هذه القصة التي سأحكيها لا علاقة لها بمصر، فأنا أتكلم عن مكان آخر في عصر غير العصر. يحكي والله أعلم بغيبه وأحكم، أن شعباً من الشعوب القديمة عاشت بين أهله جماعة لئيمة، أصيبت بداء عضال اسمه حب المال، ووجدوا أن السبيل لجمع المال الكثير أن يذبحوا الحمير، لأن جلد الحمار يباع للصين بأغلي الأسعار، أما اللحم فمكسبه جبار. لذلك كانوا بعد الذبح يشفون الحمار بحذر، ويستخرجون منه الإنتركوت المعتبر، والإسكالوب المفتخر، والموزة العجيبة، والريش الغريبة، والكباب الذي يخطف العقول، والطرب الذي ليس لطعمه مثيل، والكفتة المدهشة، والكبد المنعشة، وبعد هذا يدورون باللحم علي المطاعم المشهورة، والفنادق المذكورة، ودكاكين الجزارة، في كل شارع وحارة. والخلاصة يا سادة يا كرام أن الناس أدمنوا أكل الحمير، ولم يعد يستغني عنها كبير ولا صغير. وصار في داخل كل رجل حمار، فسبحان القادر الجبار. بعد فترة من الزمن ظهرت علي أهالي البلاد أعراض لفتت نظر بقية العباد، إذ أخذت آذان الناس تطول، وفي نهاية العمود الفقري نبتت للبشر ذيول، أما طريقة الكلام فقد صارت بالزعيق. واختلط فيها الكلام بالنهيق، فإذا أراد المذيع مثلاً أن يقول كلمة » هذا » نطقها هكذا : ها ها ها هاذاااااا، وإذا أراد أن يقول » هؤلاء » فإنه ينطقها : ها ها ها هاؤلااااااااااااء. ورصد علماء الأنثروبولوجي ظهور لغة جديدة أسموها لغة الرفس، تعتمد علي الضرب بالأرجل وهز الذيل والنطح بالرأس. ولفت نظر أحد الرحالة، أن أشهر الكتب التي نشرت في هذه الحالة، هي مؤلفات توفيق الحكيم وهو كاتب كبير معروف بحبه للحمير. لكن الشيء الذي لم يصدقه الرحالة، هو مناقشات وسائل الإعلام الطويلة، حول النشيد الوطني الذي يعبر عن الحب للبلد الجميل، وضرورة تغييره بنشيد بديل، يغنيه مطرب شهير، اسمه سعد الصغير، وتقول كلماته : بحبك يا حمار. كل هذه الأحداث مرت علي البلد الذي ليس هو مصر، ولم تحدث في هذا العصر، لكن الشيء الذي استوقف الجميع، ووصفه الإعلام بأنه فظيع، وصرحت الداخلية بأنه مريع، هو مظاهرات الحمير أمام مجلس النواب، ووقوفهم أمام الباب، ومطالبتهم بالحوار مع المسئولين، لإنهاء هذا الوضع المهين. وبعد أخذ ورد، خرج نائب يبدو عليه الجد، فنهقت الحمير فرحاً نهقة جهورية، وهللت للمقابلة التاريخية، وبدأ الحوار، علي مرأي ومسمع من كل حمارة وحمار. لكن المشكلة أن كل الحمير كانت تتكلم في نفس الوقت، فطلب النائب منهم الصمت، وأن يتحدث عنهم حمار واحد، ويعرض باختصار أسباب غضبهم الجامد، وبعد مداولات وتنهيقات ورفسات، استقر الرأي علي أن يتحدث باسمهم حمار كبير، له شأن بينهم خطير. قال الحمار لا فض فوه، ومات كمداً حاسدوه، كلاماً لو نقش بالإبر علي عيون البشر لكان عبرة لمن اعتبر. قال إن سبب المظاهرة هو رغبة الحمير في المحافظة علي نقاء جنسهم، وإنهم لا يريدون الاختلاط بمن عاش حياته يستغلهم، وإنهم يريدون محاكمة من يذبح الحمير ويطعمها للصغير والكبير. ومن بين ما طالبوا به : تجريم اتهام البني آدمين لبعضهم بأنهم أغبياء كالحمير، وإن فلاناً حمار شغل ولهذا يلقي التقدير. لكن أهم ما طالبوا به هو إصدار رقم قومي لكل حمار، حتي يمكن للمسئولين أن يعرفوا موقف كل منهم باستمرار، ويعلمون لو تم الاعتداء علي حياتهم، أو مس الجزارون شعرة من جلودهم أو جلود أحد من أسرهم، وأنذروا النائب بأنه إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم خلال اثنتين وسبعين ساعة، وواصل الناس الغباء والنطاعة، فلا يلومن أحد إلا نفسه، لأنه لم يحسب حساباً للحمار وبأسه. تري هل يستمع أحد لصرخات الحمير ؟