بات ضروريا الآن بعد نجاح ثورة الشعب البيضاء وانتصار هذه الثورة التي كانت نموذجا غير مسبوق في الإرادة والتحدي والرقي في كل سلوكياتها يقودها هذا الشباب المثقف الذي استثمر وسائل التكنولوجيا في تحويل مثار هذه الثورة لتكون ثورة المثقفين بدلا من ثورة الجياع أو المحتجين كما يحاول البعض تصويرها!! بعد كل ذلك يبقي سؤال مهم في مقام حديثنا عن هذه الثورة المبهرة للعالم قاطبة وهو هل قامت الثورة من أجل اسقاط أشخاص النظام أم ان هناك هدفا أسمي قامت من أجله تلك الثورة؟ وبعبارة أخري هل المعيار الذي قامت من أجله تلك الثورة معيار شخصي أم معيار موضوعي؟ ان الاجابة علي هذا السؤال تقتضي ضرورة ان نعي أولا ان الثورة حينما تقوم بارادة الثوار من بني البشرية تقوم من أجل البناء فيكون الهدف الاساسي لأي ثورة هو أولا وأخيرا بناء الامجاد. والمقصود بالبناء هو الحفاظ علي كيان الدولة من خلال الادارة الجيدة للبلاد في جميع المناحي الحياتية سواء علي المستوي الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الأمني وذلك بدفع عجلة الانتاج وتشجيع الاستثمار مع ملاحظة ان تأمين الاستثمار لن يكون إلا بالعمل علي اعادة الحياة بالاعلان عن الوجه الحضاري لمصر الذي يشعر المستثمر بالامن والامان سواء فيما يتعلق بمصلحة المستثمر ذاته أو مصلحة الوطن ثم تأتي عودة الشرطة في إطار الشرعية وتحقيق العدالة حتي يتحقق الاحساس بالأمان والمقصود الأمان الفعلي لا الأمان الشكلي!!. ثم أيضا بناء البلاد تشريعيا علي المستوي السياسي من خلال وضع دستور جديد تطرح مواده علي الشعب في حوار عام بين القوي السياسية بكل أطيافها من أجل نهضة مصر لا من أجل مصالح شخصية!! والعمل علي ترسيخ مناخ ديمقراطي تسوده الحرية وخلق مجتمع لديه ثقافة الالتزام بالشفافية ومحاربة الفساد بصفة عامة والفساد الإداري بصفة خاصة!! وفي النهاية إذا تحقق هذا البناء للدولة علي أساس سليم من خلال تلك الثورة العظيمة التي قام بها شعب مصر في 52 يناير سوف تسقط منظومات الفساد التي كانت تدير البلاد سواء بملاحقتها عقابيا من خلال قضاء مصر الشامخ أو من خلال طردها تلقائيا وموتها اكلينيكيا فلن يستطيع فاسد أو ظالم ان يحيا في دولة العدالة ولن يجد الكذب والنفاق والفهلوة مكانا له وسط سلوك شعب يحكمه الصدق والاخلاص والامانة والابداع من أجل كل ما سبق فان هذه الثورة هي ثورة بناء من أجل تطهير البلاد من كل فاسد وظالم وكاذب ومنافق وعشوائي ليكون البديل هو الصدق والاخلاص والامانة والابداع من أجل بناء دولة تحقق المجد لمصر. وفي النهاية لن تكون هناك في ذاكرتي أفضل من مقولة شيخنا العالم الجليل الراحل فضيلة الشيخ الشعراوي »آفة الثائر من البشر أن يظل ثائرا باستمرار، لكن الثائر الحق يثور ليهدم الفساد.. ثم يهدأ ليبني الأمجاد«.