الشاعر الكبير أحمد عبد المُعطي حجازي أوضح أن التجديد بدأ منذ قرنين من الزمان وقت أن كتب الطهطاوي عن الوطن والعقيدة والدستور والمرأة والديمقراطية والعلم ، كل هذا تجديد في الخطاب الديني لأن ما قدمه الطهطاوي وتلاميذه من بعده لم يكن موجودًا من قبل وصولًا إلي تجديد الفقه وإصلاح برامج الأزهر وتدريس العلوم الحديثة وتحرير المرأة ، كل هذا أدي إلي تجديد الخطاب فيما عدا مؤسسة واحدة ظلت متشبثةً بالخطاب القديم وهي الأزهر ، كما كان يُحاربُ الثقافة الجديدة ممثلة في محمد عبده وعلي عبد الرازق وخالد محمد خالد وغيرهم ، وإلي الآن »الأزهر» هو العقبة الكئود أمام التجديد ، لأنه لا يُجدد في الواقع ، وإلا ما الذي قام به وقدمه في مقابل ما قدمه المثقفون ، وحتي المتنورون الأزهريون اضطُهدوا في الأزهر. وأشار حجازي إلي أن التجديد الحقيقي قام به المثقفون الذين لم يتخرجوا من الأزهر مثل فرج فودة والمستشار العشماوي وغيرهما ، والتجديد الحقيقي منوط بإطلاق الحريات حتي لا يُحبس إسلام بحيري أو أساتذة الجامعات ، مع الرجوع إلي كتاب طه إبراهيم: »مساهمة في حل أزمة العقل العربي المسلم» ، مع الفصل التام بين الدين والدولة ، فلا يصح القول إن هوية الدولة إسلامية وإنما هوية الدولة وطنية لأن الدولة لمن يعيشون في ظلها؛ كما ينبغي التأكيد علي أن الأزهر ليس سلطة دينية وإنما مؤسسة علمية وهي جزء من التجديد ولكن الاجتهاد حق لكل المسلمين ، وعلي الأزهر أن يُثبت أنه المنبع الأول لعلوم الدين التي تستطيع تلبية احتياجاتنا في العصر الحديث والاعتراف بأن الديمقراطية حق ، وأن حقوق الإنسان مقدسة وأن المرأة مساوية للرجل ماديا ومعنويا. مراجعة النفس الناقد الأدبي د.عادل ضرغام يؤكد أن علي مؤسسة الأزهر الشريف أن تعيد تشكيل نفسها ذاتيا دون وصاية أو تدخل ، وأن تسمع بعناية وتنصت للنقد المقدم لدورها ، وأن تراجع نفسها في فكرة الوصاية أو إسدال سلطة قاهرة ، وأن يتفرغ لدوره الريادي التنويري ، ويكون مؤثرا ، وهذا الأثر الذي أرجوه لا يُخلق بشكل لحظي أو آني ، وإنما يُخلق فقط من خلال توليد نسق المساءلة المستمرة ، ومراقبة التجليات العديدة لمقاربة أي موضوع ، إذا نجحنا في خلخلة اليقين البسيط المتولد من الجهل والعوز في الحكم اللحظي علي الأشياء فهذا نجاح كبير ، لأن ذلك يوجه نحو تفكيك البنيات الجاهزة والمستقرة بيقين حاد ، والخروج من نسق الوصاية والاحتماء إلي نسق الفاعلية والتأثير. ويشير ضرغام إلي أننا نحتاج في هذه اللحظة في خطابنا الديني إلي مراجعة ما لدينا والوعي بما لدي الآخرين ، ونحتاج أيضا إلي إعادة النظر في المسلمات التي تحولت بالتدريج إلي عقيدة لدي البعض ، بل أصبح لمثل هذه المسلمات أو المقولات أو الأوصاف التي تطلق لإضفاء نوع من المغايرة والاختلاف علي شخص ما نوع من القداسة ، وهذه القداسة مارست تأثيرا في تغييب العقل ، وفي تغييب نسق المساءلة المستمرة الذي يمثل بالنسبة للإنسان إطارًا مهمًّا كاشفًا عن وعيه بسياقه الحضاري ، ومنها كذلك الانتباه إلي حتمية التأويل وضرورته المرحلية الآنية التي تنطلق من سياقاتنا ، واختبار جدواه وفاعليته ، فالتأويل الآني لا يأتي من فراغ ، وإنما يأتي متجاوبًا ومبنيًا علي السابق ، ولكن يتبقي أن يتحرك هذا التأويل بحرية دون وصاية من أحد ، أو سطوة قوة قاهرة ، قد تكون نسقًا اجتماعيًّا أو فكرة ضاغطة ، أو سلطة فاعلة. وعن العوائق التي تقف أمام تجديد الخطاب الديني ، يؤكد د. ضرغام أن الإنسان المؤسس مهما كان حجم إنجازه يجب ألا يكون مشروعه العلمي والفكري بعيدا عن المساءلة ، والبشر بشكل عام لديهم ميل لصنع هذه السلطة الفكرية أو الروحية ، طلبًا للراحة أو الاستنامة أو الاحتماء بالجاهز البسيط والمقدس ، وأشد أنواع هذه الوصايا فتكًا وأثرًا هي تلك الوصاية التي تتشكل بداخلنا دون أن نشعر بتشكلها ، ودون أن نملك لها دفعًا ، ولا نواجهها إلا بالتسليم. إذا أردنا أن يحدث تغيير نوعي في الخطاب الديني وفي كل الخطابات والمجالات علينا أن نتخلص من سلطة الوصاية هذه المرتبطة ببعض المفكرين علي مر التاريخ دون تجريح أو بعض المؤسسات دون التقليل من دورها التاريخي ، من خلال القراءة الواعية للمنجز دون تأليه أو إضفاء نوع من القداسة علي مفكر مهما كان حجم إنجازه ، وعندها فقط نتخلص من الاستلاب ، ليتحول إسهامنا إلي فاعلية خلاقة من خلال الحوار مع ما سبق. وعن آليات التجديد أيضًا يشير د. ضرغام إلي أن تفكيك خطاب الكراهية والإرهاب يرتبط في الأساس بشيئين علي نحو كبير من الأهمية ، الأول منهما: نشر الوعي في إطار تكوين مقاربة مغايرة للسائد والنمطي والبسيط الذي يأخذ سلطته من انتمائه للمقدس في تعاليه المباين عن الخطاب البشري ، ومن خلال إصرار أصحابه علي إسدال التماهي بين الخطابات الساذجة لهؤلاء الأفراد والنصوص المقدسة ، واللعب علي مشاعر البسطاء من الناس ، والأخير يتمثل في تفكيك المقولات الجاهزة التي تستند إليها هذه الجماعات في تسويغ الكراهية والإرهاب ، ومحاولة تعرية النماذج التي يحاولون إسدال قداسة عليها دون مبرر واضح ، لأن هذه الجماعات لها ميراث طويل في صنع هذه الهالة.