هل جاء الدور علي سوريا بعد مصر وتونس؟ وبعدما اجتاحت رياح التغيير ضواحي دمشق ودرعا وحمص وبانياس وغيرها؟ وهل جاء الدور علي نظام بشار الاسد للسقوط بعد نظام زين العابدين بن علي ونظام حسني مبارك؟ ام انه يتجه الي نموذج علي عبدالله صالح في اليمن الذي مازال يناور للبقاء في السلطة او نموذج معمر القذافي في ليبيا الذي يشن حرب ابادة ضد الشعب الليبي ويستخدم كتائب الدبابات والمدفعية لقمع الانتفاضة المعارضة وقتل المئات في مصراتة الواقعة تحت الحصار؟. ان الاسلوب القمعي الذي يتبعه بشار الاسد علي مدي احد عشر عاما لحكم سوريا بالقبضة الحديدية ادي الي الانفجار في درعا في الجنوب، وبعدها انتقلت شرارة الغضب ضد القهر الي مدن اخري حتي القامشلي في الشمال ولم يعد الشعب السوري قادرا علي تحمل البطش والظلم من نظام البعث السوري اكثر من تلك الحقبة التي امتدت منذ استولي الرئيس حافظ الاسد علي الحكم بانقلاب عسكري منذ عام 46 وظل يحكم بالحديد والنار. ولاننسي مذبحة حماة في عام 28 التي ارتكبها بكل العنف ضد الاخوان المسلمين عندما تمردوا علي حكم البعث العلوي واجتاح المدينة بالدبابات والمدفعية وسقط عشرون الف قتيل ودفنوا تحت الانقاض.. وظلت مذبحة حماة نموذجا مرعبا للترهيب والقمع الذي يمارسه حافظ الاسد ضد السوريين السنة.. وجاء بشار الاسد لكي يكرر ما فعله أبوه وضد انتفاضة الغضب الشعبي في مدينة درعا واستخدم الدبابات ورصاص القناصة للقضاء علي المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والكرامة وكأنما التاريخ يعيد نفسه. ولم يستوعب بشار ان الزمن قد تغير ولم يعد الشعب السوري يقبل بالخضوع لنظام البعث السوري »العلوي« الذي يتحكم في الاغلبية السنية، ولم يأخذ العظة والعبرة من ثورة مصر وثورة تونس اللتين أطاحتا بالانظمة الفاسدة!. وقد ظل بشار الاسد يراوغ في اجراء الاصلاحات السياسية المطلوبة ويقدم الوعود الكاذبة علي مدي سنوات حكمه ثم يلتف من حولها تحت غطاء الحكم البوليسي للحزب القائد في دمشق، ولم تعد تنطلي علي السوريين.. وتوالت »جمعة الغضب« في ضواحي دمشق وفي مدينة حمص وفي بانياس الساحلية وجاء ذلك تضامنا مع اهالي درعا الواقعة تحت الحصار الصارم من قوات الامن والقوات الخاصة والتي فتحت النيران علي المتظاهرين وسقط القتلي وتجاوز عددهم سبعين شهيدا. لقد كسر اهالي درعا حاجز الصمت والخوف وخرجوا من المسجد العمري في تظاهرات سلمية وصمدوا في مواجهة القوة الغاشمة التي تطلق الرصاص عليهم.. وربما يتوهم بشار انه يستطيع الاستمرار في القمع والقضاء علي الثورة بقوة الفرقة الرابعة التي يتولي قيادتها اخوه ماهر الاسد.. ومعظم ضباطها من العلويين.. ويبدو ان الاسد »الصغير« لن يفيق الا متأخرا علي واقع رياح الثورة التي تنتقل من مدينة لاخري في ارجاء سوريا وبينما صار النظام علي حافة الهاوية، وبينما يرتفع سقف المطالب حتي وصل الي الشعار السائد في اليمن وفي ليبيا وهو »الشعب يريد إسقاط النظام«!. ان ركيزة نظام بشار تعتمد علي العلويين الذين يحكمون قبضتهم علي مقدرات الحكم في سوريا تحت غطاء حزب البعث رغم انهم يشكلون الاقلية ولذلك لا يتورعون عن العنف الدموي للبقاء في السلطة علي مدي ثمانية واربعين عاما. وقد لا يعرف الكثيرون ان بشار الاسد جاء بالصدفة الي الحكم، فقد كان حافظ الاسد يعد ابنه الاكبر »باسل« لخلافته ومنحه صلاحيات واسعة في الحزب الحاكم بينما كان بشار يدرس الطب في بريطانيا، ولكن شاء القدر ان يلقي باسل مصرعه في حادث سيارة كان يقودها بسرعة في طريق المطار وكانت صدمة مروعة للرئيس حافظ الاسد ولذلك استدعي ابنه بشار من لندن بعدما انهي دراسة الطب وبدأ يؤهله لخلافته في الحكم والتحق ضابطا في الجيش السوري، وهكذا بدأ نجمه في الصعود، وتولي عبدالحليم خدام نائب الرئيس والموالي للاسد توجيهه ولكن عندما تولي بشار بعد وفاة ابيه اصطدم مع خدام وابعده عن منصبه فغادر الي المنفي في باريس وحيث يقود المعارضة! لكن الأمر لن يطول رغم ان بشار الأسد يلعب علي المتناقضات في المنطقة، ويعتمد علي وجود قيادة حماس تحت مظلته في دمشق، ويستخدم اوراقا اخري ضاغطة لاقناع الادارة الامريكية بأهمية بقائه لضمان التوازنات، ولكن جاءت الانتفاضة في درعا، وعلي غير ما كان يتوقعه فقد كان يراهن قبلها باسبوعين علي ان سوريا تعتبر حالة مختلفة تماما عما جري في مصر وفي تونس لانها تقاوم خطط التحالف الامريكي الاسرائيلي في المنطقة مما جعل الشعب يتوحد مع نظام الحكم السوري وحدث ما لم يكن في الحسبان. وكما يبدو فان الوضع يتفاقم في سوريا، فالحرس الجمهوري ينتشر حول دمشق، وبدأ الانشقاق في صفوف حزب البعث الحاكم وقدم مائتان من اعضائه استقالاتهم احتجاجا علي قمع المظاهرات في درعا بالرصاص، وبينما الآلاف يخرجون في بانياس تضامنا معها.. وقد ظهرت بوادر العقوبات التي سيتعرض لها النظام السوري من الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي في حالة عناده وتجاهله لمطالب السوريين بالحرية والخلاص من حكم بشار!.