وجبات وحكايات ومفارقات ترتبط بموائد الرحمن التي تعد من أهم مظاهر الاحتفاء برمضان، وأبرز مظاهر التكافل الاجتماعي الذي يميز الشهر الفضيل عن باقي شهور السنة. ومائدة الرحمن هي مائدة إفطار مفتوحة يعدها الأغنياء لإفطار الفقراء ومن لم يتمكنوا من الوصول إلى منازلهم وقت الإفطار أواضطرتهم أشغالهم إلى الافطار فى الطريق العام بعيداً عن أسرهم. وتتفاوت الأطباق المقدمة على موائد الرحمن ما بين الأحياء الشعبية و الراقية. موائد شعبية وراقية ومن أشهر مواقع الموائد الشعبية بوسط القاهرة، منطقة باب الشعرية والجمالية بالدرب الأحمر أمام المساجد، حيث اعتاد الشباب المشاركة في إقامة مائدة رمضانية بخيمة صغيرة، يساهم المواطنون في تعميرها بإرسال ما أعدوه من منازلهم للخيمة وأحيانا يوزعون اصناف الطعام عليهم، أما تجار حي السبتية فيقيمون شادرا لمائدة الرحمن، يتولى موظفون الإشراف عليه من حيث الطهي والنظافة والتجهيز ولا يفطرون قبل أن يطمئنوا علي كل شيء. واشتهر ميدان عابدين بإقامة مائدة ضخمة لأهالي المنطقة. وفي ميدان رمسيس تقام مائدة شهيرة خلف مسجد الفتح بها مجموعة عمل مكلفة بإعداد الطعام. ومن موائد الأحياء الراقية، المائدة التي تمتد أمام سور نادي الصيد بالدقي، وتحتشد بنحو 2000 ضيف في اليوم قبل أذان المغرب بأكثر من نصف ساعة. هذا بخلاف موائد الفنانات وعلى رأسها مائدة فيفي عبده ودينا وشيريهان وسميرة سعيد بالزمالك والمهندسين، وتحظى بإقبال هائل لما تقدمه من طعام فاخر إضافة إلى مبلغ مالي لكل ضيف على المائدة. وتحرص بعض الفنانات أحيانا على تقديم الخدمة بأنفسهن لرواد موائد الرحمن. وقد أثارت هذه الموائد جدلاً في المجتمع المصري، خاصة تلك الموائد التى تقيمها بعض الراقصات وسط موجة انتقادات وسخرية. موائد المشاهير وهناك عشرات الموائد الشهيرة التي يقيمها الأزهر الشريف، وتمثل فرصة لاجتذاب المشاهير في عالم الكتابة أو الأدب أو الفن أو المال. كذلك موائد رجال الأعمال المشهورين مثل مائدة د. أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في السيدة زينب مقر دائرته الانتخابية. ومن الموائد التي تقدم إفطاراً جاهزاً من أحد المطاعم الكبرى، مائدة رجلي الأعمال أحمد عز ومحمد فريد خميس رئيس لجنة الصناعة بمجلس الشورى في مدينة العاشر من رمضان. ورغم أن موائد الرحمن التي يقيمها رجال الأعمال والأغنياء وبعض المسئولين في تزايد مستمر إلا أن المساجد لا تزال أشهر الجهات القائمة على إعداد موائد الرحمن، حيث لا يخلو مسجد في مصر من مائدة رمضانية. ويلاحظ في السنوات الأخيرة أن كمية ونوعية "موائد الرحمن" قد تطورت بشكل ملموس، ولم تعد قائمة ضيوف "موائد الرحمن" تقتصرعلى الفقراء والمساكين وعابري السبيل فقط، لكنها امتدت لتشمل فئات أخرى ترتادها لأسباب مختلفة، منها التنزه، وخوض تجربة الإفطار بالهواء الطلق، فأصبحت تستضيف بعض الأجانب، حيث يجتذب شهر رمضان السائحين بطقوسه الخاصة، مثل طريقة إعداد الموائد الرمضانية، حتى أن البعض منهم يقبل على تجربة الصيام ويدعو نفسه للجلوس على موائد الرحمن للاستمتاع بهذا الجو الروحاني الذي يسوده التراحم والمودة، في محاولة لممارسة هذه الحالة الثقافية من ناحية، وتوفير ثمن وجبة من ناحية أخرى. وقد زاد من عدد وتنوع ضيوف الموائد الأزمات المرورية الطاحنة التي يشهدها رمضان في ساعة الذروة، مما يضطر غير المحتاجين أحيانا للجلوس عليها بحكم تأخرهم عن العودة لمنازلهم وقت الإفطار. موائد "ديلفيري" انتشرت مؤخراً ظاهرة توصيل الطعام للمنازل من موائد الرحمن في عدد كبير من الجمعيات الخيرية الإسلامية والمساجد، حيث بدأت بعض الجمعيات في تطبيق تقليد جديد هو إرسال وجبة الإفطار إلى منازل الفقراء، ومنها جمعية الرحمن بحي البساتين والتي يشرف عليها رجال الأعمال. وعلى سبيل المثال يقدم مسجد د. مصطفى محمود بالمهندسين في رمضان نحو 5000 وجبة يومياً، يتبرع لها أهل الخير، فهذه الطريقة تناسب شريحة أخرى من المحتاجين الذين يمنعهم الحياء من الذهاب إلى الموائد، أو يصعب عليهم الخروج إليها في الشوارع والميادين العامة لأسباب مختلفة. وتتنوع مستويات خدمة توصيل وجبات الإفطار، فمنها مايقدم للخيمة المعدة للجلوس بجوار المركز الرئيسي للجمعية وهناك من يأخذ طعامه خارج الخيمة، كما يتم توصيل وجبات الإفطار إلى منازل الفقراء من خلال سيارات خاصة بالجمعية فضلا عن تقديم الوجبات للجالسين فى الجامع المجاور للجمعية، وهناك سيارات محملة بموائد افطار متنقلة تجوب شوارع القاهرة، بحيث يقوم مندوبو الموائد بتسليم كل من يمر وقت الإفطار وجبات جاهزة، خصوصاً الذين يجدون صعوبة في ترك أماكنهم مثل رجال المرور والحراسة والنظافة وأطفال الشوارع، والعاملين في المحال التجارية وعابري السبيل. دراسة علمية كشفت دراسة لكلية الآداب جامعة القاهرة أن أهم ما يميز استعداد المصريين لرمضان هو تجهيز بعض أنواع المأكولات والمشروبات ذات الصلة الوثيقة بهذا الشهر، مثل الكنافة والكركدية وغيرها. وحول موائد الرحمن، تؤكد الدراسة أن رمضان يعكس مظهراً من مظاهر التكافل الاجتماعي والترابط وعطف الغني على الفقير، وذلك من خلال مايعرف بموائد الرحمن التي قسمتها إلى 3 أنواع، الأولى تتولى الإشراف عليها المساجد فيما يعرف ب"موائد المساجد"، ويتم تمويلها من أموال لجان الزكاة الخاصة بالمساجد، بالإضافة إلى معونات خاصة من الأفراد والأهالي، ويتم إعدادها طوال شهر رمضان. والثانية هي "موائد القادرين" التي يقيمها بعض الأغنياء، ويتولون الإشراف عليها، وتقام أمام منازلهم أو متاجرهم أو محالهم. والثالثة "موائد الشباب " أو "الموائد التطوعية"، ويتطوع للقيام بها عدد من الشباب الذين يتولون الإشراف عليها من حيث إعداد الطعام، وعلى كل متطوع أن يشارك أسرته في الإعداد والإشراف ومراسم الاستضافة. وتبين وفق نتائج دراسة حديثة أعدتها لجنة الفتاوى بالأزهر الشريف عام 2001 أن القائمين على موائد الرحمن في القاهرة وحدها ينفقون عليها ما يزيد عن مليار جنيه. كما أوضحت دراسة أخرى نشرتها جامعة الأزهر مؤخرا أن موائد الرحمن في القاهرة تتكلف قرابة مليار جنيه، بينما ينفق أهالي المحافظات الأخرى خارج القاهرة على هذه الموائد نحو مليار جنيه آخر. وأشارت الدراسة إلى أن عدد رواد موائد الرحمن في مصر يقدر بحوالي 3 ملايين مواطن، كما يبلغ عدد منظمي موائد الرحمن نحو 10 آلاف شخص ينفقون على موائد القاهرة. وتشير أحدث دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن "موائد الرحمن في رمضان" إلى وجود أكثر من 4000 مائدة بالقاهرة وحدها، يفطر عليها أكثر من 10 آلاف شخص يومياً.