على قدر الجغرافيا يكون مستوى المعيشة، ووفقا لطريقة عمل الخير يكون الثواب. فى منطقة المهندسين تختلف مائدة «مصطفى محمود» عن غيرها من موائد الإفطار فى أى مكان، الفارق ليس فى نوعية ضيوف الرحمن.. بل فى كون مستوى الخدمة وتقديمها مناسبين لرفاهية المكان، فكل منطقة تتحدث عن نفسها. المائدة مكونة من أربع قاعات منفصلة: اثنتان على يمين المسجد ومثلهما على يساره، كل قاعة تتسع لنحو 250 صائما، الضيوف متباينو الأعمار والمهن، منهم مواظب يوميا على إفطار المائدة وآخرون مغتربون وعابرو سبيل، ولا يهتم القائمون على خدمة المائدة بالفصل بين السيدات والرجال، فبعض الأسر تذهب بكاملها للإفطار، الضيوف يبدأ حضورهم قبل أذان المغرب بساعتين، ويتخلصون من ملل الانتظار بالحوارات الشخصية والمناقشة فى السياسة. مائدة الرحمن ملفوفة ب«صوان» قماش محكم يحترم عورة الأكل ويضمن عدم تهريب الوجبات إلى الخارج، ويقدم الإفطار بطريقة «شيك» تناسب طبيعة المكان (حى المهندسين)، وفى نفس الوقت تخدم غرض الضيوف، فالإفطار جاهز ومعد مسبقا -كوب ماء ووجبة طعام (لحمة أو فراخ) مغلفة لكل كرسى داخل القاعة وليس كل فرد، مجرد دقائق تمر يسود فيها الترقب قبل موعد الإفطار.. بعدها ينصرف الحاضرون جميعا حاملين وجباتهم عند سماع الأذان، وعلى بعد أمتار من المائدة يجلس البعض على جزيرة شارع جامعة الدول العربية لإكمال إفطارهم، ومنهم من يفضل تناول وجبته فى المنزل. زيارات الباعة الجائلين لم ترحم حتى موائد الرحمن، فى مائدة مصطفى محمود أطفال يطوفون داخل القاعات بين ضيوف الرحمن لبيع أكياس «تمر هندى»، المنطقة أمام المائدة تشهد تمركز تجار «المياه الساخنة» منتظرين انتهاء الإفطار لبيع المشروبات للصائمين، يشكو أحد المتطوعين لخدمة المائدة قائلا: «أنا تعبت وزهقت بصراحة.. ده رمضان وصيام مش تجارة».