رأيت صورة حديثة للفنانة مني زكي تضع علي رأسها بريهاً وتعلن أنها ستمثل دور شهيدة ميدان التحرير سالي في فيلم سينمائي. وقد رأيت مني زكي عندما مثلت دوراً صغيراً في مسلسل: وجع البعاد. المأخوذ عن رواية لي. ولاحظت عليها انكماشها وبعدها عن الآخرين. والأهم عدم اهتمامها بما يمكن أن يسمي بالهم العام. أكتب هذا الكلام للتوصيف فقط ولا يوجد لديَّ أي نية للحكم لها أو عليها. لذلك استغربت اهتمامها بميدان التحرير. وسعيها أن تكون أول بطلة لأول فيلم يتم إنتاجه بسرعة غير عادية عن ميدان التحرير. وقبل أن أدخل لرواق الموضوع. أحذر أن مثل هذا الفيلم وغيره من الأفلام الأخري قد ينطبق عليها التعبير الشعبي: سلق بيض. لأنني متأكد أن مني زكي ومن سيعملون معها في هذا الفيلم لا يعرفون عن سالي إلا أنها كانت في ميدان التحرير. أما قصتها وما جري بعد استشهادها وحتي محاولات سرقة هذا الاستشهاد. سواء من السلفيين أو من أهلها. بالتحديد أمها. فربما لا تعرف عن ذلك أي شئ. مع أن حكاية أسلمتها ونزع صورتها السافرة من ميدان التحرير واستبدالها بصورة محجبة. كل هذه التفاصيل التالية لاستشهادها العظيم يمكن أن يوفر المادة التي تقدم لنا دراما حقيقية في هذه القصة. أنا هنا لا أقلل من بطولة سالي. ولا أحب الجري وراء ما قاله زملاؤها عن ملابسات الاستشهاد. لكني فقط أدافع عن حق قصتها في النظر إليها نظرة حقيقية بعيداً عن سحر الحدث ورائحة البطولة التي ربما حرمت من يريدون تحويل هذه البطولات لأعمال فنية. وفي هذا الأمر ما يسعدني وما يزعجني بنفس القدر. سعيد بأن بطولات الأبطال قد لا تنسي. وأن محاولة تخليدها بالفن واردة. ولكني منزعج من الجري واللهاث الذي ربما تم علي حساب جودة العمل الفني. أكتب عن اللهوجة والسرعة الشديدة في سرقة ما جري في ميدان التحرير سينمائياً. في وقت الأحداث سمعنا أن مخرجاً اصطحب معه مصوراً وذهب إلي ميدان التحرير ليصور ما يجري هناك. باعتبار أن هذه الصور يمكن أن تشكل نواة فيلم روائي سينمائي يتم الانتهاء منه قريباً لعرضه في دور السينما. ثمة سباق غير عادي بين مخرجي السينما وكتاب السيناريو وأبطال السينما علي من سيصبح صاحب أول تعبير للفن السينمائي عن الحدث الجديد. وبذلك يمكن أن يطلق عليهم أنهم صناع أول فيلم سينمائي عن ثورة 25 يناير. مع أن السبق يمكن الحرص عليه في العمل الصحفي أو التناول التليفزيوني أو الإذاعي. أما في الفن فلا سبق علي الإطلاق. فربما كان آخر من يتناول الحدث أكثرهم جودة وأقربهم إلي التناول الجميل الذي يترك أكبر أثر عند الناس.. لن أسمح لنفسي بالتوهان في مواقف الفنانين المصريين من الثورة التي أعلنوها وقتها. ثم تراجعهم عما أعلنوه بطريقة مهينة لهم. وليتهم صمتوا في الأول وصمتوا في الآخر. لكنهم ابتذلوا أنفسهم وكشفوا للناس أنهم يفتقدون لأبسط ما يجب أن يتمتع به الفنان الحقيقي. ألا وهو القدرة علي التقاط جوهر ما يجري حوله في بلاده. ثم سمعنا عن فيلم يجري كتابته من أجل تصويره بسرعة عن فترات حظر التجول. وما جري فيها من وقائع. وفيلم ثان عن اللجان الشعبية التي حمت البيوت والشوارع والحواري في غياب الشرطة وقبل نزول القوات المسلحة. وفيلم ثالث عن نهب المتحف المصري. لست في حاجة للقول أن ثمة حالة من السرعة المخيفة في محاولة قطف ثمار ما جري في ميدان التحرير سينمائياً. مع أن السينما ليس لها موعد ثابت لعرض أفلامها مثل الدراما التليفزيونية التي لا بد أن تلحق موعد العرض في رمضان. وهذا التسابق المخيف قد يجعلنا نشاهد أشياء هزيلة كاريكاتورية لا تمت بصلة لما كان موجوداً بميدان التحرير. كنت أتصور من مخرجي السينما التريث والانتظار حتي ينتهي الحدث في أرض الواقع. ثم ترقب صدور أعمال روائية أو مذكرات شخصية أو يوميات لتحويلها لأفلام سينمائية. انتظار حتي ينضج الموضوع ويصل لختامه الطبيعي. لكن هذه السرعة ستعيدنا مرة أخري لسينما اللمبي. وما أدراك ما اللمبي. وما أدراك ما هذه السينما التي أفسدت الأذواق. مع أن بعض صناع هذه الموجة كانوا أول من ركب علي ميدان التحرير.. كنت أتصور أن دور صناع السينما التسجيلية كان لا بد أن يواكب الحدث لحظة وقوعه في أرض الواقع. كان يمكن الذهاب إلي التحرير وتصوير ما يحدث فيه من باب التسجيل فقط للتاريخ وللذكري وللأزمنة القادمة. وأنا لا أعرف هل ذهب هناك أحد أم لم يذهب؟ ما أشعر به تجاه صناع السينما التسجيلية أن معظمهم أصبحوا من تجار السينما التسجيلية أو مقاولي السينما التسجيلية. الذين كان يتم استدعاؤهم لعمل فيلم تسجيلي عن أمر ما. علي أن يتولي من طلبوا منهم هذا الطلب تمويل الأمر من الألف إلي الياء. وهذه المقاولة لن نجد فيها فنا ولا يحزنون. 18 يوماً في ميدان التحرير. وأكثر من 15 يوماً بعدها كانت تصلح للتصوير التسجيلي الذي يرصد اللحظة الهاربة ويسجلها قبل أن تصبح ضمن وقائع التاريخ. وليس لديَّ من اليقين ما يدفعني للقول أن هذا لم يحدث. أيضاً لا أستطيع الزعم أنه حدث مع أن ما جري كان في أمس الحاجة للكاميرا التسجيلية.