قبل أذان المغرب بعشر دقائق بدأت السيارات الأجرة، تتوقف بجوار واحدة من أكبر موائد الرحمن بشارع الجيش في السويس، وغطي الباعة الجائلون بجوار مزلقان المثلث بضاعتهم من فاكهة وخضراوات وخردوات، استعداداً للأفطار. مع انطلاق مدفع الإفطار كانت المائدة التي أقامتها إحدي المؤسسات الخيرية بالمنطقة قد استقبلت أكثر من 250 شخصا، وتبقي 50 مقعدا شاغرا لأبناء السبيل وأصحاب الحاجات، في ذلك الوقت كان شباب المؤسسة قد عادوا لتوهم من توصيل عدد 100 وجبة للأسر المحتاجة في المنازل ليوفروا عنهم عناء الانتقال للمائدة وتحمل مشقة المواصلات قبل الإفطار. لا يوجد حصر دقيق لموائد الرحمن في السويس، ولكن بحسب مسئولي الأحياء فإن عددها يزيد علي 30 مائدة، أبرزها الموائد التي أقامها الجيش الثالث الميداني بجوار موقف السيارات الإقليمي، والمناطق التي تعاني من مستوي معيشة منخفض، وكذلك قرب التجمعات السكنية في الأربعين وفيصل والجناين. ويقول محمد عبدالرسول مسئول عن إحدي الموائد أن رواد المائدة ما بين عمال وسائقين ومسافرين، وعابري سبيل وعمال السكة الحديد البسطاء، وتصل الوجبات يوميا قبل الإفطار بوقت كاف لتجهيز المائدة، مع توفير العصائر والمرطبات للصائمين. »السنة اللي فاتت كنت بوصل البيت قبل الفطار بنص ساعة، وأقعد مع عيالي وافطر معاهم» بهذه الجملة بدأ عم صابر حسين، سائق سيارة أجرة بخط »الأربعين -الموشي» حديثه عقب تناول الإفطار بإحدي الموائد. وأضاف أن غلاء المعيشة دفعه ان يواصل العمل هذا العام حتي الإفطار، ليوفي احتياجات اسرته، ولا يدرك الافطار في منزله الذي يقع بمنطقة الكيلو 46 بالجناين، ويشير أنه لم يتناول الإفطار مع أسرته إلا في اليوم الأول من رمضان، أما بقية الشهر فيذهب إلي أقرب مائدة إليه مع انطلاق مدفع الإفطار. في أحد أركان المائدة، كانت اسرة مكونة من أربعة افراد تتناول الإفطار، انتهوا سريعا وتنالوا حلوي رمضان، ثم غادروا في خطوات سريعا، يتحدث رب الاسرة الذي رفض نشر اسمه ويقول، انه يعمل بائع خضراوات بالقطاعي في سوق المثلث، واضطر للاستدانة لإتمام زواج ابنته الكبري، ويقتطع من دخلة للوفاء بالديون، وأمام ذلك بات يوفر طعام الإفطار يوما بمنزله، وفي يوم آخر يذهب إلي المائدة القريبة من بيته هو وزوجته وطفلان لتناول الإفطار. ويشير ان المسئول عن المائدة اخبره أن هناك وجبات افطار جاهزة تتسلمها الأسرة، لتتناولها بالمنزل، وانه سوف يتسلم وجبته العائلية إذا أراد ليتناولها في مسكنهم ما يعفيه من حرج الحضور بأسرته، خاصة ان بعض البائعين بالسوق يتناولون الإفطار معه بالمائدة. في مائدة اخري بمنطقة الصباح، أقامها صاحب معرض سيارات، كانت شاحنات النقل تتوقف في خط طويل بجانب الطريق، ومن خلفها سيارات سيرفيس للتنقل بين المحافظات، ويشير محمد حسن سائق شاحنة من محافظة القليوبية، انه كان في طريقه لنقل بضائع إلي إحدي المزارع بالقطاع الريفي، وغربت الشمس قبل خروجه من المدينة، فتوجه لتناول إفطاره بالمائدة. ويضيف حسن، ان تكلفة تناول وجبه الإفطار جيدة في مطعم لا تقل عن 60 جنيها، بينما يوفر القائمون علي الموائد وجبات جيدة. كان عم أحمد قد انطلق بسيارته البيجو قبل الإفطار بنصف ساعة، من موقف السيارات الإقليمي، متجها إلي بورسعيد لكن عطلا بالاطار دفعه للتوقف لاستبداله، فاستغرق بعض الوقت، ولم يدرك إحدي الكافيتريات التي تعود ان يتناول فيها الإفطار قرب النفق، فنزل وبعض الركاب بمائدة الرحمن، وبقي اخرون اكتفوا بتناول ما لديهم من عصائر ومخبوزات وبسكوت. من بين الركاب كان حامد علي طالب بكلية هندسة البترول، الذي يعود للسويس كل اثنين وخميس لحضور الامتحانات، وتأخر اليوم بسبب متابعة ما أنجزه وزملاؤه في مشروع العملي، ويقول إن موائد الرحمن توفر وجبات جيدة، ويشعر أنه يجلس وسط اسرته ولا يخجل من تناول الإفطار معهم.