمد زين وشيخ النقاد الفنيين عبدالفتاح البارودي والشاعر والاديب الكبير عبدالمنعم قنديل والعملاق الاستاذ موسي صبري ولطفي حسونة ومحسن محمد وفاروق الشاذلي أحد علامات اخبار اليوم والاخوان اسماعيل يونس وابراهيم يونس والاساتذة سعيد اسماعيل وعلي حسنين والمبدع وجيه ابوذكري والاستاذ جلال عيسي رحمة الله عليهم جميعا. وكانت الصالة التاريخية مقصدا لكبار الفنانين والادباء والشعراء ونجوم المجتمع والمسئولين الذين يعشقون الصحافة وبصفة خاصة »أخبار اليوم» ولهم حكايات لاتنسي وظهرت هذه الصالة في العديد من الافلام المصرية وصورت تلك الافلام اثناء اعداد الجريدة خلال تواجد اساتذتنا الصحفون ونجوم الفن اثناء عملية التصوير. وكان بعض كبار المسئولين يأتون إلي صالة التحرير إما لزيارة المحررين أو ايصال خبر أو صورة أو انتظار طبع الجريدة حتي يتسلم نسخة منها وبها الخبر أو الموضوع الخاص به وكان من بين هؤلاء اللواء نبوي اسماعيل وكان وقتها مديراً الشرطة النقل والمواصلات وكان حريصا كل الحرص علي نشر اخباره وصوره في الجريدة واصبح معروفا ومشهورا حتي وصل لمنصب وزير الداخلية وكان رد جميله للصحافة أنه وقف في مجلس الشعب يدين الصحفيين ومعلنا أنه يستطيع أن يجمعهم وهم بلابيص بسبب اتهام البعض منهم بالمشاركة في احداث 18 و19 يناير! كما كان يتردد علي صالة التحرير أحد المشايخ وهو الشيخ محمد شعبان ، انيق ووجهه جميل يرتدي الزي الازهري وكانت صوره منتشرة في الصحف اليومية الثلاث وبصورة اكثر انتشارا في جريدة الجمهورية، وكان الشيخ شعبان يعرف معظم الزملاء واساتذتنا في الصالة وكان يتسم بخفة الظل وداعبه احد الزملاء قائلا له ياشيخ شعبان انت خلاص لن ينشر لك اي خبر في الجمهورية عشان الاستاذ محسن محمد اصدر قراراً بعدم نشر صورتك التي تكررت بصورة لافتة فماذا أنت فاعل ؟ فما كان من الشيخ الا ان ابتسم وقال له هون عليك يااستاذي فالجمهورية غير معترف بها! ولم يأت ذكرها اطلاقا! والمعترف به هي صحف ابراهيم وموسي.. ولم يأت ذكر محسن محمد! في اشارة عبقرية إلي الاستاذ موسي صبري رئيس تحرير الاخبار والاستاذ ابراهيم نافع رئيس تحرير الاهرام في تلك الفترة . أما الآن فقد أصبحت صور الدعاة ومدعي الفتوي أكثر من اعداد القراء والمشاهدين ! .. حكايات الزمن الجميل لمهنة مقدسة.. مهنة الصحافة! جيل الاساتذة في نهاية السبعينيات واوائل الثمانينات انتقل الكاتب الصحفي الكبير الاستاذ محسن محمد من دارنا أخبار اليوم إلي دار التحرير رئيسا لمجلس الادارة ورئيسا لتحرير جريدة الجمهورية واستطاع الصحفي المتميز الاستاذ محسن محمد أن يحقق طفرة غير مسبوقة في عالم الصحافة حيث قفز بتوزيع الجريدة من خمسين الف نسخة يوميا إلي ما يقرب من المليون نسخة واصبح منافسا لصحف أخبار اليوم التي تربي في أروقتها وأصبح نجما لامعا علي صفحاتها واصبحت الجريدة بالفعل ملكا للشعب وللقراء ومنبرا معبرا بكل معاني الكلمة عن مشاكله وآلامه واحلامه وطموحاته واصبح القاريء يجد نفسه فيها فأقبل عليها بصورة أثارت الاعجاب من أساتذة وخبراء الصحافة وكان استاذي الفاضل محسن محمد من كتاب مجلة آخر ساعة العريقة كبري المجلات المصورة في الشرق الاوسط، وعندما شرفت برئاسة تحريرها كان الاستاذ يتصل بي مشيدا بكل نجاح صحفي تحققه المجلة، ليس ذلك فحسب لكنه كان يعطيني دروسا في مهنة الصحافة ويرشدني عن الاخطاء الموجودة في المجلة حتي اتجنبها مبديا إعجابه بتجربتي ومجموعة الزملاء الصحفيين والدماء الشبابية التي ضخت في المجلة وكان من بين نصائحه لي ألا اعتمد علي الشخصيات التي تحتكر النجومية في كل المجالات بل اكد علي ضرورة ان يكون للمجلة دور في البحث عن نجوم جدد وشخصيات جديدة واسماء غير معروفة لكي نقدمها للمجتمع في كل المجالات وان اهتم بالصورة وان افسح المجال لكل صاحب رأي وبالفعل قدمت المجلة مجموعة من الكتاب والمثقفين والمفكرين والمحللين الاستراتيجيين في مقدمتهم الاساتذة ممدوح عبدالمنعم والدكتور رشدي يوسف ود.ايرين ثابت ود.محمد ابوالخير والكاتب المتميز مدحت بشاي والباحث والكاتب هاني لبيب والصحفي الموهوب محمد عبدالفتاح وكلهم نجوم احدثوا حالة من الحراك في الشارع السياسي واصبح لهم مؤلفات وكتب سياسية وثقافية ومنهم رؤساء تحرير صحف ومواقع اخبارية وبرامج بالفضائيات وحطمت المجلة ارقام التوزيع واصبحت الاكثر توزيعا وأصبحت موضوعاتها مصدرا للبرامج الفضائية ونقلت عنها الصحف اليومية والاسبوعية والاجنبية موضوعاتها واخبارها التي كنا ننفرد بها. وحصلت المجلة ومحرروها علي اكثر من ثماني جوائز عالمية وعربية ومحلية كان اقربها إلي قلبي جائزة العملاقين مصطفي وعلي أمين عن تطوير مجلة آخرساعة. عصر البقلمة ! حكايات الكاتب الصحفي والمفكر الراحل أنيس منصور مليئة باسرار عاشها في بلاط صاحبة الجلالة في عصرها الذهبي وزمن إنكار الذات والعمل الجماعي، منها ما سمعته منه والكثير سطرها في مقالات وكتب حكي فيها مشواره الصحفي قائلا : عملت في صحيفة الأهرام سنة 1950 لمدة ثلاث سنوات وتركتها إلي العمل بأخبار اليوم حتي سنة 1976 ثم عدت إلي الاهرام أكتب مقالي اليومي. أهم ما كتبته في أخبار اليوم هو أنني كنت اكتب القصة القصيرة يوميا لثلاث سنوات من دون ان اضع اسمي في نهايتها فلم يكن مسموحا لامثالي الصغار بان يكون لهم توقيعات، فلجأت إلي حيلة، فقد كنت ابعث بمقالات إلي الاهرام بإمضاء انيس محمد منصور فكانوا ينشرونها بحفاوة شديدة، ولم يعرف رئيس التحرير ذلك إلا بعد سنوات من تركي للاهرام. وفي أخبار اليوم كانوا يحتفلون بالشبان ذوي المواهب وكانوا يكتبون بقلم فلان ومعه صورة. وقد كانت لنا تجربة فاشلة في مجلة الجيل التي كنت ارأس تحريرها، فقد رأي الاستاذ علي أمين احد صاحبي أخبار اليوم أن نحاكي مجلة »التايم» الامريكية فننشر موضوعات من دون امضاء، وتحملت وحدي هذا العبء. فكنت أعيد صياغة المقالات أو اكتبها، وقليلا ما فعل الاستاذان علي أمين ومصطفي أمين، وتعبت ولكن لماذا؟ لأن صغار المحررين يضعون اسماءهم علي مقالات لم يكتبوها وهذا إفساد لهم ولم نستطع ان نصبر علي هذا العذاب الا شهرين وعادت التوقيعات الصغيرة والكبيرة في نهاية المقالات. ودخلنا ولم نخرج من عصر »البقلمة» اي بقلم، لكل من هب ولم يدب.. حتي اننا نري الخبر من سطرين وثلاثة وقبلها إمضاء المحرر.. هكذا كتب فلان ان كذا وكذا.. ولم يعد ممكنا ان يكتب احد أي شيء من دون توقيع عليه وانتقلنا من مرحلة »البقلمة» إلي مرحلة بقلم ومعه صورة للكاتب ولم يعد مهما ماذا قال، لكن المهم هو ان يكتب اسمه مقرونا بصورته وبس! المنافسة الصحفية! هل انتهت المنافسة الصحفية.. هل أصبح السبق الصحفي غير ذي قيمة،بل اصبح من النادر خلال الفترة الحالية ان تطالعنا الصحف بسبق صحفي يثير حالة من الحوار أو الحراك المجتمعي كما كان يحدث منذ سنوات ليست بعيدة.. كان التنافس بين الزملاء المحررين مع بداية عملنا الصحفي علي أشده كل منا يحاول ان ينفرد بخبر أو موضوع صحفي متميز وكنا نتفنن في كيفية تحقيق ذلك الانفراد الذي يميز بعضنا عن الآخر رغم أن كان عددنا لايزيد عن أربعة أو خمسة محررين في كل وزارة أو محافظة، أما الآن فعدد المحررين بكل وزارة أو هيئة يزيد علي عدد العاملين بها! نتيجة تعدد الصحف اليومية والاسبوعية والمجلات والمواقع والفضائيات والوكالات الاخبارية! أما بالنسبة لعدم وجود انفرادات صحفية ذات قيمة يرجع إلي انشاء المكاتب الاعلامية بالوزارات والهيئات وتعيين المتحدث الرسمي والمستشارين الاعلاميين بالوزارات والهيئات والمحافظات وعقد المؤتمرات الصحفية فكل هذه التشكيلات تقوم باعداد الاخبار والموضوعات والبيانات الايجابية الجميلة ! وتوزيعها علي الصحفيين، أو نشرها علي موقع الوزارة أو الهيئة علي النت وشبكة المعلومات واذا كانت هناك مشكلة أو حادث أو قضية طارئة فإن المحررين يكلفون انفسهم مشقة الاتصال بالمتحدث الرسمي أو المستشار الاعلامي او المكتب الاعلامي الذين يفضلون الرد علي الفضائيات والاذاعة لزوم الشهرة والنجومية لهم. وخوفا من تخلف المحرر عن الحصول علي خبر وانفراد أحد الزملاء المنافسين سابقا والاصدقاء حاليا بخبر أو موضوع يكون قد تم الاتفاق علي عدم نشره كنا ننتظر الطبعات المسائية من الصحف الصباحية لكي نطمئن علي عدم تخلفنا عن النشر خوفا من المحاسبة صباح اليوم التالي وتوقيع الجزاء علي هذا التخلف! لكن المتغيرات الحديثة في رسائل النشر والاعلام قد احدثت تغييرا كبيرا في العمل الصحفي وغيرت كثيرا في مفاهيم مهنة البحث عن المتاعب التي تغيرت واصبحت مهنة البحث عن المكاسب! فالأخبار اصبحت هي التي تطاردنا ويحصل عليها الجميع بمنتهي السهولة وبعد دقائق من حدوثها، بل ويمكن أن نشاهد الحدث فور حدوثه وربما نشاهده علي الهواء مباشرة، ولم نعد في حاجة لكي ننتظر لليوم الثاني لكي نقرأه أو نعرفه.. وتلك مشكلة تواجه الصحف اليومية والمجلات الاسبوعية التي من المؤكد أنها ستغير من سياساتها التحريرية والتي بالفعل بدأ البعض في تنفيذ هذه السياسات لكي تستطيع ان تنافس وسائل الاعلام الاخري وتحافظ علي مكانتها في المجال الصحفي والاعلامي في ظل هذه المنافسة الشرسة لصالح المتلقي وحماية للوطن.