»بلد مفطور علي الكوميديا، إذا لم يجد ما يسخر منه، ضحك من نفسه، كيف تكون عادل إمام في شعب من الساخرين العظام؟». ضنين قلمي بأفعل التفضيل، ولا احتفي عادة بأعياد الميلاد، وبيني وبين الفن مسافة كافية للمشاهدة من بعيد، ولكن مرور نصف قرن علي ميلاد عادل إمام فنياً خليق بالاحتفال. احتفال بموهبة فنية مصرية خالصة، تجاوزت محيطها الوطني إلي عالمها العربي وغردت عالمياً، فصار كوميديان العرب الأول بلا منازع، متخطياً الحدود، متجاوزاً اللهجات، فصار الزعيم العربي الصامد في زمن سقوط الزعامات كأوراق الشجر الجاف هزته رياح الربيع العربي العاصفة. لست مؤرخاً سينمائياً، ولا ناقداً لأعمال فنية، ولكن ظاهرة عادل إمام لفتت جيلي وأجيالاً سبقت، نحن أجيال الأبيض والأسود التي فغرت فاها علي الالوان المبهرة في صالات العرض، ولايزال قادراً علي لفت أجيال الثورة الرقمية، كوميديان عابر للأجيال والثورات والحروب والانتصارات والانكسارات، عادل امام حاضر بفنه عبر عقود خمسة عبرت بمصر، عادل إمام عنوان رئيس لمدة خمسين عاماً. لا أزعم اقتراباً، ولكن كل من اقترب عاد يروي جانباً من حياة الزعيم، وهي جديرة بالتسجيل الأمين، فإذا كان عادل إمام نال محبة الجماهير العربية وفي القلب منها المصرية، وتربع علي قمة الكوميديا في بلد الكوميديانات الكبار، معضلة، كيف ترسم نفسك كوميدياناً في بلد مفطور علي الكوميديا، وشعب إذا لم يجد ما يسخر منه، ضحك من نفسه، كيف تكون عادل إمام في شعب من الساخرين العظام؟.. تكر السنون صاخبة وعادل إمام ينسج تاريخه الفني الخاص، أفلامه عناوين لمراحل من حياة المصريين، وشخوصه حاضرة في كل حارة وزقاق، وسخريته نابعة من معين لا ينضب، لقط إشارة المصري باكراً، وضبط موجته علي موجة الناس، فصار في قلب الشارع، لم يغادره وبرغم الريح وبرغم الجو الماطر والاعصار. ميلاد الزعيم اليوم، ويتكرر كل عام في نفس اليوم، ولكن ميلاده الفني ومهده المسرحي وشبابه السينمائي، وبلوغه الإبداعي كزعيم للقبيلة الفنية، يحتاج إلي مؤرخ فني حقيقي، صعب الإحاطة بظاهرة عادل إمام في سطور، وتظلمه عناوين الأفلام والمسرحيات والمسلسلات مجردة من سر الإبداع في شرائط هي دفتر أحوال المحروسة. قصة نصف قرن حتماً ولابد أن يرويها عادل إمام، وهو بطبعه حكاء، وما خفي من تقاطعاته الفنية مع عظماء، والسياسية مع زعماء، والبشر والحجر، عبر عقود مرت بالبلاد وشهدت أحداثاً جسام تستأهل وقفة من الزعيم، يحكي فيها ما كان منه وكان منهم، عادل إمام إن حكي. سيحكي طويلاً، لماذا لا يحكي عادل إمام الانسان، ما تيسر من سيرة عادل امام الزعيم، رحلة شاقة قطعها حتي وصل إلي قمة جبل السعادة، وكل صعود قبله انكسار، ومن اختمار الحلم ييجي النهار علي رأي عمنا » سيد حجاب ». كل سنة وأنت طيب يا تاجر السعادة وبرغم الحزن الساكن فينا ليل نهار.