أصدر السفير هاني خلاف كتابا عن خبراته كمساعد وزير الخارجية للشئون العربية و مندوبا دائما لمصر في الجامعة العربية، و لهذا ليس غريبا أن يكون عنوان الكتاب "الدبلوماسية المصرية و الهموم العربية" (مركز الأهرام للترجمة و النشر2010) و لا تقتصر خبرات السفير هاني خلاف العربية علي هذا بل انه سبق أن عمل في تونس ثم سفيرا لمصر في ليبيا. و أخشي أن المساحة المتاحة لهذا المقال سوف تجعلني اظلم الكتاب وما طرحه من قضايا تتصل بالعمل العربي سواء فيما يتعلق بمصر ودورها في النظام العربي و ما يثيره ذلك من إشكاليات العمل العربي المشترك و مفهوم "السيادة الوطنية"، و هو ما سينعكس في اجتماعات الجامعة العربية، فضلا عن القضية الفلسطينية و انعكاساتها علي العمل العربي المشترك. مثل هذه القضايا و غيرها تحتاج إلي عرض تفصيلي فيما تضمنته من خبرات و ممارسات مهنية تقدم للباحث و المهتم بالشئون العربية أساسا سليما للتقييم. غير أن في هذا المقال سوف أركز علي قضية مهمة أثارها الكاتب و هي ظاهرة التداخل بين دور المؤسسات والأجهزة المتصلة بالسياسة الخارجية و بين دور الجهاز الدبلوماسي المتمثل في وزارة الخارجية، وبموضوعية ينبه الكاتب إلي ميل هذه المؤسسات إلي ما اسماه بالانتقاء من القضايا بما يعني أن ما يتحقق من انجاز ونجاح تنسبه إلي نفسها، أما ما قد يحدث من إخفاقات فإنه ينسب إلي وزارة الخارجية رغم أن الكثير من عناصر ومصادر هذا القصور يرجع إلي أسباب و أطراف أخري خارج وزارة الخارجية، كما ينبه الكاتب إلي قضية مهمة تتصل إلي ما أصبح للعديد من وزارات و مؤسسات الدولة من مكاتب فنية تلحق بالسفارات وتتولي شئون ابتداء من التعليم والثقافة والعمال، والطب و الإعلام والسياحة دون أن يكون لوزارة الخارجية دور في اختيار العناصر المؤهلة لأداء هذه المكاتب. و يثير هذا بالتالي قضية مهمة تتعلق بتكامل العمل الخارجي و هي قضية التنسيق المنتظم والمؤسسي بين وزارة الخارجية و بين الوزارات و المؤسسات التي أصبح لها أدوار تتصل في النهاية بالسياسة الخارجية و المصالح المصرية. و يثير الكتاب ما أصبح من اهتمامات و متابعات مؤرخو الدبلوماسية والتطورات التي لحقت بها في الحقبة الأخيرة و مدي تأثيرها علي دور الدبلوماسية و هي التطورات التي بلغت من الاتساع و التأثير مما جعل بعض المؤرخين يتساءلون ان كانت الدبلوماسية قد أصبحت ضرورة . وتتمثل هذه التطورات التي لحقت بالدبلوماسية أساسا في ثورة الاتصالات والمعلومات و التي جعلت من الممكن علي رؤساء ووزراء الخارجية أن يكونوا علي اتصال يومي يناقشون فيه أحداثا و تطورات تتصل إما بعلاقات بلادهم الثنائية أو تطورات و أحداث إقليمية و دولية، و قد تضمن هذا التطور ما أصبح يعرف بلقاءات أو مؤتمرات القمة التي تجمع بين رؤساء الدول والحكومات، كل هذا هو الذي أثار السؤال الذي اشرنا إليه عن ضرورة الدبلوماسية اليوم و هل مازال عن دور السفراء والدبلوماسية ضروريا أم انه أصبح هامشيا بروتوكوليا، وهو السؤال الذي يستحق نقاشا و سبق لكاتب هذه السطور أن طرحه و خصص له فصلا في كتابه "في الدبلوماسية المعاصرة". أما القضية الأهم التي أثارها الكتاب فهي تلك التي اعتبر أنها تتصل بإدارة السياسة الخارجية المصرية، وتذكيره بأن دولا كثيرة تلجأ إلي تشكيل مجالس للأمن القومي، الأمر الذي أصبح اليوم ضرورة للإدارة الكفء للسياسة الخارجية المصرية باعتبار أنها أصبحت تعمل في بيئة إقليمية و دولية غاية في التعقيد تتطلب رصدا و تقييما منظما تشارك فيه مؤسسات الدولة التي لها ادوار في السياسة الخارجية المصرية، وقد سبق لكاتب هذه السطور أن دعا من هذا المكان إلي إنشاء مجلس للأمن القومي يضم المسئولين عن الأجهزة المختلفة فضلا عن خبراء من خارجها و تكون مهمته أولا متابعة القضايا الإقليمية و الدولية و توقعاتها وصياغة المواقف و البدائل المختلفة للتعامل معها. أما إشارة السفير خلاف إلي دور وزير الخارجية فإنه من الأمور المشجعة انه ابتداء من وزير الخارجية محمد صلاح الدين، مرورا بالدكتور محمود فوزي ، ومحمد حسن الزيات، ود.بطرس غالي والسيد عمرو موسي، و احمد ماهر واحمد أبو الغيط، قد كانوا جميعا من الوجوه المشرفة لمصر و الدبلوماسية المصرية، ويجب أن نذكر الرئيس حسني مبارك وحرصه علي اختيار وزراء الخارجية من أبناء الوزارة الذين تربوا و تمرسوا بالعمل الدبلوماسي وعرفوا من خلاله العالم وقضاياه فضلا عن جهاز وزارة الخارجية و أعضائه و كيف تعمل. ومن بين المتطلبات التي تصورها السفير خلاف في وزارة الخارجية حديثه عن "الكاريزما"، و الواقع انه إذا كان هذا من خصائص وزراء الخارجية فيجب أن نفهم هذه الكاريزما علي إنها القائمة علي ما حدده فعلا من روح المبادرة و الابتكار في العمل والرصانة في الحديث و التعبير عن المواقف و الثقافة الموسوعية و بشكل يضمن أن يبدو مقنعا سواء في الداخل أو في الخارج. علي أي حال فإن كتاب السفير خلاف سوف يضاف إلي المكتبة الدبلوماسية المصرية وإلي الدبلوماسيين المصريين الذين حرصوا علي تسجيل و رصد خبراتهم وتجاربهم الدبلوماسية،هذا فضلا عن هؤلاء الذين لهم رصيد في العمل البحثي والأكاديمي.