تصميم معماري حديث.. محافظ بورسعيد يفتتح مسجد "الرضوان" في بورفؤاد - صور    سعر جرام الذهب اليوم فى مصر بمستهل التعاملات المسائية    كجوك: تخفيف الأعباء والالتزامات عن كل الممولين وتوسيع القاعدة الضريبية وتحسين بيئة الأعمال    بسبب صاروخ يمني.. توقف بعض مباريات الدوري الإسرائيلي لكرة القدم    ترامب يوجه رسالة إلى الصين: الأسواق المغلقة لم تعد مجدية    تراجع جديد في أعداد قاطني مخيم الهول السوري    متحدث الخارجية الأمريكية يدعو إلى استئناف تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي قبل الجولة 36    حبس قاتل زوجته فى الأقصر 4 أيام على ذمة التحقيقات    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    إمام المسجد الحرام: تأشيرة وتصريح الحج من لوازم شرط الاستطاعة    حقيقة إغلاق بعض بيوت الثقافة التابعة للهيئة العامة    ودع الدنيا يوم مولده.. 75 عامًا على رحيل الشيخ محمد رفعت وحكاية الصوت الذي لا ينسى    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    أكرم القصاص: دعوة بوتين للرئيس السيسى لحضور احتفالات ذكرى النصر تقديرا لدور مصر    الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    النار التهمت محصول 1000 فدان.. الدفع ب 22 سيارة للسيطرة على حريق شونة الكتان بالغربية    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    خبر في الجول - لجنة التظلمات تحدد موعد استدعاء طه عزت بشأن أزمة القمة.. ولا نية لتقديم القرار    أنشيلوتي يخطط لإسقاط برشلونة    أمين الفتوى: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة والوفاء بالعهد    السديس في خطبة المسجد الحرام يحذر من جرائم العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    فريق طبي بمستشفى سوهاج ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    استلام 215 ألف طن قمح في موسم 2025 بالمنيا    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    قناة السويس تدعو شركات الشحن لاستئناف الملاحة تدريجيًا بعد هدوء الهجمات    10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة    محمد عبد الرحمن يدخل في دائرة الشك من جديد في مسلسل برستيج    دمياط: قافلة طبية تحت مظلة حياة كريمة تقدم العلاج ل 1575 شخصا    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون    الطيران المدني الباكستاني: مجالنا الجوي آمن ومعظم المطارات استأنفت عملها    وزيرة التخطيط و التعاون الدولي :حققنا تطورًا كبيرًا في قطاع الطاقة المتجددة بتنفيذ إصلاحات هيكلية تجذب القطاع الخاص وتُعزز مركزنا كدولة رائدة    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الزمالك وسيراميكا بالدوري    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحليل العلمى لبرنامج «البرنامج»
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 04 - 2014

"لست ممن يحبون المشى فى الهوجة أو ركوب الأمواج، وأعتقد دائما أن أى حديث عاقل هدفه التحليل الموضوعى لابد أن يأتى فى وقت مناسب تكون فيه العقول مستعدة للأستماع والتفكر وتأمل المعطيات والنتائج.
لكن الظرف العام فى مصر الملئ بتدفق هائل فى الأحداث لا يسمح حقا بتأجيل الحديث عن الأمور الهامة التى تشغل بال أبناء الوطن. وكنت منذ فترة أود أن أحلل برنامج (البرنامج) من منظور علمى بحت من خلال الدراسات الأكاديمية والتحليل النقدى المحايد. وبعد سبع حلقات من بدء الموسم الجديد للبرنامج وانحرافه لمنحنيات أقل مهنية وأكثر ضررا للمجتمع، قررت أن يكون وقت كتابتى عن البرنامج الآن.
باسم يوسف بالطبع لم يخترع فن الكوميديا، ولا فريق اعداده. هم فقط لجأوا لنوع معين من الكوميديا سيتضح لاحقا أنه ليس من أفضل الأنواع ان لم يكن من أسوئها. فالكوميديا موجودة منذ بداية البشرية كاحتياج إنسانى متعدد الصور.



ترنيمة ريج فيدا الهندية المقدسة عام 1200 قبل الميلاد تؤكد أن البشر ضحكوا قبل اختراع النكات أو حتى قبل ابتكار اللغة. وعلماء المصريات بمجلة سمسونيان المتخصصة أكدوا أن أول نكتة عرفها البشر كانت عند الفراعنة عام 2600 قبل الميلاد. الكهنة كانوا هم الممثلين بالمسرح الفرعونى والموضوعات كانت الاساطير الدينية لكن تطور الامر فى مرحلة لاحقة ولعب المصريون القدماء الكوميديا ومنها السخرية السياسية. كان ازدهار الملهاة بالطبع فى بلاد اليونان وتحديدا فى اعياد الآله ديونيسيوس، التى تمخض عنها فن الدراما ليقدم أريستوفان وميناندر بعدها أروع الامثلة لفن الكوميديا القديمة. تطورت الكوميديا فى الادب اللاتينى ثم جاء القرن ال 16 لتصل الكوميديا الرومانسية الى ذروتها على يد شكسبير مثل مسرحيته (ضجة بلا طحن). وفى فرنسا كان ملك هذا النوع هو موليير الذى اقتبس اعماله الأولى من الهزليات الايطالية الرائجة انذاك وركز فى تناول الأحداث اليومية للناس وهجاء الرذيلة المتفشية فى المجتمع، ثم قدم كل أنواع الكوميديا مثل الرعوية والبطولية وغيرها. ولأنه عمل بمسرح متجول، فقد تعلم استقراء طبائع البشر والسخرية منها لاحقا.
تجلت المسرحيات الكوميدية الساخرة بعد ذلك فى أواخر القرن ال 18على يد شريدان وأوسكار وايلد وركزت حول سلوك الناس وأخلاقهم الفاسدة.وجاء القرن العشرين وقد تطورت الكوميديا بشكل كامل مما جعل انواعها الراقية تدخل السينما منذ بداياتها. صحيح قدم الفن السابع فى تجاربه الأولى كوميديا تهريجية، أو كوميديا سمكة خارج عالمها، أو كوميدية رخيصة حيث يقوم الكوميديون بالسقوط أو ضرب بعضهم البعض، لكن النجاح الاكبر للكوميديا فى السينما جاء مع شارلى شابلن وباستر كيتون وماكس ليندر. ظهر هؤلاء كأنهم فلاسفة أو منظرو عصورهم وارتقوا بالكوميديا الى اعلى مراتب الفن.فصنع كيتون فيلم ( الجنرال) عن الحرب الباردة وشابلن ( أضواء المدينة) و( العصور الحديثة) عن انسحاق الانسان فى المدينة المعاصرة. فرانك كابرا تلى هؤلاء واستطاع بث روح التفاؤل فى الحياة اليومية رغم اجواء الحروب والكساد الاعظم. وفى انجلترا نجحت كوميديا الفارس والميوزيك هول. أما فى مصر كان مسرح على الكسار يلاقى نجاح وتقديرا نقديا مثله مثل مسرح تراجيديات جورج ابيض ويوسف وهبى لاحقا. وبعد الحرب العالمية الثانية وازدهار التلفزيون فى الخمسينيات، باتت هناك الحاجة لنجوم جديد وصيغ كوميدية جديدة، فظهر بأمريكا دين مارتن وجيرى لويس وبفرنسا جاك تاتى وفرنانديل الذين ركزوا على كوميديا الاسرة ونقد الروابط الاجتماعية الزائفة تأثرا بالتراث الفرنسى الطويل فى هذا النوع. فى الستينات تفجرت موهبة بيتر سيلرز من خلال النقد الاجتماعى ووراءه وودى الان وميل بروكس. وجرت فى النهر مياها كثيرة وظهرت مواهب رائعة من ايدى ميرفى وتوم هانكس وصولا الى جيم كارى وادم ساندلر. وتأمل قائمة اكثر الافلام الكوميدية الأمريكية تحقيقا الايرادات أو حصولا على الجوائز العالمية المتخصصة فى هذا النوع مثل جولدن جلوب، تجد فيها عناوين مثل توتسي، وصباح الخير يا فييتنام ورجل فوق القمر ومسز داويت فاير . ويظهرمن تلك القائمة أن كلما كانت الأفلام اكثر انسانية ورقيا كلما كانت اكثر كوميدية . صحيح ان هناك أفلاما كثيرة رديئة قدمت فكاهة متدنية مثل ( توب جان وديزازتر موفى وايبيك موفى وغيرها) لكن بات من المؤكد أن السينما فى اخر اربعة عقود حافظت على تقاليد الكوميديا الراقية، بينما جعل انفجار المنافسة بين القنوات التلفزيونية التجارية أصحاب المحطات يفتحون الباب أمام اى ابتذال لجذب الأنظار، فعادت الكوميديا الرخيصة والمبتذلة التى كانت من ظواهر الكوميديا المنبوذة طوال تاريخها.
هل ينتمى برنامج البرنامج الى الكوميديا المبتذلة ؟
كثيرة هى الظواهر الجديرة بالنظر التى تصدم الدارس عندما يتامل برنامج البرنامج لباسم يوسف. بداية من العنوان نفسه الذى لا يحمل اى ابتكار أو خيال، وصولا الى الشكل الفنى للبرنامج المنقول بدون تجديد موضوعى من البرامج التلفزيونية الأمريكية الساخرة من الأحداث العامة أو تحديدا النقل بشكل اكبر من برنامج جون ستيورات ( ذا ديلى شو). وصولا الى موسيقى المقدمة لموسيقى المقدمة للموسم الثالث للبرنامج التى اقطع انها منقولة - وليست مستوحاة- من الموسيقى البوسنى ( جوران بيجوفيتش).
ورغم أن ما يضحك يختلف من ثقافة لاخرى ومن بلد لأخري، الا أن منظروا الفنون من افلاطون لكولريدج حتى تى اس اليوت عرفوا نوع ردئ من الكوميديا اسمه الكوميديا المبتذلة (أوف كالار هيومر ) ومنها الكوميديا الزرقاء أو الفاحشة أو الفاجرة. Ribaldry- Bawdry
وهذه بالطبع ليست تعبيرات أخلاقية متزيدة من طرفنا لكنها التعبيرات العلمية التى يوصف بها النوع التى تعتمد على الشتائم أو الأذلال ( كرينج)، أو التعبير بشكل جنسى عن مواضيع لا جنسية لا تفيد مناقشة الجنس كنشاط بشرى لكنها تقصد استخدامه للأهانة. وبالتعريف العلمى مرة أخري: الكوميديا المبتذلة هى الكوميديا التى تقدم الجنس فى موضوعات سفيهة بغرض بث الفكاهة فى النواقص ونقاط الضعف بدلا من تقديم الجنس بشكل فني.ومن ضمنها الكوميديا الزرقاء التى توصف علميا بأنها مدمرة اجتماعيا وغير لائقة لاحتواها على تلميحات مسفة. Innuendo
لا يمكن نكران ان كثيرا من تلك الكوميديا ظهرت فى اعمال لبعض المشاهير مثل لسيستراتا لأرستوفان أو جارجانتوا لفرنسوا رابليه و1601 لمارك توين، لكن تظل تلك الأعمال هى استثنائية فى مسيراتهم لا هم ولا النقاد اعتبروها اكثر من سقطات او محاولة لتجريب نوع ما. وبدون أى تردد نستطيع أن ننسب محتوى برنامج البرنامج الى هذا النوع من الكوميديا المبتذلة. مثله مثل كل من لجئوا للاضحاك الرخيص طوال تاريخ البشرية. فالبشر ابتكروا طرقا أكثر ذكاءا للاضحاك للتعبيرعن تعقيدات النفس البشرية وتفاعلاته مع المجتمع. لم يحتج الكوميديين العظماء الى اضفاء ايحاء ( بالمثلية الجنسية ) لمنافقين سياسيين لادانتهم اجتماعيا ، لكن برنامج البرنامج فعل ذلك. ولا يحتاج المجتمع الى السخرية من مقدم برامج لان طريقته توحى بالنعومة النسبية، فقد يكون (خلقة ربنا) وليس شاذا مثلا. ان التركيز الدائم على افيهات نابعة من سمنة أحد أعضاء فريق برنامج البرنامج ما هو الا اهانة لشكل بشرى طبيعى بما يجعل الكوميديا عنصرية وغير انسانية. وليس ذلك هو الاتجاه المذموم الوحيد للبرنامج ، لكنه يحفل بالعديد من القيم السلبية التى تخرج به من أى نوع محترم من الفنون. يخلط باسم بين العام والخاص فى السخرية ممن ينتقدهم، فيرد على من ينتقدوه باذاعة مقاطع لفن ردئ يقدموه، وهنا يستخدم الكوميديان سطوة الاضحاك ليكسب معركة بدون منافس فى ملعبه الخاص. فقد يكون لمن ينتقده أعمال فنية جيدة لا تستوجب تصنيفه فى هذا المكان، بالاضافة الا ليس من وظيفة البرنامج التجريح على خلفيات خلافات شخصية. قد يكون مفهوما ضيق مقدم البرنامج من شخصية ما لأنها هاجمت ثورة يناير مثلا، لكن لا يفيد لا الثورة ولا المتفرجين المساجلة الشخصية للانتقام من موقف اخر. الكوميديان بطبعه لابد ان يكون ذكيا لان الكوميديا تخاطب العقل لا تخاطب المشاعر ولا الأعصاب كأنواع الفنون المرئية الاخري. والذكاء يحتم البحث عن العاب عقلية تحدث الدهشة والمفاجأة وتبتعد عن الغلظة والمباشرة. الاجتزاء والسخرية من جزء مشوه من انسان ما ليس من الاعاب المحترمة للكوميديا، هو ببساطة اهانة. ناهيك على ان البرنامج يعتبر السب شيئا عاديا وميزة. وكأننا نعيش فى عالم بلا اى اعتبارات من اى نوع. ومن بين عيوب البرنامج أيضا ازدراء البسطاء .فقد دأب البرنامج على تقديم تعليقات حوارية لمصريين من كل الاعمار والطبقات لا ينتمون لاى تيار سياسى ، لكنهم ليس لديهم القدرة على التعبير السليم أو الاحكام فى الوصف. يحدث ذلك كثير جدا وبشكل مثير للتأمل عن الهدف من وراءه. أنت هنا لست بصدد شخصيات عامة تريد ادانتها والتحذير من تاثيرها السلبى على المجتمع، لكنك ترسخ انطباعا بالسفه للناس العادية بفعل تراكم اللجوء لتعليقاتهم الساذجة وغير المحكمة.
من ناحية الشكل تدور كوميديا الحلقات فى دائرة مغلقة بدون تجديد من السخرية على لقطات الوجه الثابتة فى وضع مضحك، أو تثبيت صورة متحركة او التعليق الساخر على مقطع تلفزيوني. فباصراره على أن يكون كوميديان ببدلة، يبدو باسم يوسف بائسا فى عدم امتلاكه لأى ملكات كوميدية تميزه سوى السخرية الغليظة. لا ملمح من تقمص لشخصية اخري، او تغيير من الهيئة او الصوت او تعبير بالجسد. حتى عندما يترجل ويقدم اسكتش ما، يبدو الفرق فى الموهبة ضخم بين باسم مثلا وزميله الأكثر موهبة خالد منصور. أما عن تقليد الاغانى المشهورة التى يتم تغيير كلماتها بشكل سياسي، فرغم أن بعض الكلمات تكون مضحكة احيانا لكنها لا تعلق فى الاذهان بعد انتهاء الحلقة. والسبب أنها تنفتقد الانسجام الداخلى لكلمات الاغنية، فتبدو ووكأنها كلمة من هنا أو هناك. اما عن تحليل المضمون فيحتاج ربما لمقالات اكثر توسعا، لكن ما ينبغى قوله هو أن الكوميديان نحاسبه نقديا اذا اختار موضوعات أقل اولوية أو غير مبررة والا أصبح صاحب غرض شخصى ويستخدم السخرية حسب أهواءه. وليس المأخذ هنا فقط هو خيانة مقدم البرنامج لعقده مع المتفرجين الذين سلموه أذهانهم وأرواحهم التواقة للضحك، فلعب بهم بما يهوى وليس بما يستحق، لكنه هنا يتحول الى طاغية يسخر ممن يحب وكيفما يشاء. بالاضافة ان هناك قول ماثور يقول ( لا تتحدثوا عن السياسة بشكل غير سياسي)، فلم يسال صناع البرنامحج أنفسهم من التدمير الذين يحدثوه من السخرية من الرئيس الروسى مثلا، وليتهم كانوا يسخرون سخرية موضوعة، لكن مرة اخرى سخرية مبتذلة. يقينى أن باسم لم يقرا تاريخ الكوميديا ولا يعرف أن استخدام السخرية من الاخرين بدون تمييز او بما ينبغى فى المجال الذى ينبغى عليهم انتقاده، لهو نارا قد تحرقه قبل غيره كما احرقته من قبل.
وهناك الميل لتعظيم الذات والحديث عنها والتبرير لها عند مقدم البرنامج بشكل واضح جدا فى عدد من الحلقات مثل اول حلقة من الموسم الثالث. فلا يحتاج المتفرجين لكل تلك الجرعة لحديث يوسف عن نفسه ونواياه، فالكوميديان العظيم مثل كل الأسماء الهامة فى التاريخ يسخر من نفسه اكثر مما يسخر من الاخرين. حتى عندما أخطأ مقدم البرنامج فى موضوع مقاله وهو حدث جلل لمن ينقد الاخرين بهذه الحدة، لم يسخر من نفسه بقدر مناسب للحدث. وهناك أيضا النزعة الانتقامية لمقدم البرنامج عندما يقدم اشارات خارج السياق فى الحديث عن اشخاص له خصومات شخصية معهم. مثل سخريته من مالك قنوات يؤسس قنوات (لا يشاهدها احدا) بعد خلافه مع نفس القناة التى فسخت عقدها معه. متى اصبحت تلك القناة لا يشاهدها احد ؟ هل عندما اختلفت معها ؟
وليت برنامج باسم يوسف يركز فقط على فضح النفاق السياسى، او السخرية من ضعف المهنية الاعلامية، او تخبط المشهد السياسي. لكن يذهب الى اتجاهات أكثر هدما للكثير من القيم الايجابية التى قد يكون من شانها بث الأمل. لنفترض أن الاختراع العلمى الخاص بجهاز الفيروس سى والايدز بأحد جوانبه ما يستحق السخرية، ألا يسأل مقدم البرنامج نفسه هنا الى اى حد يهدم الامل فى نفوس المرضى حتى ولو كان هذا الامل واحد بالمائة ؟ حتى ولو دافع باسم يوسف وقال أنه ضد الايهام بشيئ غير حقيقي، لكن أى منطق انسانى كان يتطلب منه الأ يسخر من الاختراع الان حتى تتضح حقيقته ؟
فيما يخص الكوميدبا المبتذلة، لابد من الاشارة أن المجتمع الأمريكى اصبح اكثر تسامحا مع هذا النوع من الفكاهة خاصة فى برامج التلفزيون والأذاعة..وتمثل ذلك فى نجاح بيتر كوك وريتشارد دريور او فى جماهيرية الكوميديا الزرقاء مع اناس مثل نيل بوتز وفيل هندري.
ولا يهم طبعا اذا وضع صناع البرنامج لافتة للكبار فقط فى بدايته، فمن قال ان الابتذال منتج مسموح به للكبار ؟ وكيف يضمن صناع البرنامج الا يشاهد الاطفال برنامجك وأنت لديك مسئولية يحملها اياك نجاحك..ولابد هنا للاشارة بأن هناك فرق بين اللغة الخاصة المسموح بها فى دوائر ما وبين أن تقدم ذلك فى وسيلة اعلام عامة. فلا حجة مثلا ان الناس تتفوه بالنكات البذيئة فى جلساتها، وعليه تستطيع تكرارها فى محفل عام. من البديهى ان لكل مقام مقال. وباسم يوسف هنا لا يقوم مثلا بكسر تابوهات او دفع خطوط الحرية بالمجتمع الى الامام.
لأنه ليس هدفا فى حد ذاته ان يصبح السباب والبذاءة من ضمن لغة الحياة اليومية أو المسموح بها. Pushing boundaries
وباسم لا يصبح كوميديا عظيما او حتى عاديا لأنه يسخر من اقوى رجال المجتمع أو رئيس الجمهورية أو اشهر الاعلاميين، والا كان كل من فعلوا ذلك طوال التاريخ من اهم فنانى العالم. مقدم برنامج البرنامج ببساطة يسلى الناس بالكوميديا المبتذلة والنكات الجنسية. انه ليس احد المتمردين الكبار فى تاريخ الفن، فقد صنع من نفسه سلعة تجارية ينتقل بها من محطة لاخري. لو كان فعلا اصلاحيا كبيرا او مدافعا عن مبادئ، فكان لا يقبل الاموال الضخمة التى تخرج من موسم الاحتراف التلفزيوني،و يذهب لفضاء الانترنت اذا اراد ان يكون أكثرحرية واستقلالية. و من المعروف طبعا انه لا يستطيع انتقاد بلد المحطة التى يخرج منه برنامجه الان، لانه اذا فعل سيغلق برنامجه فى ذات اللحظة. وهذا يؤكد ان للسخرية حدود عند مقدم البرنامج، حتى لوكان يريد اعطاء الانتباه بأنه قادر على انتقاد اى شيئ او اى شخص، وهذا عكس الحقيقة. وهكذا فهو هنا لا يسخر من اى عوار أو فساد ما محتمل، لكنه يسخر حسب هواه، ولا يسخر طبعا ممن يدفعون له. وطبعا هذا ليس فنا.
نجاح البرنامج نابع من عيوب بعض المصريين واهمها حب النميمة والميل بخلط العام بالخاص والمبالغة فى العيوب بدلا من التقييم العادل للاشياء والبشر. وهكدذا ما يفعله مقدم البرنامج أنه يعمق عيوب المصريين ويستغلها بدلا من ان يصلحها.
فوائد الكوميديا وأدوارها فى العالم
للكوميديا فوائد سيكولوجية واجتماعية بل وبيولوجية حسب بعض النظريات الطبية. تقول جوليا ويلكينز فى كتابها (نظريات الكوميديا و الفوائد الفسيولوجية للضحك): الضحك أحد الاركان الاساسية فى حياة البشر و يخدم وظائف كثيرة للأنسان مثل تقوية العلاقات بين الناس والحفاظ على صحة الانسان. وتقول دراسات رادكليف براون أن الضحك بقى مع الزمن بمبدأ الانتخاب الطبيعى، فبطبيعته وامكاناته ما جعله يتعايش ويتعايش.فاذا لم تكن هناك أنواع راقية للكوميديا لما كان قد بقى مع الزمن. أما ماك دوجال فيقول إن الكوميديا تطورت كدرع واقى لأن البشر يحتاجون للطف مع بعضهم البعض ليتعايشوا. وكان دوجال من اوائل من لفتوا النظر للفوائد الفسيولوجية للكوميديا، وتطور الأمر لاحقا لادخال الكوميديا ضمن عمليات الاستشفاء والتمريض. وهناك أبحاث كان واتزل على طلبة الجامعات التى تربط الكوميديا بانخفاض مستويات الضغط والقلق. ودراسات يابانية عن انخفاض معدلات السكر لمشاهد أى منتج كوميدى. وبالعالم ما يسمى بال ( كلاون دكتورز) وهم اناس يرتدون ملابس مهرجين و يذهبون للمستشفيات لاضحاك المرضى وتحديدا الأطفال. أما على المستوى الاجتماعى، فالكوميديا تهدف بالاساس الى معالجة العوار بالمجتمع و العادات السيئة والتقاليد البالية والظلم الاجتماعى والامراض النفسية الناتجة عن تعقيدات الحياة. أين برنامج البرنامج من كل ذلك ؟ تاريخ الكوميديا بمصر سواء فى المسرح أو السينما كان عظيما الى أبعد حد. من ملهاة على الكسار الى كوميديا نجيب الريحانى الانسانية حتى تلقائية اسماعيل ياسين.و فى المسرح كانت مسرحيات نعمان عاشور وسعد الدين وهبة ومحمود دياب لآلئ مشعة، حتى عادل امام عندما انتقد بسبب ما كان يلجا إليه احيانا من صفع للكومبارس أو بعض المبالغات، تطور بعدها ليصنع مجدا عظيما من موضوعات جادة وجريئة وباسلوب كوميدى انسانى بديع. ودائما ما راعى اولويات الموضوعات الجديرة بالنقد الاجتماعى. وبوصولنا لاحمد حلمي، فمهما قيل عن بساطة اغلب افلامه الا أنها تظل انسانية ماعدا بعض الهنات هنا وهناك. أين باسم يوسف من كل هؤلاء، والى أى مدى يفيد ما يقدمه المجتمع بل والانسان بصفة عامة ؟ ان بعض ما يحسب له من فضح المنافقين لا يجعل البرنامج هاما او عظيما او بناءا او يفيد الفن او الانسان او المجتمع. ببساطة تتفوق تاثيرات برنامج البرنامج السلبية على آيجابياته.
ليس الكوميديان افضل اخلاقيا ممن يسخر منهم.فالنقد لابد أن يكون من الأفعال وليس للحكم على الاشخاص بشكل مطلق. والنجاح قد يجعل البعض يتورط فى العبث. فبأى منطق تشوه اسم عمرو فيسخر الآباء من أبنائهم الذين يحملون نفس الأسم ؟ ما هدف الكوميديا إذن ؟ هل هو العبث؟ أم المضى فى السخرية حتى آخر اهانة ممكنة.
لست محللا نفسيا، لكن تأمل برنامج البرنامج وأداؤه ليدفع الناقد عن التساؤل بشكل قوى عن التركيبة النفسية لصناعه.
الفن المصرى مليئة بالطبع بالمنتجات الفنية والاعلامية الرديئة، ولعل البدء بنقد برنامج البرنامج سيكون مدخلنا الى نقد تجارب رديئة اخرى اقل نجاحا وأقل تأثيرا وأقل تخريبا للعقول والافئدة. فقط لابد أن يتذكر الانسان ان ليس كل ما يلمع ذهبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.