يبدو أنني كنت علي موعد مع الصحافة اليومية في وقت مبكر.. دون أن أدري.. كنا واقعيًا نبغضها في المجلات الأسبوعية.. لكنني ارتبطت بجريدة الحياة اللندنية مرة أخري عن طريق مكتبها في القاهرة.. ومدير المكتب الجديد د.عمرو عبدالسميع.. كنت أنشر يوميًا في صفحتها الأولي.. وفي هذا المكتب تعلمت (الكتابة الملونة).. وهي تختلف عن (الأخبار الملونة؟).. هذه إيجابية محببة وتلك سلبية ضد قواعد المهنة.. الأولي تعني الأسلوب المختلف الذي يُطعم الحقائق بالملاحظات البصرية التي يقرؤها القارئ فيسعد.. والثانية تعني توجيه الخبر في غيبة الضمير إلي غير ما ترمي إليه الحقائق المعلوماتية. فيما بعد وجدتني أرتبط بجريدة يومية أخري.. (صوت الكويت) التي صدرت في القاهرة وتوقفت بعد تحرير الكويت.. وعملت مع الأستاذ لبيب السباعي مدير مكتب جريدة الشرق الأوسط ومعاونه الأستاذ عبدالعظيم درويش.. الأول الآن هو رئيس تحرير مجلة الشباب والثاني هو مدير تحرير الأهرام.. بعد هذا دخلت تجربة جديدة مع الأستاذ محمود عوض الذي عين مستشارًا لجريدة القبس الكويتية من القاهرة.. وعاونته أنا وزميلي طارق حسن الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لتحرير الأهرام المسائي.. وكان زميلنا أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام قد اختير من قبل المرحوم عوض مديرًا للمكتب. في القبس تعلمت من محمود عوض مزيدًا من أساليب الكتابة الملونة.. التي تجد صورة منها في تحرير الصحف الأجنبية.. أذكر جيدًا «مانشيت» كتبه بعد إقالة زكي بدر وزير الداخلية الأسبق رحمه الله (سقط الوزير طويل اللسان).. وكان عنيفًا وحادًا ضد المعارضة إلي أن سجل له في لقاء عام في بنها شريط لم يكن طيبا علي الإطلاق نشرته جريدتا الشعب والوفد.. فأقيل. كانت «روزاليوسف» مرتبكة لا شك في ذلك خلال الثمانينيات.. كانت تبحث عن نفسها.. مرة تضع علي أغلفتها موضوعات فنية.. ومرة تضع رسومًا كاريكاتيرية.. وكانت أفضل فتراتها حين ركزت علي موضوعات توظيف الأموال.. خاضت حملة كبري كان مديرها هو مدير التحرير عبدالقادر شهيب الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال.. فقد ترك «روزاليوسف» لأن عادل حمودة لم يستطع احتمال عودته بعد أن كان قد ذهب إلي جريدة العالم اليوم.. لقد جاء عادل حمودة نائبًا لرئيس التحرير في لحظة كان فيها شهيب قد أخذ إجازة سنوية اعتادها مع زوجته رحمها الله لمدة أسبوع إلي أسوان. كان نجم حملة توظيف الأموال هو إبراهيم خليل.. نائب رئيس تحرير المجلة الآن.. ومن بعده جمال طايع مساعد رئيس تحرير الجريدة.. وفي ذات الوقت كان يتبلور جيل مختلف أنضجته ست أو سبع سنوات في المجلة: محمد هاني مدير تحرير المجلة ونجم الصناعة التليفزيونية المشهور.. وإبراهيم عيسي رئيس تحرير الدستور السابق.. وحمدي رزق رئيس تحرير المصور الآن.. وعصام زكريا الناقد السينمائي المعروف.. ومحمد الصباغ المدير الفني السابق للمجلة.. ووائل الإبراشي الذي جاء في وقت متأخر وهو رئيس تحرير صوت الأمة الآن.. وأسامة سلامة نائب رئيس تحرير المجلة حاليًا.. وأنا.. ورسام الكارتون عمرو سليم الذي استقال فيما بعد وذهب إلي جريدة خاصة.. جيل كامل جاء عليه عادل حمودة الذي كان منشغلاً بتأليف الكتب الصحفية.. وإرسال الموضوعات الصحفية إلي جريدة الراية القطرية. غيَّر عادل حمودة اسم صفحات الأخبار، وسألنا عن اسم.. وتناقشنا في الدور الخامس حيث كان مقر المجلة.. وخلال النقاش تذكرنا أنا وإبراهيم عيسي اسم مجلة كنا نكتب فيها (اليوم السابع).. وهي مجلة فلسطينية كانت تصدر في باريس ويرأس تحريرها بلال الحسن.. وخلصت المناقشة إلي ابتداع اسم (اليوم الثامن) وتشارك في إطلاقه محمد هاني وإبراهيم عيسي.. واخترع عادل حمودة اسم (بورصة الأخبار) لباب نميمة ومجتمع جديد.. ومن ثم بدأنا تجربة تحررت من بعض قيود الوقت.. ومضت إلي تسخين العناوين.. وربما إنتاج المنتج من قبل.. سواء كان من حيث عروض الكتب.. وترجمة المقالات.. وبعض التحقيقات.. أو من حيث التركيز علي قضايا التطرف.. قبل أن يطور حمودة الأمر في اتجاه رآه أسخن فيما بعد. تكون قسم الديسك المركزي.. ورأسه زميلي السابق إبراهيم عيسي.. وجلسنا معًا في غرفة واحدة.. وانضم إليها فيما بعد عمرو خفاجي وإبراهيم منصور.. وضع عيسي فوق رأسه بعض الوقت صورة منقولة من كتاب بماكينة تصوير لجيفارا.. تلك التي ظل يطور وضعها خلفه إلي أن أصبحت مجموعة صور وراء ظهره في جريدة الدستور.. وكتب ذات مرة بخط يده شطر بيت للمتنبي علي ورقة ساتانيه واستخدم الدباسة لتشبيكها في الحائط: (علي قلق كأن الريح تحتي).. وظلت هكذا ربما لأكثر من عام.. ربما تعبيرًا عن حالة تصور أنها في معني البيت. في شروح المتنبي كلمة (قلق) لا تعني مباشرة المعني المشار إليه نفسه.. وإنما هي تنطق في الشعر بكسر اللام.. أي قلق = دابة.. يركبها المتنبي فإذا ما قرأنا البيت كاملاً (علي قلق كأن الريح تحتي.. أوجهها جنوبًا أو شمالاً).. فإن المعني هو أن المتنبي يركب بعيرا كما لو أنه ريح.. وهو يوجه تلك البعير جنوبًا أو شمالاً.. ولعل المعني الذي أسر زميلي السابق ظل خاطئًا لسنوات.. ولعله ظل لا يعرف كل بقايا أشطار البيوت لفترات طويلة من عمره.. أو يتعمد أن يري شطرا دون الآخر.. لكنه يؤمن ويقنع الآخرين بأنه يتلبس حال المتنبي.. ويتقمص جيفارا.. ولعل هذا هو الذي جعله يتخيل أن الاتصال غير الرسمي الذي وصله من مسئول رسمي كان يعني الكثير. ومن ثم يمكن أن تقنع نفسك في لحظة ما بأن مصافحة في عزاء تعني الود.. وباقة ورد في مرض أو مناسبة تشير إلي موقف سياسي.. و«معني» نقله إليك محرر، قد يكون ملتبسًا أو ملفقًا، هو رسالة. ونكمل غدًا. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]