في محاولة من الحكومة للسيطرة علي الأسعار ومواجهة جشع التجار، أعلن شريف سامي رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية مؤخرا، أن مشروع تعديل قانون سوق المال الذي أقره مجلس الوزراء تضمن تنظيماً متكاملاً لبورصات العقود الآجلة ومن ضمنها البورصات السلعية، كما اتفقت وزارة الزراعة خلال الفترة الماضية مع شعبة منتجي الدواجن في غرفة القاهرة التجارية، علي تفعيل بورصة الطيور في القليوبية والتي تم تدشينها منذ عدة سنوات ولم يتم تفعيلها إلي الآن. الخبراء أكدوا أن إعادة إحياء فكرة البورصات السلعية من شأنه أن يساعد الدولة في مواجهة التلاعب في الأسعار وجشع التجار، إلا أنهم في الوقت نفسه أكدوا ضرورة وجود آليات حقيقية للرقابة والتحكم في السوق من أجل إيجاد دور فعال وحقيقي لها، فيما رأي آخرون أنها لن تمثل أي جديد في الاقتصاد المصري وأزمات السوق. وفي ديسمبر الماضي، أعطي المهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة الضوء الأخضر لإنشاء بورصة سلعية للخضراوات والفاكهة في مركز بدر بمحافظة البحيرة، علي أن تكون البورصة سوقاً كبيراً تباع فيه المنتجات الأساسية بالجملة، ولتخزين الخضراوات والفاكهة، بدلا من الأسواق التي تتعرض فيها البضائع للتلف، سيكون بها جزء صناعي للتعامل مع الخضراوات وجزء آخر تجاري يهدف لضبط حركة أسعار السلع والفاكهة. آليات الرقابة في البداية قال د.محمد أبو شادي، وزير التموين الأسبق، إن فكرة إنشاء بورصات للسلع لا يمثل أي جديد حيث إن مسمي البورصة يعني السوق وبالتالي طالما أن آليات الرقابة علي الأسواق القائمة غير موجودة، فلن يكون هناك أي دور للدولة أيضا علي هذه البورصات في حال إنشائها، مشيرا إلي أن مصر الآن في احتياج حقيقي لإعادة تنظيم الأسواق القائمة سواء كانت أسواقاً جملة أو نصف جملة أو تجزئة لأن هذا التنظيم سوف يساعد في تقليل حلقات التداول وتقليل الفاقد من السلع وبالتالي خفض الأسعار حتي تصل للمستهلك الأخير بالسعر المناسب. وأضاف أنه يجب التفكير بشكل مختلف وعدم العودة إلي الأفكار القديمة التي لم تؤد المطلوب منها، فماذا فعلت بورصة الدواجن في بنها في الأسعار؟، مؤكدا أن الأولوية في الفترة المقبلة يجب أن تكون لوضع استراتيجية لتطوير ما هو قائم والتغلب علي السلبيات التي يشهدها السوق اليوم من ارتفاع في الأسعار وعمليات احتكار لبعض السلع، مشيرا إلي أن الاقتصاد عبارة عن واقع ملموس يحتاج تفعيل ما يفيد المواطنين في حياتهم اليومية وهو ما نحتاج بشدة إلي تطبيقه الآن. وأشار إلي أهمية تطوير الأسواق وفقا لأحدث النظم العالمية من أسواق متخصصة وأسواق اليوم الواحد وأسواق الجملة ومتاجر الجملة وشبه الجملة بهدف احتواء القدر الأكبر من التجارة العشوائية وإدخالها المنظومة الرسمية بخلق فرص عمل حقيقية، مضيفا أن إنشاء بورصات سلعية في الوجه البحري والوجه القبلي يمكن أن يتم إذا كان هناك تنظيم وضبط لإيقاع تداول السلع وخاصة الزراعية منها بأساليب الاقتصاد الحديثة والمتبعة عالميا التي من شأنها أن تحقق للمزارع والمنتج الصغير أكبر عائد ممكن مع توفير السلع بأسعار أقل. ضبط الأسعار فيما قال أحمد يحيي رئيس شعبة المواد الغذائية في غرفة القاهرة التجارية، إنه لا يوجد أي رقابة علي الأسعار في الوقت الحالي، حيث إن التدخل الحكومي يكون لضبط الأسعار وليس لفرض شيء معين، مشيرا إلي أن البورصات السلعية سوف تعطي مؤشرات حقيقية عن السلع المختلفة وستعطي أسعاراً استرشادية للتاجر والمستهلك والحكومة أيضا، أي أنها من طبيعة عملها أنها سوف تحدد السعر العادل والطبيعي لأي سلعة وهو ما سيؤدي بدوره إلي ضبط إيقاع الأسعار في ظل سياسة الاقتصاد الحر التي تسير بها الدولة حاليا. وأوضح أن تأسيس البورصات السلعية سوف يؤدي إلي خروج التاجر غير الملتزم بالسعر الحقيقي خارج المنظومة بالكامل، حيث إن المستهلك الآن ونتيجة انخفاض القدرة الشرائية له أصبح يدقق في اختيار السعر الأفضل له، فهو من يختار السلعة ويختار مكان الشراء وبالتالي يتسبب في خروج التجار الجشعين غير الملتزمين من هذه المنظومة بالكامل، كما أن البورصات من شأنها أن تؤدي إلي وجود حالة من المنافسة الشديدة التي لن تسمح برفع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه. وأوضح أن البورصة لا تختلف كثيرا عن التسعيرة الاسترشادية ولكنها ثابتة تعلن يوميا أسعار السلع الغذائية وبشكل منتظم كما أنها ترشد التجار والمستهلكين بالأسعار فهي مبنية علي العرض والطلب، مشيرا إلي أن البورصة تعطي مؤشرات عن الأسعار للمجتمع التجاري مما يساهم في تحديد الأسعار بشكل دقيق حيث إنها تعتمد علي بيانات دقيقة وعلمية سليمة. وأشار إلي أنه من خلال البورصة يتم وضع متوسط سعر لكل صنف يختلف من مدينة لأخري وطبقا لمواصفات كل منتج وطبيعة سوق التجزئة الذي تعرض فيه السلع، حيث تختلف الأسعار باختلاف درجات الجودة والخدمة التي تقدم في السوق وباختلاف مكان البيع وطبيعته واختلاف السوق وعليه يتم إعلان مجموعة من الأسعار لكل منتج محسوب فيها، موضحا أن هذه البورصة مستوحاة من البورصة التركية حيث تعمل علي تصريف المنتجات بأقل عدد ممكن من حلقات سلسلة التوريد وهو ما يصب في النهاية في مصلحة كل من المنتج الصغير والمستهلك، ويقضي علي قدر كبير من التجارة العشوائية الخارجة عن سيطرة الدولة حيث تجعل المواطن علي وعي بالأسعار مما يصعب خداعه. إدارة محترفة من جانبه قال عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية، إن فكرة البورصات السلعية يمكن تطبيقها إذا كانت هناك آليات محددة للتنفيذ، مشيرا إلي أن بورصة الدواجن علي سبيل المثال لم تنجح لأنها لم تضع في اعتبارها وضع تكلفة الإنتاج وتحديد السعر المناسب وهامش الربح المعقول، مشيرا أيضا إلي أن البورصة لم يكن لديها شبكة البيانات الخاصة بالصناعة بشكل عام، كما أنها كان لها أهداف أخري غير تطوير الصناعة. وأضاف أن أي بورصة تحتاج إلي آليات جديدة وإدارة محترفة تعرف المطلوب وتسعي إلي تنفيذه، حيث إن كل بورصة يجب أن يديرها مجلس إدارة من الشخصيات العامة وأهل الخبرة، فالدواجن مثلا يجب أن يضم مجلس إدارة كافة الفئات العاملة في القطاع مثل غرفة القاهرة واتحاد الصناعات واتحاد منتجي الدواجن وأصحاب المزارع وممثلين عن المربين والمجازر وأن يكون كل ذلك تحت إشراف وزارة الزراعة، علي أن يتم تحديد نسبة معينة بالاتفاق بين الجميع توضع كرسوم في صندوق خاص بالبورصة يكون مسئولاً عن تطوير الصناعة ومساعدة المتعثرين. وأشار إلي أنه لو تم تفعيل بورصة الدواجن فسيتم بشكل يومي نشر تكاليف الإنتاج وتوفير شبكة معلوماتية وحصر شامل لأمهات الطيور والتسمين والبياض وكذلك ستشمل البورصة بياناً بأسعار الأعلاف والبيض لنشر التكلفة الحقيقية علي أرض الواقع لمواجهة ارتفاع أسعار الدواجن، إلي جانب أنها وسيلة لحصر المنتجين ومواجهة الأمراض بصورة متوازنة وبتنسيق مع كافة الجهات وليس بصورة منفردة من المنتجين. • مصطفي علي